حكايةُ توم وجيري بين الخصمين نتنياهو وبينت
تاريخ النشر: 26/07/21 | 10:22بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
ستبقى الحرب متقدة بين الهر توم والفأر جيري، وسيتواصل الصراع وستحتدم المواجهة بينهما، وسيحاول كلٌ منهما الإيقاع بالآخر والقضاء عليه، مستخدماً كل السبل الممكنة والوسائل المتاحة، الناعمة والخشنة، واللطيفة والقاسية، الخفية والعلنية، والمباشرة والملتوية، ولا يبدو أنها ستتوقف يوماً، رغم تجديد فصولها وتطوير مشاهدها، وتعدد قصصها وخيال أحداثها، وتغير زمانها وتبدل شخوصها، إلا أن الصورة النمطية لهما ستبقى في الذاكرة ولا تنسى، ولن يسدل الستار على مقالبهما وقصصهما، وسيكون دوماً مناصرون لجيري ومؤيدون له ومعجبون به، كما سيجد توم من يرأف به ويحزن عليه، ويتعاطف معه ويتمنى لو أنه يستطيع مساعدته في مواجهة أفكار جيري الشيطانية، وفخاخه الكثيرة وحيله العجيبة.
هذا هو واقع الحال اليوم بين رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق بنيامين نتنياهو، ورئيسها الحالي نفتالي بينت، فالحرب بينهما مستعرة، والمواجهة بينهما قائمة، ومعاركهما لا تنتهي فصولاً ولا تعدم سلاحاً، ولا تشكو من ذخيرةٍ، ولا تعاني من نقصٍ في الأهداف، أو تخطئ في تحديد الاحداثيات، أو تضل في توجيه القاذفات، فكلاهما يريد أن يسقط الآخر ويقضي عليه، مستعينين بكل السبل ومستخدمين كل الأدوات والوسائل، فلا الأول يستطيع الاعتراف بالثاني الجديد والتسليم له برئاسة الحكومة، ولا الثاني يبدي ليونةً في خطابه لحليفه القديم وسيده الأول، الذي رباه وعلمه، وأشرف عليه ووجهه، بل يبري كلٌ منهما سهامه ويشدها على قوسه ليرمي بها خصمه، ولا يعنيه أمره إن مات أو قتل، أو أصيبَ وعُطِب.
ما كان رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق بنيامين نتنياهو يتوقع أبداً أن يحل السياسي الغر نفتالي بينت مكانه في رئاسة الحكومة، وأن يخلفه في منصبه العتيد، وأن يحتل بيته ويسكنه، ويأخذ دوره ويستخدم صلاحياته، وينهي حلمه في أن يكون ملك إسرائيل، وهو الذي كان ينظر إليه على أنه صبيٌ يخدمه، وأجيرٌ يتبعه، ووضيعٌ يصفعه، ومستخدمٌ ذليلٌ عنده، وخادمٌ مطيعٌ لدى زوجته وأبنائه، يوجهه حيث يريد، ويشغله متى أراد، وهو الذي شكل له حزبه وكون له ائتلافه، وعمل على تمتينه وتقويته، ليكون أداته الفاعلة في صفوف المتدينيين، وعصاه الحاضرة التي يلوح بها في وجه خصومه واليسار.
لكن معسكر البديل وقوى التغيير المنافسة لنتنياهو نجحت في استمالة نفتالي بينت إلى جانبهم، وأغرته بأن يكون معهم، على أن يكون هو رئيس الحكومة الأول، ضمن فريقٍ كبيرٍ يجمع اليمين المتطرف واليسار المعتدل ويمين الوسط، رغم أنه الأضعف والأقل تمثيلاً في الكنيست الإسرائيلي بين شركائه في الائتلاف، حيث أن شريكه الأساس في الحكومة يائير لابيد هو الأقوى، ويعتبر حجر الزاوية في الحكومة ويتفوق عليه، وهو الذي شكل الحكومة فعلياً، ونجح في إقصاء نتنياهو عن منصبه.
لم يسلم نتنياهو بالهزيمة، ولا يريد أن يعترف بها، ولا يستطيع أن يقر بأن الصبي الذي رباه، والولد الذي كبره، قد طرده من مكتب رئاسة الحكومة، وأجبره على الخروج من مسكن رؤساء الحكومة في بلفور، رغم أنه استعلى واستكبر، وعاند ورفض الخروج منه، إلا أنه رضخ في النهاية وحزم أمتعته وطوى آثاثه ورحل.
لكنه على ما يبدو لا يريد لبينت أن يعمر في رئاسة الحكومة، فوضع في طريقه عدداً من الألغام والمتفجرات، كانت مسيرة الأعلام هي أولها، حيث وضعه في مفترق طرقٍ، إما أن يجيزها ويتحدى المقاومة، ويعرض أمن الكيان للخطر، وإما أن يلغيها ويبدو أمام “شعب إسرائيل” أنه خاف من المقاومة الفلسطينية وخضع لها.
ثم حرك قانون “جمع الشمل الفلسطيني” وبدأت كتلته في الكنيست للتحضير لمشروع قرار يمدد حظر جمع العائلات الفلسطينية، ويحول دون استجابته للكتلة العربية المشتركة ورئيسها عباس منصور، الذي كان يتطلع إلى رفع الحظر عن قانون جمع العائلات، ويدرك نتنياهو أن التصويت على القانون بــ”نعم” يعني انفراط عقد الائتلاف، وخروج كتلة عباس منصور منها، والاعتراض عليه يعني غضب ليبرمان وساعر وخروجهما من الائتلاف، وبهذا يكون نتنياهو قد نجح في التعجيل بإسقاط الحكومة وتقصير عمرها، تمهيداً لحل الكنيست والدعوة إلى انتخاباتٍ برلمانية مبكرة خامسة.
لن يتوقف نتنياهو عن وضع الألغام والعبوات في طريق حكومة نفتالي بينت، وسيواصل محاولات إسقاطها وحل البرلمان، اعتقاداً منه أنه سيكون الأوفر حظاً لتشكيل الحكومة القادمة في حال أجريت الانتخابات، وقد أسعفه القدر بعودة فيروس كورونا بأجياله الجديدة وأخطاره الكبيرة، وقد بدا بينت أمامها مهزوزاً متردداً، لا يقوى على الحسم ولا يحسن التصرف مع لجنة كورونا، بينما يعتبر نتنياهو نفسه قد انتصر فيها، وترأس لجنتها نحو تحصين شعب إسرائيل من الوباء.
لكن فريق “التغيير وبديل نتنياهو”، الذي نجح في إقصائه وحرمانه من منصبه، يفكر في الوقت الحالي بتمرير قانون جديد في الكنيست الإسرائيلي، يمنع تكليف أي شخصية إسرائيلية متهمة أو مدانة بجرائم جنائية بتشكيل الحكومة، فإذا تم تمرير هذا القانون، فإنه سيكون من العسير على نتنياهو تجاوز مفاعيله، التي ستكون حتماً ضده ولغير صالحه، ولهذا فهو يعجل الخطى ويبتدع الأفكار المختلفة ليسبق بينت وائتلافه ويسقطهم بالإحراج والتضييق، وبزعزعة الائتلاف وبث الخلاف بين أقطابه، قبل أن يقضوا على مستقبله السياسي كله بالضربة القاضية المميتة.