العنف .. هذا الوباء الاجتماعي الخطير ..!!

تاريخ النشر: 21/10/11 | 2:15

ان اقل ما يقال في حادثة القتل الاخيرة بمدينة ام الفحم ، التي راح ضحيتها رب عائلة مع ابنيه ، انها جريمة بشعة ومؤلمة ومروعة ومرتكبيها لا ينتمون للانسانية ولا للاسلام ، ولا ذرة ضمير او مشاعر فيهم.

والواقع ان هذه الجريمة هي حلقة اخرى في مسلسل دموي متواصل ، وتجسيد للعنف المتفاقم والمستشري كالسرطان والطاعون ، الذي بات ينهش جسد وعظام مجتمعنا العربي في هذه الديار بالعقود الأخيرة، بفعل التسليح وحيازة الاسلحة المرخصة وغير المرخصة.

ولا يكاد يمر يوم أو اسبوع دون طوش وصدامات وشجارات واعمال قتل يكون ضحاياها شباب في عمر الورود ومقتبل العمر وينتظرهم المستقبل ، وذلك على خلفية نزاعات قديمة ، وديون مستحقة، وخلاف على ارض، او خاوة وتجارة اسلحة ، أو بسبب نتائج انتخابات السلطة المحلية ، مثلما جرى قبل ايام في قرية جت بالمثلث ، حيث تعرض رئيس المجلس المحلي المنتخب ديموقراطياً الى وابل من الرصاص استهدفه هو وافراد عائلته ، فاصيب في قدمه بينما جرح شقيقه .

لقد عولج موضوع العنف بكثرة ، وكتبت عنه عشرات ، بل مئات المقالات والتحليلات والمعالجات ، وعقدت المؤتمرات والاجتماعات الشعبية ، ونظمت المظاهرات والاضرابات استنكاراً لتنامي ظاهرة العنف ، كما تم التوقيع على عرائض تدعو الى نبذ العنف ومكافحته ، والمطالبة بجمع الاسلحة من قرانا ومدننا العربية . لكن لا حياة لمن تنادي ، ولا جدوى من كل ذلك ، فالعنف يتزايد ويتفاقم والنتيجة المزيد من الجرحى والمصابين والضحايا.

ان العنف بكل اشكاله وادواته يشكل ظاهرة خطيرة في المجتمع ، وهو مؤشر على الانهيار الاخلاقي والانزلاق والانفلات الاجتماعي ، الذي يشهده واقعنا وراهننا. وهذه الظاهرة كغيرها من الظواهر الاجتماعية السلبية المدمرة لم تأت من فراغ ، ولها اسباب عدة مرتبطة بالتطور العلمي والتقدم التكنولوجي ، وعوامل التنشئة الاجتماعية والتربية الابوية ، والمتغيرات الببيئية، والانفجار السكاني وما يحدثه من آثار نفسية وسلوكية ضارة . ناهيك عن العوامل الاقتصادية – الفقر والبطالة والحرمان وتدني مستويات المعيشة والحياة ، فهي من المعطيات والحقائق التي تساهم في تعمق ثقافة العنف في المجتمع.

وما من شك ان التدهور الاقتصادي يقود الى التصدع الاجتماعي الخطير ، الى الضغط النفسي والاحباط والاكتئاب والاضطراب ، الذي يصيب شبابنا ويسيطر عليهم وينمي في داخلهم روح العنف والعدوانية ويقودهم الى طريق غير سوي .

ولا نغفل ايضاً دور الاعلام ، وخاصة الاعلام المرئي في تغذية روح وثقافة العنف، فالدراما التلفزيونية والفضائيات تركز على بث ونشر افلام العنف والقتل والمشاهد الجنسية الاباحية ، ولا توجه الشباب الناشئ والصاعد الى ما هو مفيد وناجع وهادف.

زد على ذلك التفكك الاسري والعائلي والتطرف الديني ، والثقافة الذكورية الدونية واساليب انماط التربية ، عدا عن تراجع الرقابة داخل المدارس والبيوت ، وترك الاولاد امام شاشات الحاسوب ساعات طويلة دون رقيب ، والابتعاد عن التربية الدينية ، ونكوص القيم والاخلاق النبيلة والقدوة الصالحة المتعلقة بانكار الذات ، وكذلك غياب روح التسامح الانساني والسياسي والمعرفي والثقافي ، وانشغال الوالدين بتوفير احتياجات البيت ومستلزمات الحياة العصرية الاستهلاكية ، والبقاء خارج المنزل ساعات طويلة على حساب تربية الابناء .

يضاف الى ذلك قمع الافكار وكبت الآراء بالقوة والتعسف ، فالمجتمع الاستبدادي والقهري الذي يقمع الفكر ويصادر الحريات ويمارس القوة في اقصاء الافكار يتولد وينشأ فيه العنف والتعصب ، وذلك بعكس المجتمعات التي تسود فيها قيم الديمقراطية والحرية والتعددية وحقوق الانسان ، حيث تضمحل وتقل فيها ظواهر التعصب والعنف والاجرام والانحراف .

ان الخروج من دائرة العنف المتفاقمة ليس بالعرائض والمؤتمرات ، رغم اهميتها ، وانما بالتنشئة والتربية الاجتماعية الصالحة والحقيقية ، وتعزيز الوعي التربوي والثقافة الديمقراطية واكتساب انماط فكرية وتربوية ايجابية ، وتنمية روح التسامح والتصافي واساليب التكيف والتعاطي مع الآخرين ، المبنية والقائمة على الاحترام المتبادل والحب والتقدير ، والالتزام بالاخلاقيات والقيم والآداب واحترام القوانين والنظم الاجتماعية والضوابط الاخلاقية ، وتذويت مفهوم المشاركة الاجتماعية الايجابية والتفاعل مع الآخر، وترسيخ التضامن والتكافل الاجتماعي .

هذا بالاضافة الى تقديم برامج ارشادية للشباب في المدارس وبيوت الشبيبة والنوادي الرياضية لتنمية مهاراتهم وقدراتهم في مواجهة المواقف الصعبة والسيطرة على الذات والنفس في اوقات ولحظات الغضب والضغط . كذلك ايجاد حلول لمشاكل وقضايا السكن وتحسين اوضاع الشباب الاقتصادية ، بايجاد اماكن عمل للعاطلين عن العمل لتخليصهم من البطالة القاتلة والفاقة والحرمان باشكاله المختلفة ، مع مزيد من الحريات والرقابة على ابنائنا فلذات اكبادنا . واخيراً ، كفى للعنف والقتل والاجرام والتسليح ، فقد بلغ السيل الزبى ولم يعد الوضع يحتمل واصبحنا نعيش في تكساس . وواجب الشرطة الاسراع في جمع ومصادرة كل الاسلحة المرخصة وغير المرخصة من القرى والمدن العربية ، وهي قادرة على ذلك اذا شاءت .

بقلم شاكر فريد حسن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة