مدى الكرمل يختتم مؤتمره السنويّ لعام 2021
تاريخ النشر: 03/06/21 | 10:56عقدَ مركز مدى الكرمل- المركز العربي للدراسات الاجتماعيّة التطبيقيّة، مؤتمره السنويّ للعام 2021 السبت الماضي في مسرح وسينماتك أم الفحم. تناول المؤتمر هذا العام “مقارَبات سياسيّة واجتماعيّة بين جائحة كورونا، والانتفاضة الراهنة”، وطَرَحَ نقاشًا للتداعيات السياسيّة والاجتماعيّة التي خلّفتها الجائحة والهبّة الشعبيّة الحالية على واقع ومستقبل المجتمع الفلسطينيّ في إسرائيل والتحدّيات التي فرضتهما أمامه. يُعدُّ هذا المؤتمر جزءً من النشاط الأكاديميّ الذي يسعى مركز مدى الكرمل من خلاله إلى إنتاج معرفة مُنحازة للقضيّة الفلسطينيّة وهموم الشعب الفلسطينيّ. وقد أثبت المؤتمر تطوّرًا ملحوظًا في طروحاته، مقارباته المعرفيّة، تنظيمه واستقطابه مئات الباحثين والباحثات على المستوى الفلسطينيّ وعلى مستوى العالم العربيّ على حدّ سواء.
في كلمته، رحّب الدكتور سمير صبحي، رئيس بلديّة أمّ الفحم؛ بمدى الكرمل وجمهور المؤتمر، وشاركَ من موقعِه كرئيس بلديّة بإضاءات على المشاكل الأساسيّة التي يعاني منها مجتمعنا الفلسطينيّ. أعقبته البروفيسورة نادرة شلهوب- كيفوركيان، رئيسة الهيئة الإداريّة لمدى الكرمل؛ بكلمة شجّعت فيها الكتابة البحثيّة التحرريّة، وأثنَتْ على مسار مدى الكرمل نحوَ التحرر من القوالب النظريّة المهيمنة وتعزيز الإنتاج المعرفيّ الفكريّ الفلسطينيّ الذي يتحدّى ويزعزع الرواية الإسرائيليّة. فيما اختار الدكتور أيمن اغباريّة، المُحاضر في كلّيّة التربية بجامعة حيفا، وعضو اللجنة الأكاديميّة للمؤتمر، اللجوء إلى الأعمال الفنّيّة واستحضار لوحة “انتصار الموت” للفنان الهولندي بيتر بروغل الأكبر، ليشير إلى تقاطع الوباء والحرب فيها كما يتقاطعان في واقع الفلسطينيّ.
ألقى الدكتور مهنّد مصطفى، المدير العامّ لمدى الكرمل، بمحاضرة افتتاحيّة تحمل عنوان: “التوجّهات السياسيّة للفلسطينيّين في إسرائيل بعد الهبّة الشعبيّة”، والتي استعرض فيها نتائج استطلاع كان المركز قد أجراه لفهم أسباب الهبّة الشعبيّة، وفهم التحوّلات والتوجّهات في المواقف السياسيّة للفلسطينيّين في إسرائيل في أعقاب هذه الهبّة. يُبيِّن الاستطلاع أنّ نسبة 60% من المشاركين فيه يرونَ أنّ أحداث المسجد الأقصى والشيخ جرّاح هي العامل المركزيّ لاندلاع الهبّة الشعبيّة. وفقًا لتحليل الدكتور مُصطفى، تكشف هذه النتائج عن مركزيّة مدينة القدس كرمز دينيّ ورمز وطني سياسيّ تتشابه فيها الممارسات السياسيّة مع باقي مناطق فلسطين التاريخيّة. تشكّل القدس نقطة انطلاق المقاومة الشعبيّة ذاك أنّها نقطة التقاء الشعب الفلسطينيّ على اختلاف سياقاته السياسيّة، وهي التي تقطع البتر الذي حدث للشعب الفلسطينيّ.
