قراءة نقدية في كتاب “حكايات على جدائل الريح” للكاتب الفلسطيني الراحل د. علي عودة
تاريخ النشر: 22/08/21 | 9:56أ. ولاء نافذ شحادة – غـــزة
يعدُّ فن الحكاية أحد أقدم الفنون الأدبية التي مارسها الإنسان ولازال يمارسها، تلك التي لها معالمها الفكرية والجمالية، وأسلوبها السردي الذي يتسم بالإيجاز والسلاسة والتشويق والإمتاع والإقناع، ودقة أثره الفكري والنفسي والجمالي، ناهيك عمًّا تحمله بنية الحكاية العميقة من دلالات ومعانٍ اتخذت اللغة الظاهرة على اختلاف واقعيتها أو تخيلها رداءً يُجبر القارئ على الكشف عنه والإبحار فيما وراءه.
يتناول الكتاب الذي بين أيدينا “حكايات على جدائل الريح” (ثلاث وثلاثين) حكاية، يترواح غالبا عدد صفحات كل حكاية من (ثلاث) إلى (سبع) صفحات، اتخذت تلك الحكايات تقنية الاسترجاع الزمني (flash back)، لمجموعة من المواقف والمشاهد التي مر بها المؤلف خلال السنوات الماضية، إذ قام بصياغتها وإضفاء بعض التقنيات السردية الحداثية عليها كالوصف والحوار بنوعيه: الداخلي والخارجي والمفارقة والتناص والرمز، وغيرهم من تقنيات تسهم في إثراء لغة الخطاب المحكية، إذ حاولت هذه الحكايات الكشف عن اللاوعي الجمعي الكامن في سلوكيات وتصرفات الأشخاص المنتمين إلى مجتمع واحد، في محاولة لإيضاح طبيعة الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية، وإبراز عيوب الثقافة العربية عامة والفلسطينية خاصة، والتأكيد على أهمية دور الحكايات بوصفها خطابا جماليا وإنسانيا يحافظ على الهوية الثقافية للمجتمعات العربية سواء كانت مجتمعات مغلقة أم مفتوحة.
يرتبط العنوان” ارتباطا عضويا بالنص الذي يعنونه، فيكمله ولا يختلف معه، ويعكسه بأمانة ودقة” ، وأحيانا يحدث عكس ذلك، فيأتي العنوان في قارب والمضمون في قارب آخر، لكن ما نجده في عنوان “حكايات على جدائل الريح” ينطبق تماما على متنه الحكائي ومضمونه، لكن المؤلف قام في الصفحة الداخلية اللاحقة لصفحة الغلاف بإضفاء عنوان فرعي تحت العنوان الرئيس (نصوص مفتوحة)، وكان ذلك مجرد وسيلة توضيحية للقارئ لإعطائه فرصة التعرف على المحتوى النصي، ودفعه للكشف عن شخصية المؤلف، وخبايا النصوص الحكائية. ولقد صيغ العنوان “حكايات على جدائل الريح” في جملة اسمية، فحكايات خبر لمبتدأ محذوف تقديره (هذه حكايات)، وما بعده شبه جملة (على جدائل الريح) متعلق بالخبر ومتمم لمعناه، وغياب المبتدأ في جملة العنوان الظاهرة لا يعني انعدامه إنما قوة وجوده في البنية العميقة، وإن هذا الإيجاز -الحذف- في العنوان يرجع إلى خاصية جنس الحكايات والتي تتطلب الإيجاز والاختصار، ومن ناحية بلاغية نجد أن العنوان صيغ في قالب استعاري إيحائي (انزياح)، فحكايات معطي مجرد، وجدائل الريح معطي حسي أضفى على العنوان صفة من صفات الإنسان وهي الجدائل، وإن هذه الجملة الاستعارية الرمزية ستبقى تلوح في الأفق بلا دلالة مستقرة تثبت عليها، فالريح هائمة دوما، والجدائل ما هي إلا سلم حامل لتلك الحكايات التي أراد لها مؤلفها أن تحلق بعيدا في عالم الفن والأدب، إضافة إلى إكساب العنوان القوة والحيوية والفرادة والأصالة الأدبية. ومما يُلحظ على عناوين الحكايات الداخلية أنه لا يمكن لنا فهم رمزيتها الاستعارية وتحليلها إلا بقراءة النصوص الواقعة تحتها وربطها بعنوانها؛ لتُشكل لنا قراءة واعية وفاهمة ذات غني فكري وثقافي وجمالي وتأويلي، كما نجد تلك العناوين صيغت جميعها في جمل اسمية مما يدلل على واقعية الأحداث وثبوتها.
