نحو رواية فلسطينية لمواجهة الرواية الصهيونية
تاريخ النشر: 27/07/21 | 12:07نبيل عودة
من أبرز اشكال المقاومة للرواية الصهيونية الاستيطانية في أدبنا الفلسطيني داخل إسرائيل، خاصة قبل التوسع الاحتلالي بعد عام 1967، ان الانجاز الشعري تسامى في مواجهة الواقع بعد النكبة، وبرز بتحديه للرواية الصهيونية، ولسياسة الاضطهاد القومي، وتحول الى خطاب سياسي ثوري مقاوم قل مثيله في الآداب الشعرية لشعوب تواجه مغتصبي اوطانهم ومصادري حرياتهم.
بنفس الوقت نرى محدودية الجانر الروائي في إبداعنا المحلي، واعني داخل مناطق 1948، لا اعني بتعبير محدودية عدم وجود أعمال روائية أو غياب الجانر ألروائي إنما ما أعنيه ان الرواية في أدبنا الفلسطيني داخل إسرائيل لم تأخذ مكانها كلون أدبي له وزنه ومكانته، كما هي الحال في القصة القصيرة عامة والشعر على وجه التحديد، وخاصة في التصدي للرواية الصهيونية، وفي دور الرواية الفلسطينية التعبوي كسلاح ثقافي بمواجهة الرواية الصهيونية الاستيطانية والعنصرية.
يمكن الإشارة إلى عدد قليل جدا من الابداعات الروائية الجيدة في إبداعنا المحلي … مع ذلك يبقى الفن الروائي بعيدا عن أن يشكل تيارا ثقافيا يمكن الإشارة إليه، وأعتقد ان غياب الرواية لا يعني أننا نفتقد لنصوص روائية، إنما أعني ان روايتنا لم تدخل بعد في المواجهة للرواية الصهيونية، من ناحية الكم والمضامين.
عالج الناقد الدكتور حبيب بولس ( 1948 – 2012 ) موضوع الجانر الروائي في ثقافتنا داخل إسرائيل، بمٌقالين متتابعين أولهما “لماذا لا نملك جانرا روائيا؟” والثاني “عود على قضية الكتابة الروائية”. تناول المفهوم الأونيفرسالي للرواية، وهو مفهوم هام للغاية، جاء في مقال د. حبيب بولس “في رأيي أن الأسباب الرئيسية التي تقف عائقا أمام تطور هذا الجانر تنقسم إلى فئتين: أسباب عامّة، أعني بها الأسباب الخارجة عن إرادة المبدع وأخرى خاصّة نابعة عن المبدع نفسه. من الأسباب العامّة سببان هامّان هما طبيعة الظروف التي نعيشها أولا وقلّة المرجعية لهذا الجانر محليّا وفلسطينيا ثانيّا. أمّا السبب الرئيس الخاص فيعود إلى عدم قدرة المبدعين لدينا لغاية الآن الموازنة بين الخطابين: التاريخي/ الأيديولوجي/ الواقعي والخطاب الإبداعي/ الروائي/ التخيلي.” او باختصار الخطابين التاريخي والفني!!
حقا وبصدق حدد الدكتور حبيب بولس الإشكالية الأساسية في إطار الخطابين التاريخي- الواقعي والأدبي – الإبداعي (الفني).
الخطابان (التاريخي والفني) ليسا وقفا على الجانر الروائي، إنما هما قاعدة ابداعية شرطية لكل إبداع أدبي قصصي أو شعري أو فني آخر.
السؤال هنا: هل التوازن بين الخطابين، التاريخي والفني هو قاعدة مطلقة؟ وكيف نتعامل مع الخطابين؟ وما هي الشروط اللغوية لتطوير جانر روائي يمكن ان يطور هذا الفن في أدبنا داخل إسرائيل؟
من البديهيات ان الخطاب الأدبي (الفني، طبعا بما في ذلك اللغة الروائية)، أو الحدث التاريخي (الأيديولوجي) يشكلان جوهر الإبداع، كشرط عبر استيعاب المبدع لهذه ألمعادلة، ما يبرز في أدبنا الروائي يؤكد عدم فهم العديد من الأدباء العلاقة التفاعلية بين الخطابين، في معظم الحالات نجد ان الإحساس الذاتي للمبدع هو المنهج السائد، أي يفتقد للمعرفة الجوهرية للصياغة القصصية او الروائية أو الشعرية كذلك.