إحدى النتائج الإضافيّة الهامّة للاستطلاع، أنّ %48 من المشاركين فيه، يرونَ أنّ حجم دور الأحزاب العربيّة في الهبّة الشعبيّة الأخيرة قليل جدًّا. ويُوضّح مصطفى أنّ هذه الهبّة نشأت مع وجود مركز سياسيّ فلسطينيّ ضعيف، لذا فقد حدثت خارج المركز السياسيّ الفلسطينيّ وبدون تأثيره. يعتزم المركز على نشر باقي نتائج الاستطلاع وتحليلها في كتاب المؤتمر السنويّ في الأيّام القريبة.
ترأس الجلسة الأولى “العسكرة لدى المجتمع الفلسطينيّ بين جائحة كورونا والانتفاضة الراهنة” الـﭘروفيسور أمل جمّال، المُحاضر والباحث في قسم العلوم السياسيّة في جامعة تل أبيب وعضو اللجنة الأكاديميّة للمؤتمر. خلال الجلسة، عرضت حلا مرشود، المُمثّلة عن مركز الأبحاث “من يربح من الاحتلال”، والباحثة في مجال الاقتصاد السياسيّ، مداخلة بعنوان “الردّ الأمنيّ والعسكريّ الإسرائيليّ على الوباء: معانٍ وتداعيات”. ادّعت مرشود بأنّ المنظومة الاستعماريّة الاستيطانيّة لإسرائيل تحاول عسكرة وأمننة جميع القطاعات المدنيّة، واستغلّت الأزمة لعسكرة وأمننة القطاع الصحيّ، وذلك من خلال تدخّل ضباط الجيش والشرطة في الأمور المدنيّة ومحاربة جائحة كورونا بواسطة الأجهزة الأمنيّة والعسكريّة الإسرائيليّة، ومن خلال تدخّل الوحدات الاستخباراتيّة، وتصنيع أجهزة صحّيّة ومعدّات رقابة بواسطة استغلال المعرفة العسكريّة في شركات الهايتك والسايبر وشركات تصنيع الأسلحة الإسرائيليّة.
شاركت د. نجمة علي، زميلة البحث في “المركز القوميّ للسلام وأبحاث الصراع” في جامعة أوتاغو – نيوزيلندا، بمداخلة بعنوان “التكنولوجيا المُعسكرة لجائحة كورونا: الرقابة “الذكيّة”، السجن الكبير وَ “الأَسْرَلة الضابطة”. حاولت د. نجمة من خلال مداخلتها استكشاف تأثير تطبيق آليات المراقبة الشاملة التي استعملت بفترة الجائحة على السلوك الفلسطينيّ في المستقبل، وربطه بنوع جديد من الأسرلة في ظل السلطة التكنولوجيّة، وبالأساس في بلورة سلوك ترويضيّ وضابط، وهو ما أسمته بالأسرلة الضابطة. استعرضت د. علي أهمّ مظاهر العسكرة لجائحة كورونا: منح صلاحيات جديدة لانتشار الجنود في الحيّز العام، توسيع صلاحيات الشاباك- قانونيًّا وتشريعيًّا، فرز الكوادر الطبّيّة العسكريّة في مرافق حيويّة، استنفار الفرق الاستخباراتيّة للجيش، توظيف التكنولوجيا العسكريّة. وكذلك، تطرّقت د. علي لأساليب وسبل الرقابة في الهبّة الشعبيّة الأخيرة: مواجهة حذف المحتوى، الأمان الرقميّ: مواجهة الحظر، الكاميرات، تحديد الموقع الجغرافيّ، التصوير والنشر الذاتيّ.
عَقَّبَ على هذه الجلسة النائب سامي أبو شحادة، عضو الكنيست عن التّجمع الوطنيّ الديمقراطيّ في القائمة المشتركة. بدأ النائب كلامه بالتنويه إلى أنّ آليّات المراقبة والتجسس الإسرائيليّين موجودة بشكل دائم، وهي من بديهيّات النظام، وتشكّل الوضع الطبيعيّ فيه. ووضّح النائب غياب الفصل بين المجتمع والجيش في إسرائيل، إذ تتعامل الدولة مع الجيش على أنّه المؤسسة الوحيدة القادرة على إدارة أيّ نوع من الأزمات، وقد سهّلت التكنولوجيا عمليّة التجسس، المراقبة وعسكرة الجائحة هذه.
