بدون مؤاخذة-بين نتنياهو وترامب
تاريخ النشر: 07/06/21 | 8:51جميل السلحوت
هناك قواسم مشتركة كثيرة بين نتنياهو وتابعه الرّئيس الأمريكيّ السّابق رونالد ترامب، حتّى نهايتهما قد تكون متشابهة، فكلّ منهما لم يتعامل مع منصبه إلا من خلال مصالحه الخاصّة، فترامب تعامل مع منصب الرّئاسة الأمريكيّة كصفقة تجاريّة رابحة، لذا فقد استطاع بكفاءة عالية أن يضع أمريكا في صدام علنيّ مع كثير من البلدان والشّعوب والأمم وفي مقدّمتها دول عظمى مثل الصّين وروسيا، كما استطاع ترسيخ الإنقسام الدّاخليّ بين الأعراق والدّيانات المختلفة من مكوّنات الشّعب الأمريكيّ، وعندما خسر الإنتخابات الرّئاسيّة حرّض أتباعه على اقتحام مبنى الكونغرس.
ولمّا وضع ترامب وفريقه من المحافظين الجدد أمريكا ومقدّراتها في خدمة الصّهيونيّة العالميّة، بناء على غيبيّات دينيّة، فقد قبل املاءات نتنياهو عليه، وألغى الأتّفاق النّووي مع ايران، ونقل سفارة بلاده إلى القدس، وبصفاقة لا تليق بمختار قرية صغيرة أصدر قرارات خرقاء باعتبار الجولان السّوريّة المحتلة جزءا من اسرائيل، وأعلن المهزلة التي تسمّى “صفقة القرن”، وأمر مخاتير بعض الأنظمة العربيّة بتطبيع علاقاتها مع اسرائيل فاستجابوا له صاغرين، وغيرها من الحماقات لتصفية القضيّة الفلسطينيّة لصالح المشروع الصّهيونيّ التّوسّعيّ.
ولو نجح ترامب في انتخابات الرّئاسة الأمريكيّة لمرّة ثانية لكان له دور كبير في ادخال بلاده في صراعات داخليّة وخارجيّة لها أوّل وليس لها آخر، لكنّها حتما ستهدّد السّلم العالميّ.
وفي المقابل فإنّ نتنياهو أستاذ ترامب في التّطرّف والفكر العنصريّ، قد استغلّ فترة رئاسته للحكومة الإسرائيليّةح لترسيخ الفكر اليمينيّ العنصريّ المتطرّف، وسنّ تشريعات وقوانين تحميه، مثل قانون”القوميّة ويهوديّة الدّولة” وقانون”كامينتس” للإستيلاء على الأراضي الفلسطينيّة، والإسراع في تهويد القدس وبقيّة أراضي الضّفّة الغربيّة، وتكثيف الإستيطان اليهوديّ فيها، والاحتفال بتطبيع العلاقات مع أنظمة تتسلّط على أقطار عربيّة نيابة عن أمريكا، واستطاع توسيع الهوّة بين اليهود أنفسهم في اسرائيل، وبينهم وبين الفلسطينيّين في الدّاخل الفلسطيني. ورضوخ كنوز أمريكا واسرائيل من المتصهينين العرب اللامحدود المجّانيّ لشروط نتنياهو وترامب شجّعته على ممارسة التّطهير العرقيّ كما يجري في حيّ الشّيخ جرّاح وبطن الهوى في سلوان في القدس، والتّمادي في تدنيس المسجد الأقصى المبارك ومحاولة تقسيمه مكانيّا بعد تقسيمه زمانيّا؛ ليبني الهيكل المزعوم. وهذا ما أدّى إلى الهبّة الفلسطينيّة الأخيرة، التي صاحبتها حرب الأحد عشر يوما على قطاع غزّة. والتي كانت نتائجها -رغم الخسائر الفادحة المادّيّة وفي الأرواح التي لحقت بقطاع غزة، بسبب استعمال أسلحة الدّمار بطريقة مبالغ فيها-، جاءت على عكس ما كان يتمنّاه نتنياهو، فقد قلبت السّحر على السّاحر.
وكما خسر ترامب انتخابات الرّئاسة الأمريكيّة، ولم يعترف بنتيجة الإنتخابات حتّى يومنا هذا، فإنّ أستاذه نتنياهو فشل هو الآخر في تشكيل الحكومة الإسرائيليّة. لكنّه هو الآخر لم يعترف بنجاح خصومه”بينيت-لابيد”، وبالتّالي فهو لا يزال مستمرّا في التّحريض عليها، وتحريضه هذا قد يقود إلى نتائج على شعبه لا تحمد عقباها، وهذا ما حذّر منه قادة الأجهزة الأمنيّة الإسرائيليّة.
ومن المعروف أنّ أمريكا وحليفتها اسرائيل وما تمثّله كقاعدة عسكريّة أمريكيّة في الشّرق الأوسط دولتا مؤسّسات، رغم ما يمثّله رأس كلّ منهما من دور لا يمكن القفز عنه، إلا أنّ بايدن خليفة ترامب، وتحالف “بينيت لابيد” خليفة نتنياهو لا يختلفان عن سابقيهما إلا في التّكتيك والقدرة على إدارة الصّراع، يجدان نفسيهما أمام حقائق جديدة فرضتها وقائع جديدة. وإذا كان ترامب ينتظر انتخابات الرّئاسة الأمريكيّة القادمة في العام 2024؛ ليحاول خوض الإنتخابات من جديد؛ ليعود إلى الرّئاسة، إلا أنّ نتنياهو لم يتوقّف لحظة واحدة عن العمل لإفشال خصومه؛ ليعود إلى رئاسة الحكومة لينقذ نفسه من المحاكم التي تنتظره بتهم الفساد، والتي قد تقوده إلى السّجن، ومن غير المستبعد في أيّامه الأخيرة وقبل أن تحظى حكومة بينيت-لابيد بثقة الكنيست أن يفتعل مشاكل قد تقود إلى حرب إقليميّة.
ورغم الدّور النّاشط للنّظام المصريّ في الشّهر الأخير، وما يصاحبه من ارتجاف أنظمة التّطبيع العربي بعد سقوط ترامب ونتنياهو، إلا أنّ النّظام العربيّ في مجمله لا يزال خارج لعبة الصّراع.