ان التوازن أو التعادل بين الخطابين في صياغة النص الأدبي ليست مطلقة، كما قد يفهم مما ورد في مقالة الناقد بولس.. أو ما سبق وورد في مداخلتي.
في حديث لي مع د. حبيب بولس قبل وفاته وافقني ان العلاقة بين الخطابين هي علاقة نسبية، تتعلق إلى حد بعيد بقدرة المبدع نفسه في فهم نسبية هذه العلاقة، وإدراك متى يعلى خطابا على حساب خطاب آخر، وما هي محدودية كل خطاب. بمعنى آخر أ تبقى عملية الكتابة الروائية أو الإبداعية، مسألة ترتبط بالقدرات الذاتية والتجربة الذاتية والحس الذاتي والرؤية الابداعية للكاتب.
ملاحظات للتفكير أراها هامة جدا، الملاحظة الأولى ان القارئ العربي لا يتفاعل مع النص السردي كما يتفاعل مع النص الشعري. الملاحظة الثانية هل عقلنا متحرر لنعيد تشكيل اللغة وتحريرها من ظاهرة الاستهلاك التي تفتقد للتفاعل؟ الملاحظة الثالثة، كثيرا ما يستعمل نقدنا صفة الحداثة في وصف نصوص أدبية، وأنا أرى ان هذا التوصيف ينبع عن جهل تام بمفهوم الحداثة التي هي بامتياز ظاهرة ثقافية فكرية واجتماعية غربية لم تنشأ بعد القاعدة الفكرية والمادية لتتطور في مجتمعنا، ليس بالأدب فقط إنما بالفكر الاجتماعي، السياسي، الاقتصادي واللغوي. ان الحداثة هي بالتعريف الأوسع فكر فلسفي معرفي، أي ليست مجرد وسيلة تعبير لغوية او أدبية او صياغية كما يتعامل معها بعض نقاد ادبنا بجهل كامل لمضمون الحداثة. الملاحظة الرابعة ثقافتنا العربية عامة ما زالت بعيدة عن خلق فكر يتفاعل بعمق أكبر مع الثقافة والإبداع الأدبي. الملاحظة الخامسة لا أرى أننا خرجنا من حلقة الذاتية إلى الفضاء الأوسع إلا بحالات منفردة. بل ويمكن القول إننا في حالة تراجع ومن الضروري الدمج بين الذاتي والموضوعي في ثقافتنا.
ما لم يطرح بما يستحقه من اهتمام، هو إنتاج رواية فلسطينية داخل إسرائيل كرواية مضادة للفكر الصهيوني. وهو فكر تطور وارتقي بظل التطور في الدولة الرأسمالية الاوروبية والفلسفة الأوروبية. وأين نحن منذ لك؟
حتى على مستوى العالم العربي، الذي يتعرض أيضا للذراع الإسرائيلية الطويلة، لم أجد، وآمل إني على خطأ… ان للرواية المضادة المساحة أو الاهتمام الذي يستحقها موضوع الرواية المضادة بمواجهة العدوان الاسرائيلي.
إذن يمكن القول أننا أمام حالة ابستمولوجية سلبية (الأبستمولوجيا هي فرع من علم المعرفة في الفلسفة متخصص بدراسة طبيعة ألمعرفة مداها وحدودها) والحقيقة المرة انه لا إبداع أدبي أو فني أو فكري خارج المعرفة بمفهومها الفلسفي الواسع، وليس بشكلها كحالة من التطور الطبيعي للإنسان.
أي إننا نواجه معضلة فكرية وليس روائية فنية فقط. مشكلتنا في التشتت الفكري، في فكر الانتقائية، في السطحية الفكرية، وفي النهج السائد بإغفال ابداعات لا ينتمي اصحابها للتيار السياسي الأقوى في الوسط الفلسطيني داخل إسرائيل، واعني الحزب الشيوعي واعلامه، حيث تحول الكثير من النقد الى مدائح مضمونها سياسي وليس ادبي فكري لدرجة اني وصفت نقدنا بانه يتشكل من تيارات عدة، التيار السياسي، تيار القرابة العائلية وتيار العلاقات الشخصية. وبالتلخيص هذا النقد هو عملية تهريج!!
اذن النقد كان مجندا لأهداف ذاتية لا تنتمي بجوهرها للفكر الثقافي، رغم ان بعض النصوص لها قيمة ابداعية، ولكنها لم تكن وراء الحرك النقدي. وجرى تجاهل ابداعات هامة عديدة لأن الكتابة عن اصحابها لا تعلي أسهم الناقد.