كما وعقّبَ الدكتور يوسف جبارين، الاختصاصيّ الحقوقيّ وعضو الكنيست السابق عن الجبهة الديمقراطيّة للسلام والمساواة في القائمة المشتركة، على نفس الجلسة. نقد جبارين التعامل مع الهبّة الأخيرة بواسطة أدوات القمع الأمنيّة العسكريّة عوضًا عن الأدوات المدنيّة التي على أيّ مجتمع ديمقراطيّ تبنّيها في التعامل مع الاحتجاجات الجماهيريّة المدنيّة والشرعيّة، وإن اتّخذت هذه الاحتجاجات بُعدًا قوميًّا.
ترأست الجلسة الثّانية والمعنونة “التعليم العربيّ في سياق جائحة كورونا”، البروفيسورة سراب أبو ربيعة – قويدر، المُحاضِرة في قسم التربية في جامعة بن ﭼـوريون، وعضوة اللجنة الأكاديميّة للمؤتمر. شاركت تغريد زعبي، المستشارة التربويّة وطالبة الدكتوراه في قسم التربية في جامعة حيفا، بمداخلتها “مواقف المُدرّسين العرب تجاه التعلّم عن بُعد في عصر الكورونا”. ادّعت زعبي أنّ جهاز التعليم كلّه ليس جاهزًا للتعلّم عن بُعد، كما وأنّ المُدرِّسين غير جاهزين وغير متمكّنين من التدريس التكنولوجيّ. يبرز ذلك بشكل خاصّ في جهاز التعليم العربيّ الذي يُعاني من ضعف البُنى التحتيّة التكنولوجيّة، حيث يقع تدريج البلدات العربيّة في الأماكن الأخيرة من العناقيد الاجتماعيّة-الاقتصاديّة. أمّا في مداخلته “التعليم العربيّ في النقب في ظلّ جائحة الكورونا” يكشف خليل دهابشة، مدير مدرسة “أورط” المتنبّي الشاملة في كسيفة، عن انقطاع عشرات الآلاف من الطلبة في النقب عن الدراسة لأشهر طويلة بسبب عدم جاهزيّة ومناليّة الوسائط المساعِدة للتعلُّم عن بُعد لدى الغالبيّة العظمى منهم. وكان طلّاب القرى غير المعترَف بها هم الأكثر تضرُّرًا من إغلاق جهاز التعليم وتبعاته، بسبب انعدامِ البُنى التحتيّة في القرى والنقصِ الشديد في الإمكانات ووسائط التعليم عن بُعد. ليس هذا فحسب، بل لقد أظهرت الأزمة أنّ القرى غير المعترف بها مُعدمة من الناحية الخدماتيّة، لعدم وجود سلطة أو مؤسّسات مسؤولة ومكلَّفة رسميًّا بإدارة الأزمات وتقديم الدعم والترشيد اللازم لآلاف الأُسَر الواقعة تحت وطأة الجائحة.