وإذا كانت النصوص المكتوبة ذات لغة تسهم في إنتاج الدلالات؛ فإن الصورة” لا تستند في إنتاج دلالاتها إلى عناصر أولية مالكة لمعانٍ سابقة، وإنما تستند إلى تنظيم يستحضر الأسنن التي تحكم هذه الأشياء في بنيتها الأصلية” ، فالصورة نسق حاضر يستدعي نسق غائب على المتلقي إنتاجه، وتنظيم دلالته، ولو نظرنا إلى غلاف كتاب “حكايات على جدائل الريح” لوجدنا شخصية رجل يرتدي بدلة سوداء بقميص أبيض وحذاء أسود، ويداه مرتخيتان إلى الخلف، وقامته منحنية أيضا إلى الخلف، ورأسه متجه نحو السماء في حالة صعود، وهي ذات حجم ضئيل جدا ربما رمز إلى الضعف والوحدة، فتلك الشخصية المرسومة على الغلاف لم تأت اعتباطا إنما محملة بتجارب وانفعالات إنسانية اتخذت الشكل الماثل أمامنا، وإن شكل الشخصية ووضعيتها يوحي بأن المؤلف قد سكب كل ما في جعبته حدث معه على الأرض، وانتقل إلى السماء مطالبا بعالم أكثر حرية وعدل وأمان، بدلا من حالة الانفلات والتيه والضياع التي سيطرت عليه وعلى واقعه ذي التأرجح والفوضى، واختيار الرجل ذو البدلة الأنيقة السوداء فيه إسقاط نفسي من المؤلف إذ جعلها توافق طبيعة لباسه، وفيما يتعلق بسيميائية اللون للغلاف، فكان التعتيم له النصيب الأكبر للغلاف فملامح الأرض والبحر والرمال والقمر كله تم تعتيمه، ربما ذلك في سياق رمزية الاضطراب وعدم الوضوح اللذين يسيطران على الواقع الفلسطيني، فاحتل اللون الأسود الجزء الأكبر من الغلاف والجزء المتبقي اختلط به البياض بالسواد، فيما يدلل على أن الواقع الذي استمدت منه الحكايات مزيج من ثنائيات متضادة كـ(الخير/ الشر)، (العدل/ الظلم)، (السيادة/ العبودية)، (الفقر/ الغنى)، وغيرهم.
وبما أن طابع الحكايات المكتوبة اتسم بالثراء الفكري والثقافي، والأحداث المشوقة وعديد من القيم والأخلاق والمبادئ، وإبراز بعض من صور العادات والتقاليد، وتسليط الضوء على بؤرة الصراع سواء مع الذات أو مع الآخر، وإعادة تشكيل الوعي والثقافة للقراء، في محاولات ترسيخ وإقناع كتبت بلغة واقعية ورمزية وساخرة هدفها الحث على التغيير وكشف الحقائق والإمتاع في نفس اللحظة، فإننا سنقف على بعض الحكايات في التحليل والتفسير والتأويل، ففي حكاية “بغلة الشام تقتحم المحكمة” فإننا نجد العنوان رمزي يثير التساؤلات ويدفع القارئ إلى الشروع بالقراءة والغوص في فك الترميز واستحضار قصدية المؤلف الغائبة، فالبغلة رمز لمن؟ ولِمَ خصها المؤلف دون غيرها من الحيوانات؟ وما سر تحديد المكان؟ وما سر اختيار الفعل تقتحم دون غيره؟ والمحكمة قامت بتحقيق شعار العدل أم لا؟ كل هذه التساؤلات تحل عند قراءتنا للنص والكشف عن أبعاده، يقول المؤلف في مشهد حواري” – اتركوه! قال القاضي بعد أن رأى إصرار الرجل على الدخول: نعم ماذا تريد أيها الرجل؟
_ أريد تقديم شكوى يا حضرة القاضي! شكوى ضد من؟!
_ شكوى ضد عمر بن الخطاب
_ ضج الحاضرون بالضحك فنقر القاضي على الطاولة بالقلم وطالب الحاضرين بالهدوء! ابتسم وسأله: _ ومن أنت حتى تشكو عمر بن الخطاب أيها الرجل؟!