توجد رواية عربية فنية راقية، لكننا في مربع الصراع الحضاري، الذي نواجهه بظل التفوق الإسرائيلي الشامل، نفتقد للسلاح الروائي بصفته سلاحا مضادا للرواية الصهيونية.
قرأت في الفترة الأخيرة أعمالا روائية للدكتور أفنان القاسم، وجدت فيها عناصر روائية لم أجدها في روايتنا الفلسطينية بساحة المواجهة الفكرية والروائية. كالعادة النقد ليس حاضرا لتناولها، والنشر ليس جاهزا لنشرها وهو امر يلحق الضرر بالصراع الثقافي بمواجهة الرواية الصهيونية.
صحيح القول ان الخطاب ألتاريخي الأيديولوجي، أي الحدث أو الفكرة، والخطاب ألأدبي الفني، أي القدرات اللغوية والدرامية، هما القاعدة لأي إبداع أدبي روائي، قصصي، شعري أو مسرحي أو فني ولكنه موضوع مركب أكثر إذا تناولناه من زاوية المعرفة، المعرفة تعني القدرة على التوازن النسبي وليس المطلق وتطوير قدرات المبدع في فهم هذه العلاقة ونسبيتها. بكلمات أوضح: أين يجب ان يعطي المبدع مساحة أكبر لأحد الخطابين وما هي حدود هذه المساحة حتى لا تصبح سلبية وقاتلة للجانر الروائي أو غيرة من أشكال الإبداعات الأدبية والفنية… ومدى الإدراك الذاتي للواقع التاريخي، الاجتماعي، السياسي، الأخلاقي والثقافي.
قال الفيلسوف الألماني هيغل: “ان ما هو معقول هو ما يمتلك إمكانية دخول الحياة”- من هنا رؤيتي ان الرواية المعقولة، لا يمكن في واقعنا الفلسطيني ان تكون إلا الرواية المضادة .
ان اللغة في النص تشكل مرتكزا هاما، والموضوع ليس معرفة التعامل مع اللغة فقط، معرفة التعامل مع اللغة (بحالة الكتابة الروائية والقصصية) هامة جدا، والأهم تطوير القدرة على إنتاج لغة مناسبة للجانر الأدبي الروائي أو القصصي أو الشعري.
وهنا نسأل: هل اللغة الروائية مجرد إنشاء سردي؟ وأضيف ان اللغة بدون فكر هي ثرثرة فارغة !!
ان معرفة صياغة الخطاب التاريخي قد يقود إلى كتابة ريبورتاجية صحفية بغياب الخطاب اللغوي الروائي (اللغة الفنية -الدرامية)، معرفة الخطاب الأدبي (الفني) قد يقود إلى كتابة نص مليء بالفذلكة اللغوية والنحت الصياغي وصولا إلى تركيبة جمالية لا تقول شيئا للقارئ، إلا ان الكاتب يعرف النقش باللغة، إذن ما ينقص الخطابين، هو خطاب ثالث: “الخطاب ألتخيلي” القدرة على مقاربة الواقع بالنص ألروائي وخطاب رابع: “الخطاب ألدرامي” أي القدرة على بناء الأحداث المتخيلة التي تعبر عن الخطاب التاريخي ليس بشكله في الواقع اليومي، وتغذي اللغة النص بأبعاد درامية جمالية وليس مجرد النقش اللغوي الأقرب للرسم بالريشة. اللغة الدرامية بحد ذاتها تشد القارئ تماما كما تشده صياغة ألحدث ولكن دورها ان تعمق الناحية الدرامية للحدث الروائي.
في المراجعات النقدية لنقدنا المحلي، للإبداع الأدبي بالداخل لا تسرد كل الحقائق حول التركيبة الإبداعية، لأسباب مختلفة، أهمها الجهل الذي يميز بعض ممارسي النقد، وإعطاء دفعة وتفاؤلا للناثر أو الناظم لعل التجربة القادمة تكون أكثر اكتمالا. لكن الملاحظ ان التقييم بلا حدود اضحى نهجا لا يحدم الا العلاقات الشخصية للناقد. هذا لا يمكن فصله عن مستويات الإبداع العامة للأدباء.. ومقياسنا لا يمكن ان يكون حسب الإبداعات العربية أو العالمية. حلمنا ان نصل، لكن الحلم يحتاج إلى الكثير من العناية الغائبة من أجندة مؤسساتنا الرسمية والشعبية. وهناك غياب فكري غير قادر على خلق الرد على الرواية الصهيونية.