عَقَّبَ على هذه الجلسة د. شرف حسّان، رئيس لجنة متابعة قضايا التعليم العربيّ. دعى د. حسّان المجتمع المدنيّ والمدرّسين العرب إلى التحرر من ثقافة العجز والأخذ بزمام المبادرة من خلال النداء بتغيير البعد الأيديولوجيّ والفكريّ للمعلّمين ونظرتهم لوظيفتهم ودورهم في تحدّي الصعوبات الناجمة عن جائحة كورونا. طالب د. حسّان كلّ معلّم أن يرى بنفسه مُثَقِّفًا ومُثَقَّفًا، قياديًّا مسؤولًا وليس أداةً لتمرير مواد حُدِّدَت على يد وزارة التربية والتعليم وحسب. كما وَعَقَّبَ على ذات الجلسة المحامي نديم المصري، رئيس اللجنة القُطْريّة لأولياء أمور الطلّاب العرب في إسرائيل. قال المصريّ بأنّ وزارة التربية والتعليم لم تكن جاهزة لأيّ نوع من حالات الطوارئ عدا تلك الأمنيّة، وبالطبع لم تكن جاهزة للوباء. وأضاف أنّ وزارة التعليم تعاملت مع احتياجات المدارس العربيّة في الهبّة الأخيرة بواسطة سياسة التجاهل، إذ لم يتوفّر الأمان للطلبة عند التنقّل في البلدات العربيّة والمختلطة، وافتقرت المدارس العربيّة للبنى التحتيّة من بنايات آمنة وملاجئ وغيرها. كما ولم تتوفّر للطلبة العلاجات والدعم النفسيّ والعاطفيّ في أعقاب الأحداث. يضيف المصري أنّ وزارة المعارف منعت حرّيّة التعبير عن الرأي من خلال منع التطرّق للهُويّة أو للأحداث الراهنة.
ترأست الجلسة الثالثة والأخيرة من المؤتمر “العنف الاجتماعيّ والقدس في سياق جائحة كورونا”، البروفيسورة نادرة شلهوب- كيفوركيان، رئيسة الهيئة الإداريّة لمدى الكرمل. شاركت في الجلسة لبنى علينات خلايلة، طالبة الدكتوراه بموضوع “الإدارة التربويّة” في الجامعة العربيّة الأمريكيّة- رام الله؛ بمداخلتها “العنف ضدّ النساء في فترة أزمة الكورونا”. تناولت خلايلة ازدياد وتيرة العنف ضد النساء في ظل جائحة كورونا، وبيّنت أنّ تشابك عوامل عديدة تقف وراء هذا الازدياد، إذ ترى أنّ الظروف التي فرضتها الجائحة من خلال التباعد الاجتماعيّ والحجر المنزليّ مع رجال عنيفين بالتزامن مع فقدان مصادر الرزق والضغط والقلق الاقتصاديّ والصحّيّ، كلّها شكّلت أرضيّة خصبة للعنف ضدّ النساء.
عقّب على هذه المداخلة السيّد بسّام حمدان، مُدير قسم الخدمات الاجتماعيّة في مجلس جديّدة – المكر المحلّيّ. يرى السيّد حمدان أنّه لا يمكن دراسة ظاهرة العنف ضدّ النساء بمعزل عن السياق السياسيّ، الاقتصاديّ والأمنيّ، ويرى في ممارسات تعنيف الرجل للمرأة تكرارا لمظاهر الهيمنة والسيطرة التي تمارسها المنظومة الاستعماريّة القمعيّة على الفلسطينيّين. وطالب بتغيير نهج وأساليب التدخّل، وضرورة تجنيد الرجل العربيّ ومرتكب الجرائم للعلاج وطلب المساعدة بدلًا من الاكتفاء بتوعية النساء لحقوقها. وبيّن إمكانيّة تحقيق ذلك من خلال تطوير رُؤية شاملة تبدأ من المدارس وتمرّ بباقي الأطر الاجتماعيّة في كلّ بلد.
قدّمت رهام سماعنة، طالبة الماجستير في الأدب والتواصل بين الثقافات، الجامعة العربيّة الأمريكيّة في رام الله، مداخلتها “الاستثناء المركّب داخل البلدة القديمة في القدس خلال فترة الجائحة”. أشارت سماعنة إلى أنّ الاحتلال زاد من ممارساته الاحتلاليّة خلال فترة الجائحة في البلدة القديمة في القدس، ذلك أنّ الأزمات تشكّل غالبا وقودًا للقوّة المُهيمنة وتُغذّي فرض السيطرة على الفئات المستضعفة. تظهر هذه الممارسات من خلال تزايد العنف الاستعماريّ المُفرط على السكان والمكان من تقسيم، عزل، هدم، غرامات وحبس سواء منزلي أو فعليّ. تدّعي سماعنة أنّ كلّ هذه الاجراءات وغيرها تهدف الى صهر.