_ أنا بغلة الشام التي تعثرت وتكسرت وتحطمت! وعمر نائم تحت الشجرة يمدحونه ويقولون له حكمت فعدلت فأمنت فنمت! وهذا غير صحيح” ، إن تلك الحكاية تروي قصة الإنسان الفلسطيني الذي قُصف مصدر رزقه وبات بلا تعويض يتنقل من مؤسسة لأخرى ومن محكمة لأخرى باحثا عن بصيص عدل يعوضه ما فقده، لكن دون جدوى من ذلك، فالهبات المعطاة من الدول المانحة لا تكفي ولا تصل أحيانا “في الحرب الأخيرة قُصفت ورشته ودمرت تدميرا كاملا…… وعود بالتعويض والصرف والمساعدة لكن بدون تنفيذ” ، فانبثقت أحداث الحكاية من الواقع الفلسطيني المؤلم، وقام المؤلف باستخدام التناص التاريخي في شخصية الحاكم العادل عمر بن الخطاب، ومقولته التاريخية “لوعثرت بغلة في العراق لسألني الله – أو قال لخفت أن يسألني الله عنها- لِمَ لَمْ تصلح لها الطريق يا عمر؟!”() ، ففارقت شخصية عمر العادلة مع شخصية الحاكم الحالي الذي باتت تحكمه المصالح الذاتية والسياسية كما أوضحت نهاية الحكاية. وفي حكاية “البحث عن خالد الراشد” يروي لنا المؤلف مدى تعطش الروح الفلسطينية إلى الوحدة الوطنية، فذلك الأب الذي استشهد ابنه دفاعا عن الوطن يرفض نسب ابنه لأي فصيل فلسطيني كان ويكتفي بأنه ابن الوطن فقط، فيصف المشهد قائلا: “نهض السيد احمد الراشد (والد الشهيد) وقال في تأثر واضح: يا إخوان بدون إحراج لأحد أو لتنظيم! لا نريد رفع أي راية إلا راية فلسطين وعلم فلسطين! ومش عايزين هتافات وشعارات وأناشيد! ابني ما كان منتمي لأي فصيل أو حزب انتماؤه كان لوطنه واستشهاده من أجل وطنه” ، كما سلط الضوء في هذه الحكاية على إبراز عيب من عيوب المجتمع الفلسطيني وهو سطحية التفكير وغوغائيته كالتسرع في الحكم على الآخرين ورمي المقولات والشائعات دون أدلة أو إثبات، فعندما اختفى (خالد الراشد) تقول إحداهن:” لعله كان يعمل معهم (اليهود) وعندما عرف أمره قد كشف هرب إليهم ليعيش عندهم ذليلا مهانا” ، ولشخصية الحكاية من اسمها نصيب، فكانت نهايتها العيش في دار الخلود بسلام وأمان بعد أن نالت الشهادة. وفي حكاية “الذئاب تأكل الشاورما” فالذئب معروف برمزيته في أدبنا العربي قديما وحديثا، فهو دوما محط انتقام وصراع مع الآخر، فالذئاب كانت رمزا للمحتل الصهيوني الذي طغى واستشرّ بأرضنا وأهلها، وأخذ يصول ويجول بها ويأكل من خيراتها بكل تجبُّر، يقول المؤلف” وفي اليوم التالي، أي في يوم الأرض اصطحبت معي أحد أحفادي وذهبت إلى زيارة صديقي عمر الذي أصبح كهلا، وهو ابن تلك المرأة القروية التي صفعت الضابط الصهيوني، وروى لي الطيب كيف بطشت به الذئاب! كيف اقتادته من بيته بإذلال وكيف أهانوا زوجته، صفعوها، نعم صفعوها وسبوها بأقذع الكلمات….. قضى صديقي الطيب أكثر من عشرة أعوام في السجون الصهيونية” ، ونذكر أن المؤلف أدرج تحت عنوان الحكاية حكايتين الأولى من الواقع الفلسطيني صاحب الصراع الطويل مع المحتل الصهيوني، والثانية من التراث العربي وهي حكاية “المرأة الأعرابية والذئب” ، وإن هذا التوظيف يؤكد على مدى ارتباط الواقع بالموروث التاريخي والثقافي، وعلى مورث دلالة الذئب المتغطرسة والناهشة لغيرها عبر ثنائية (الأنا/ الآخر)، و(المحتل/ صاحب الأرض). وفي حكاية “العامرية تغسل ديك البرابر” فانبثقت