في السؤال: منْ هو المثقف؟!
تاريخ النشر: 28/06/21 | 15:31بقلم: شاكر فريد حسن
تعاني مجتمعاتنا العربية الكثير من المشاكل والقضايا على جميع الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية، والحديث هنا لا يدور حول هذه القضايا وطرحها وإيجاد الحلول لها، وإنما لإثارة التفكير والنقاش حولها.
ومن المسائل التي ظلت على الدوام في دائرة الجدل والنقاش، هي مسألة المثقف، وهي هاجس المشتغلين في الحقل الثقافي، حيث ظل السؤال الأبرز والأهم: من هو المثقف؟ وما هي مواصفاته، وما الذي يجعله مثقفًا، ولماذا غاب دور المثقف العربي الشرقي، وتضاؤل فرصه في إحداث التغيير الجذري النوعي في المجتمع.؟!.
هناك من يربط المثقف بالثقافة والأفكار، وهناك من يربطه بالتعليم، وفي ذلك خلط واضح بين النظر إلى المثقف كما يجب والواقع الذي يعيش فيه ومدى قدرته على المشاركة في تغييره. ولكن تبقى الحقيقة أن المثقف هو من يملك قدرًا كبيرًا من الثقافة والمعرفة الفكرية المتنوعة والاطلاع الواسع، وصاحب المبادرات الفردية، والقادر على اتباع الأفكار الجديدة، أفكار الحداثة والمعاصرة، وكذلك لديه القدرة على التعامل والتعاطي مع الأفكار القديمة التي أنتجها الفلاسفة ورجالات الفكر والتاريخ، وتقع على عاتقه المسألة التنويرية، إذ أن المثقف يؤمن بدوره التنويري في المجتمع. إنه باختصار أداة الوعي، العارف ببواطن الأمور، المطلع والمتعلم، الخبير والوصي على مجتمعه.
لقد عرف “ماكس فيبر” المثقف بأنه “من يحمل صفات ثقافية وعقلانية مميزة، تؤهله للنفاذ إلى المجتمع”، في حين يرى ادوارد شيلز أن “المثقف هو المتعلم الذي يملك طموحًا سياسيًا للوصول إلى مراكز صنع القرار”، بينما المفكر الفلسطيني ابن يافا، هشام شرابي فقد رأى أن المثقف هو “الشخص الملتزم والواعي، اجتماعيًا بحيث يكون بمقدوره رؤية المجتمع والوقوف على مشاكله وخصائصه وملامحه”.
ويصف محمد أركون المثقف بأنه “الرجل الذي يتحلى بروح مستقلة محبة للاستكشاف والتحري، ولها نزعة نقدية واحتجاجية تشتغل باسم الروح والفكر”.
ويقول صاحب كتاب “المثقف والسلطة” أدوار سعيد بأن المثقف “فرد وُهِبَ ملكة عقلية لتوضيح رسالة أو وجهة نظر أو موقف أو فلسفة أو يجسد أي من هذه أو تبيانها بألفاظ واضحة لجمهور ما، وأيضًا نيابة عنه. ولهذا الدور محاذير ايضًا ولا يمكن القيام به من دون الشعور بأن مهمته هي طرح الأسئلة علنًا ومواجهة التزمت والجمود، وأن يكون شخصًا ليس من السهل على الحكومات أو الشركات احتواءه، والذي ندر وجوده هو أن تمثل هؤلاء الناس والقضايا التي تسنى أن يغفل أمرها بشكل روتيني”.
ومن هذه التعريفات نرى أن هنالك حاجة ماسة وأهمية بالغة للمثقف في المجتمع، لممارسة دوره الريادي والطليعي والنهضوي والنقدي والتنويري التقدمي في تنمية الوعي الاجتماعي والسياسي وتطوره. وما يميز المثقف عن غيره من الناس أن لديه رؤية ورؤيا ووعي اجتماعي تمكنه من رؤية مجتمعه بنظرة شمولية عميقة ليتعرف على سمات أفراده، ويشعر بالمشكلات التي تعترض تقدمه وازدهاره ونهوضه، وحينها يستطيع تحليل قضايا مجتمعه والتعاطي معها، وأيضًا أن له دور اجتماعي من خلال الاستفادة من قدراته وامكاناته ليكون ذا تأثير إيجابي على الأفراد في المجتمع، سواءً بحل المشكلات الراهنة، أو بطرح أفكار ومقترحات تطويرية تخدم الفرد والمجتمع.
وفي الوقت الذي شهدت فيه مجتمعاتنا العربية نهضة علمية ومعرفية وثقافية، ولعب المثقفون دورًا كبيرًا وهامًا في هذه النهضة، إلا أنه للأسف تضاءل حد التلاشي الدور النهضوي والتنويري للمثقفين في سائر الوطن العربي، نتيجة التدجين والحصار الثقافي وتضييق الخناق عليهم من قبل المؤسسة والسلطة الحاكمة وتعرضهم للملاحقات والاعتقال والاغتيالات والمحاكمات والابعاد، كما حدث مع فرج فودة، وناهض حتر، ونصر حامد أبو زيد وغيرهم الكثيرين، فضلًا عن تنامي قوى الإرهاب الديني والحركات السياسية الدينية، وتكشير الطائفية والعشائرية عن أسنانها وأنيابها الحادة. ناهيك عن انعدام الثقة بين القطاعات الشعبية والجماهيرية وبين النخب الفكرية المثقفة، وانتقال الثقة للجهة الأكثر ضمانًا لاستمرار الحياة وتوفير العيش ورغيف الخبز، الجهة الأكثر ضيق أفق، والأكثر تخلفًا، وهي السلطة وقوى الطائفية والعائلية والعشائرية. فالسلطة لا تنتج إلا ثقافة سلطوية تعيد إنتاج التسلط والاستبداد والتخلف والإقصاء، وتبني سدًا منيعًا بين الفرد وبين حرية التفكير، لتبقى المجتمعات كما تريد وترتجي السلطة وتشتهي.
وفي النهاية يظل السؤال: هل يستعيد المثقفون العرب دورهم المنشود، ويساهموا في تغيير المجتمع وبناء مجتمعات مدنية وديمقراطية وحداثوية معاصرة قائمة على التعددية وثقافة الاختلاف واحترام الرأي والفكر الآخر.؟!!