بعض ممارسي النقد بلا مضمون فكري لدور النقد، يرتكبون جريمة بحق المبدعين حين يوهمونهم برعونة تفتقد لأوليات الفكر النقدي والمعرفي أنهم بلغوا القمة من اول نصوص اصدروها … ولكنه موضوع آخر!!
النظرية والتحليل النقدي النظري جيد لتحليل العمل، تقييمه ونقده، ان عملية الإبداع مركبة ومتداخلة بعناصر إنسانية وعقلية ومعرفية (ابستمولوجية) وتجريبية واجتماعية واقتصادية وتاريخية أكثر اتساعا من مجرد فكرة تصلح لنص روائي أو قصصي أو شعري.
اعتقد ان مشكلة الجانر الروائي ترتبط بتطوير ألمعرفة وتطوير الفهم لجوهر النقد، بعدم جعله ترويجا يخدم كاتبة اكثر مما يخدم صاحب العمل، وهذا ما يسود بكثافة مسيرة نقدنا المحلي.
اني أدعي ان معظم الروايات التي ظهرت في أدبنا العربي داخل إسرائيل، تفتقد أكثريتها لعناصر روائية أساسية، تكاد تكون خطابا تاريخيا مجردا من القدرة على القص والدهشة وجعل اللغة طيعة متدفقة مثيرة ومتفجرة. طبعا لدينا نصوص روائية جيدة لكنها من القلة بحيث لا تشكل تيارا أدبيا روائيا.
الإبداع الحقيقي، نثرا أو شعرا، لا يعني نقل حدث تاريخي أو انطباعي بلغة سليمة. أو بديباجة مليئة بالفذلكة والألعاب الصياغية. الموضوع ليس إنشاء لغويا بسيطا أو فخما جدا. هناك لغة للقص تختلف بتركيبتها عن لغة المقالة. تختلف بتركيبتها عن لغة الريبورتاج، تختلف بتركيبتها عن لغة الشعر. لغة تفرض نفسها على كل قوانين اللغة وقيودها، ويبدو لي ان نشوء لغة عربية حديثة يخضع في معظمه لتطور الأدب القصصي والشعري الحديث، ويمكن رصد البدايات الثورية لهذه اللغة الحديثة في الأدب العربي الذي طوره أدباء المهجر. اليوم تلعب الصحافة ولغتها ومفرداتها دورا هاما في تطوير لغة عربية سهلة ممتعة سريعة الاندماج مع المناخ الثقافي وفرضها على اللسان العربي، وانا اسميها لغة الصحافة!!
يجب ان لا ننسى ان الرواية هي وليدة عصر تحرير إرادة الإنسان. الإنسان ولد ليكون حرا، هذا ما أثبتته حركتنا الشعرية الفلسطينية داخل إسرائيل التي ولدت في ظروف تسلط قمعي وإرهابي وحصار ثقافي.
رغم الانفتاح الواسع على الثقافة العربية والعالمية وما أنجزته من أعمال روائية راقية جدا إلا ان روايتنا لم تحدث تلك العاصفة التي أحدثها شعرنا.
بالطبع أرى أهمية ما طرحه الناقد الدكتور حبيب بولس…حيث كتب: ”في مجتمع كمجتمعنا وفي ظروف كظروفنا نجد أن الرواية دائما تخاتل طموح كتابة التاريخ الفني للمخاض ألسياسي الاجتماعي في فلسطين إبان النكبة، قبلها، في خضمها، بعدها ومحليا أيضا، وهذا أمر من الممكن أن يشكّل منزلقا للكتابة الروائية في ظروفها الاجتماعية المعيشة . فعلى ألكاتب – أي كاتب – أن يحذر التاريخ، وأن يعرف كيف يقيم توازنا بينه وبين الإبداع، إذا أراد فعلا كتابة رواية فنية. وكم كان محقا ذلك الكاتب المفكر ألمغربي عبد الكبير ألخطايي حين قال: “التاريخ هو الوحش المفترس للكاتب”.