من واقع اجتماعي وأخلاقي وثقافي مُتردٍ، يتخذ من نسق الذكورة منطلقا إلى موضوع هام، وهو كيفية الحد من معاكسات الشباب الطائش للفتيات دون ضابط أخلاقي أو اجتماعي أو ديني، فالعامرية الفتاة (ليلى) والتي عانت هي وزميلاتها من معاكسات الشاب الملقب بـ(ديك البرابر) نظرا لأوصافه الحاضرة في القص الحكائي، فذات يوم قررت ليلى وزميلاتها دعاء ووفاء الانتقام منه، لكن بطريقة هزلية ساخرة، استوحتها من قصة مشابهة حدثت مع أمها فترة شبابها، تقول ليلى بعد أن قصت عليهن حادثة والداتها وجدتها في مواجهة من كان يلاحقها ولاقت تأييد من زملتيها: “إيش؟ نسيتم إنكم بنات جامعة طيب أنا من ساعة ما سمعت القصة وأنا قرفانة ومرعوبة وبدني برتعش! ايش وساخة وقرف ودم وخناجر، لا مستحيل نعمل مثل جدتي ام شبرية مستحيل! فقالت وفاء: _ بلاش المجاري والوساخة هي دعاء بتركب النا سائل ملون عندهم بالمختبر وبنكبه على راس ديك البرابر وبنغسله بدلته البيضا اللي مجننا بيها…. وخلاص هيك كفاية بنعمل له فضيحة محترمة” ، وبالفعل قامت تلك الفتيات بفعل ذلك مع ديك البرابر، وإن تلك الحكاية في نسقها الانتقامي حملت رسالة توعوية لكل فتاة ألا تصمت عن معاكسات ومضايقات الشباب لها خوفا من كلام المجتمع أو نظرته لها، فيجب على كل فتاة أن تعي بحقها الكامل في حرية العيش من تعليم ولباس واختيار بعيدا عن تلك النفوس الدنيئة، فحدثت إعادة تشكيل الوعي للفتيات اتجاه تصرفات وسلوك الشباب المتعثر فيما يكسر ذكوريتهم المتسلطة، فغلب على الحكاية طابع التسلية والسخرية مقابل باطن الردع والانتقام، إذ أننا لا ننسى أن أدبية النص “تزداد كلما ازدادت قدرته على إنتاج الدلالة الضمنية” ، وفي حكاية ” المدير العام يكذب مرتين” فهي تعكس تصرفات الرجل في منزله بعد سن التقاعد من العمل، فيصعب عليه التخلي عن طبيعة عمله لدرجة أنه يبدأ في تطبيقها على أفراد منزله، يقول المؤلف” اعتاد الأستاذ خليل على إصدار الأوامر والتوجيهات!… أغلقوا المكيف فاتورة الكهرباء باهظة، اغلقي الحنفية يا بنت، المية بفلوس مش ببلاش، وطي صوت التلفزيون يا ولد… ليش مسرّح شعرك هيك؟ نظفي الطاولة.. ضبي الكراسي… شيلي المخدات….” ، وعندما لم يجد التلبية والترحيب من قبل أفراد المنزل على عكس توقعه بدأ في شق طريق رحلة البحث عن السعادة عبر طريق محفوف بالكذب والتخلي، نتج ذلك عن اغتراب مكاني ونفسي سيطر عليه عبر حالة من التضاد والتناقض بين (الخيانة/ الوفاء)، و(الاهتمام/ الإهمال)، و(الكذب/ الصدق)، و(الضمير الحي/ الضمير الميت)، ففراغ العمل وعمومية التصرفات وعدم تطبيق قانون الفصل بين البيت والعمل والسوق والزيارات الاجتماعية …إلخ، قتلت عند المدير الروح الأسرية والتي من المفترض في مرحلة مثل ذلك أن يكون في أعلى درجات الاستقرار الأسري لا أن يذهب للبحث عن امرأة أخرى كاذبا على (زوجته) أنه وجد عملا ليليا، وكاذبا على زميلته القديمة (سلوى) بأنه أرمل هربا من واقع أخفق هو في التعايش معه، لكن نهاية الحكاية تحدث المفاجأة ويعدل المدير العام عن خدعته ويأبى الاستمرار بها ويعود إلى حضن زوجته ملبيا نداء رغبته من جديد، في إشارة إلى أن الأصل يبقى وما هو نزوة يزول بمجرد يقظة الذات وصحوة الضمير.
