الهجرة النبوية.. تاريخ أمّة وليس تاريخ شخص – معمر حبار
تاريخ النشر: 10/08/21 | 20:53عظمة سيّدنا عمر بن الخطاب:
1. سيّدنا عمر بن الخطاب الذي أقرّ التّاريخ الهجري، وهو يومها الحاكم والقوي المنيع، لم ينسب تأريخ الأمّة لنفسه ولم يقل مثلا أنّ تاريخ إسلامه هو تاريخ الأمّة باعتبار إسلامه كان من الأيّام الفاصلة والمحورية في حياة الأمّة، أو يوم خروجه للهجرة هو تاريخ الأمّة باعتباره الوحيد -أقول الوحيد- الذي خرج جهرا، وعلانية، وشاهرا سيفه، ومتحديا كفار قريش أنّه من أراد أن ييتّم أبناءه، ويرمّل زوجه فليحقني من وراء الوادي ولم يفعل أحد ذلك وهو فرد واحد وقريش قبيلة بأكملها. واختار في الأخير تأريخ أمّة وليس تأريخ شخص[1].
عظمة سيّدنا عثمان بن عفان:
2. جاء بعدها سيّدنا عثمان بن عفان وهو الحاكم، ولم ينسب بداية تأريخ الأمّة لنفسه، ولم يقل مثلا أنّه الوحيد الذي بايع سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهو غائب عنه، وأنّه الوحيد الذي جهّز جيش العسرة بماله الخاص، وبالتّالي استحق أن يسب التأريخ لي، ولأفعالي العظيمة. ولم يقل، ولم يفعل ذلك.
عظمة سيّدنا علي بن أبي طالب
3. لم يقل سيّدنا علي بن أبي طالب، أنّي عرّضت حياتي للخطر ونمت في فراش سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ليلة الهرة، فهذا اليوم هو بداية التأريخ للأمّة الإسلامية، ولم يقل ذلك أبدا.
الأمّة تتبع تأريخ سيّدنا عمر بن الخطاب:
4. جاء من بعد سيّدنا عمر بن الخطاب أسيادنا عثمان بن عفان، وسيّدنا علي بن أبي طالب، والحسن، والحسين، وعمر بن عبد العزيز رحمة الله ورضوان الله عليهم جميعا، فحافظوا على نفس التأريخ الذي أقرّه سيّدنا عمر بن الخطاب وإلى غاية كتابة هذه الأسطر. ولم يغيّروه، ولم يستبدلوه، وأبقوا التّاريخ على حاله وكان باستطاعتهم أن يغيّروا، ويستبدلوا لكنّهم لم يفعلوا.
5. من عظمة الأمّة أنّ الخلف يتبع السّلف فيما يجمع، ويوحّد، ويمنع، ويقوّي. واختيار الأمّة لتاريخ الهجرة النبوية الشريفة منذ 15 قرنا من علامات جمع الكلمة، ووحدتها، ومنعتها، وقوّتها لأنّه امتداد الخلف للسّلف فيما هو فاعل.
الهجرة النبوية بين 3 مواقف:
6. سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم صاحب الهجرة النبوية لم يقرّ التّاريخ الهجري، وسيّدنا الصّديق المرافق لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم في الهجرة، وفي الغار، وفيه نزل قوله تعالى: “إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ”، التوبة 40، لم يقرّ التّاريخ الهجري، وسيّدنا عمر بن الخطاب هو الذي أقرّ التّاريخ الهجري.
7. الأمّة أمام فعل لم يفعله سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ولم يفعله الخليفة الأوّل سيّدا الصّديق، وأقرّه الخليفة الثّاني سيّدنا عمر بن الخطاب، ووافق عليه الخليفة الثّالث والرّابع أسيادنا عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب.
8. جاءت الأمّة من بعدهم وحافظت على ماسكت عنه سيّدنا رسول الله صلى الله عليه، وسكت عنه الخليفة الأوّل، وأقرّه الخليفة الثّاني، ووافق عليه الخليفة الثّالث والرّابع. وهذا الامتداد السّلس، والفاعل عبر 15 قرنا من مظاهر العظمة، والقوّة، والحضارة الذي يجب أن تحافظ عليه الأمّة وإلى الأبد.
[1] راجع من فضلك مقالنا بعنوان: “الهجرة النبوية .. عالمية وليست عائلية”، وبتاريخ: الجمعة 6 محرم 1441 هـ – الموافق لـ 6 سبتمبر 2019 .—
الشلف – الجزائر
معمر حبار