الناقد بولس استمر في تحليل “الواقع الموضوعي، إذا صح هذا التعبير … الحائل بتحول الإبداع الروائي إلى جانر مركزي في ثقافتنا. انا ككاتب قصصي وروائي أيضا، ( أصدرت ثلاث روايات ومسرحية عدا المجموعات القصصية القصيرة والنقد الأدبي) أواجه مشاكل مستعصية لا تبقي في نفسي الرغبة لتجربة روائية جديدة، بل فقط للكتابة الثقافية العامة، كتابة المقال الفكري والسياسي والمراجعات الثقافية ( النقد كما تسمى مجازا ) وكتابة القصة القصيرة، أي لا أجهد نفسي لأكتب رواية رغم توارد عشرات الأفكار الروائية الجيدة . دور النشر غائبة أو تستغل الكاتب لتحلبه. لا مؤسسات ترعى المبدعين. هناك تسيب ثقافي، الكثير من النصوص إنشائي يفتقد للغة الإبداع الأدبي، وبعض نقادنا سيجعلوا من كل نص إبداعا لا مثيل له في الأدب رغم ان الكثير منه لا يستحق القراءة.
القراءة تكاد تتحول الى كماليات، مؤسساتنا غائبة عن الفعل الثقافي. ثقافتنا (الشعرية بالأساس) بنيت بظروف عصيبة من التحدي البطولي، ومن معارك الحفاظ على لغتنا وثقافتنا وانتمائنا القومي، ضد سياسة القمع والحكم العسكري البغيض.
الرواية كانت تاريخيا، معيارا لتطور المجتمعات الرأسمالية، وكما كتب المفكر الفلسطيني الكبير ادوارد سعيد في كتابه الهام والمثير”الثقافة والامبريالية” بأن التطور المبكر للروايتين الفرنسية والانكليزية يتعلق بكون فرنسا وانكلترا شكلتا الدولتين الاستعمارين الأساسيتين، وأن تطور الرواية الأمريكية تأخرت حتى بداية القرن العشرين مع بدء انطلاق الامبريالية الأمريكية إلى السيطرة على العالم .
يُفهم من طرح الدكتور ادوارد سعيد أيضا، ان الرواية شكلت أداة إعلامية لظاهرة الاستعمار لتبريره أخلاقيا (رواية ” روبنسون كروسو” مثلا، حيث يصل الأبيض إلى جزيرة مجهولة ويجد شخصا أسود ويبدأ بتثقيفه وإعادة تربيته وجعله أنسانا راقيا – أي نقل له الحضارة باستعماره لأرضه وتحويله إلى خادم له، وهي تشبه الواقع الفلسطيني مع مغتصبي وطننا) لكن الرواية، هذا الفن الراقي والرائع، الذي أنتجه الاستعمار المتوحش والجشع، خلق الرواية المضادة، أو ألأدب المقاوم بمفهوم آخر، وهذا ما نفتقده لأسباب تحتاج إلى بحث واسع، أشرت إليه تلميحا فقط.
المفكر الماركسي التنويري الكبير لوكاتش، يقول بأن الرواية (الأدب القصصي) ليست إلا ملحمة البرجوازية التي ظهرت على مسرح التاريخ في أعقاب النهضة ألأوروبية وبالتحديد بعد الثورة الصناعية التي جعلت منها الطبقة السائدة في المجتمعات ألأوروبية، يمكن ان نستخلص هنا ان التطور الاجتماعي وتطور الطبقة البرجوازية، بكل ما يشكله ويشمله هذا التطور من مضامين هو من ضروريات انطلاقة الرواية وهي حالة لم تقف أمام تطور الشعر مثلا .. وتاريخيا لم يكن الشعر بحاجة لها.
إذن ظهور الرواية الفلسطينية داخل إسرائيل بدأ عمليا مع تطور المجتمع العربي وبدأ اندماجه بالمجتمع الصناعي عملا وفكرا … لذلك نجد ان الرواية المضادة للرواية الصهيونية كان لها السبق (نسبيا رواية “المتشائل” لإميل حبيبي مثلا)، لكن الرواية بمفهومها الاجتماعي، الفكري والسياسي الشامل، ما زالت تتعثر أمام الرواية الصهيونية الاحتلالية العنصرية، وبالتالي لم ننجح بعد بإنتاج رواية مضادة، والقصد رواية فلسطينية داخل إسرائيل بمواجهة الرواية الصهيونية !!
***********
ملاحظة: الفت انتباه القارئ لروايتي “حازم يعود هذا المساء” وهي رد على الرواية الصهيونية.