وفي حكاية “حريق في شارع الصحابة” فإن الأحداث صُبت في مشهدين متقابلين (الفقر/ الغنى)، (السلطة الحاكمة/ الشعب المحكوم)، يقول المؤلف على لسان عامة الشعب “اجت الكهربا من وين بدنا نجيب مصاري نشتري بيها كرت كهربا جديد عشان نشغل هالمروحة الحزينة؟ ثم تهوي بصينية البلاستيك على رضيعها الذي لا يتوقف عن البكاء” ، وعلى النقيض منه فيلا الوزير “في حين تنبعث النسمات الباردة من جميع مكيفات الفيللا، عندها يستأذن أحد المرافقين بالدخول ويضع كيس المثلجات التي أوصت عليها العائلة على الطاولة: البوظة العربية بالمكسرات كما أمرتم” ، وإن عمومية الزمان والمكان وترميز الشارع ناسبت كل الأنظمة العربية الحاكمة التي تتنعم وتترغد على حساب مواطنيها، وإن الحريق الواقع في النهاية في فيلا الوزير الحاكم في شارع الصحابة ما هو إلا رمز لدوران الدنيا والتحرر من الظلم السياسي والاجتماعي الذي يركز الثروة بيد فئة معينة من المجتمع، تماما تحيلنا تلك الحكاية إلى رواية (الجريمة والعقاب) للكاتب الروسي ديستويفسكي في فكرتها ومبدئها.
وفي حكاية “القرية التي فقدت عقلها” نجد رمزية العنوان ورمزية الأحداث في انقلاب حالها بمرور الزمان، فنلمس رسالة المؤلف التحذيرية لحكام الدول العربية بعدم الاستعانة بأطراف خارجية دخيلة تفض النزاعات الداخلية الحاصلة في البلد الواحد، تلك الأطراف التي تقلب الأمور رأسا على عقب وتزيد من حدة الصراع وتستفحل في الحكم كأنها صاحبة البلاد وسيدة أرضها، يقول المؤلف في صياغة مشهده:” واستمرت موجة المُنازلات بين المحتجين والعصابة الحاكمة! حتى ظهر عنصر جديد في الأحداث: الذيب وعصابة الشبيحة، وتذمر المثقفون والشباب! وتساءلوا: من استغاث بهذا المجرم واستدعاه؟ فهمس أحد السماسرة: لا تخشوا منه! استأجرته لمهمة محددة: إنقاذ القرية من عصابة الحكم..” .
وأخيرا نجد أن المؤلف وفق في توثيق تلك المواقف والمشاهد والتجارب التي مر بها ولاحظها في بيئته فقام برصدها وإعادة حكايتها بما يتناسب مع متلقيها بلغة واقعية وماتعة ومشوقة وسلسة ذات غنى دلالي، في محاولة منه لإعادة الوعي لديهم، وتعريفهم بحقوقهم ومتطلباتهم، وترتيب الفكر الثقافي والأخلاقي والاجتماعي، وتهذيب السلوكيات التربوية، ونقد الفئة الضعيفة والمهمشة، وتنبيه الفئة المتسلطة، والتركيز على القيم الإنسانية السامية، وارتباط الواقع العام ودمجه بالواقع الشخصي الخاص.
• المصادر والمراجع:
• أولًا- المصادر:
– عودة، علي: حكايات على جدائل الريح، مكتبة سمير منصور للطباعة والنشر والتوزيع، غزة، فلسطين، طـ2020م
• ثانيًا- المراجع:
– بنكراد، سعيد: سيميائيات الصورة الإشهارية (الإشهار والتمثلاث الثقافية)، أفريقيا الشرق- المغرب، الدار البيضاء، طـ1، 2006م
– الغذامي، عبد الله: النقد الثقافي قراءة في الأنساق الثقافية العربية، المركز الثقافي العربي، المملكة المغربية، الدار البيضاء، طـ3، 2005م
– مرتاض، عبد الملك: تحليل الخطاب السردي (معالجة تفكيكية سيميائية مركبة لرواية زقاق المدق)، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، طـ1، 1995م