بينيت يبحث عن سند في واشنطن
تاريخ النشر: 26/08/21 | 8:12د. جمال زحالقة
يزور نفتالي بينيت رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد، الولايات المتحدة هذه الأيام، ويجري لقاءات مع الرئيس جو بايدن ومع وزير الخارجية أنتوني بلينكن، ووزير الدفاع لويد أوستين، ومستشار الأمن القومي جيك ساليفان، وقيادات يهودية أمريكية. الهدف الأوّل لهذه الزيارة هو تثبيت موقع بينيت كقائد سياسي يحظى باعتراف وحظوة وشرعية واحتضان في واشنطن. هذا هدف غير معلن، لكنه يقع فوق الأهداف الأخرى للزيارة، ويرمي إلى الإبقاء على الحكومة الإسرائيلية الحالية، فلا معنى للزيارة، إن سقطت هذه الحكومة وجرت الإطاحة بها وبرئيس وزرائها.
فقط بعد مرور شهر على تنصيب بايدن رئيسا حتى قام بالاتصال ببنيامين نتنياهو، الذي رأس الحكومة الإسرائيلية حينها، ولم تمض ساعتان على تنصيب نفتالي بينيت رئيسا للوزارة، حتى تلقّى مكالمة هاتفية من بايدن، الذي «حمد ربّه» أنّه تخلص من نتنياهو المزعج. الإدارة الأمريكية الجديدة معنيّة بمنع عودة نتنياهو إلى الحكم، خاصة أنّه يسبب لها متاعب داخلية لدعمه لترامب وللجمهوريين من جهة، ولمناهضته سياسات الديمقراطيين، خصوصا بشأن الملف النووي الإيراني، من جهة أخرى.
لقد جرى الإعداد لهذه الزيارة منذ أكثر من شهر، وهي تكتسب أهمية أكبر بالنسبة لنفتالي بينيت مع ازدياد مخاوفه من «الصفقة السرّية» بين بيني غانتس وزير الأمن الإسرائيلي وحزب الليكود برئاسة نتنياهو، التي تقضي بإسقاط الحكومة الحالية، وبتولي غانتس، بدعم أحزاب المعارضة اليمينية، رئاسة وزراء لمدة سنة ونصف السنة، بلا تناوب لتجري بعدها انتخابات مبكّرة. يبدو أنها صفقة جدّية لكن تطبيقها الفعلي مرهون بإيجاد سلّم للنزول، ومبرر مقنع يمنع انهيار شعبية غانتس وحزبه في حال ترك حلفاء اليوم وعاد إلى ائتلاف مع الليكود. من المؤكّد أن بينيت سيجد الطريقة لإقناع الأمريكيين بالضغط على صديقهم غانتس لعدم الإقدام على إسقاط الحكومة. غانتس ليس من النوع الذي يتحدّى إدارة أمريكية، لكنّه سيقول لهم إنه هو الذي سيكون رئيس الوزراء وليس نتنياهو، وهو أقرب لهم من نفتالي بينيت. في كل الأحوال مسألة الاستقرار السياسي في إسرائيل لا تغيب عن زيارة بينيت وخلفياتها وتبعاتها. بينيت يبحث في واشنطن عن سند له ولتوجهاته وتوجهات حكومته السياسية والاقتصادية والأمنية. بايدن من جهته أصبح معنيا بالزيارة أكثر من السابق، وأصدر تعليماته بالتعامل بحميمية ورفق واحترام فائق مع الزائر الإسرائيلي. الرسالة التي تريد الإدارة الأمريكية توجيهها عبر اللقاءات مع بينيت هي، أن الولايات المتحدة لا تتخلّى عن أصدقائها «الثابتين المخلصين المثابرين» وذلك لصد التهم، التي تنهال بعد أحداث كابول، بأن إدارة بايدين تتراجع عن حماية حلفائها.
بايدن، الذي جاء بسياسات جديدة في كل المجالات سوى القضية الفلسطينية ما زال «صديقا حميما لإسرائيل» مهما فعلت
يريد نفتالي بينيت من الأمريكيين أن يمنحوه مكاسب لها وقع، ليلوّح بها عند عودته إلى تل أبيب، حتى يقول وحتى يقال عنه إنّه ليس أقل «شطارة» من سابقه نتنياهو، وحتى يقنع حلفاءه في الائتلاف بأنه يحظى بقبول وبثقة وبدعم من الإدارة الأمريكية، وهذا اعتبار له أثر كبير في السياسة الداخلية الإسرائيلية. سيكون من الصعب على غانتس أن يترك حكومة يرأسها من استطاع أن يقنع الولايات المتحدة بتلبية المطالب الإسرائيلية، حتى في سبيل أن يحقّق حلمه غير الدفين بأن يتربّع على كرسي رئاسة الوزراء.
ما هي مطالب بينيت من واشنطن وماذا يريد منها؟
الملف النووي الإيراني: يريد بينيت التوصل إلى اتفاق مع الأمريكيين في الحالتين: إذا كانت هناك عودة للاتفاق فهو يريد تفاهمات واضحة حول مساحات التحرك الإسرائيلي، وحول التعاون المشترك مع الولايات المتحدة لمنع استمرار تقدّم إيران نحو السلاح النووي حتى في ظل الاتفاق، ولمواجهة ما لا يتضمّنه الاتفاق بشأن قيام إيران بتطوير صواريخ دقيقة طويلة المدى وللوقوف في وجه ما يسمّى بالتمدد الإيراني، الذي تعتبره إسرائيل تهديدا جدّيا لأمنها وأمن حلفائها العرب. لكن بينيت سيحاول إقناع واشنطن بعد العودة إلى الاتفاق مع إيران، ويطرح عوضا عن ذلك ما سماه «استراتيجية جديدة» تستند إلى تحالف إقليمي إسرائيلي عربي، وإلى محاصرة محكمة لإيران دوليا وفرض عقوبات مشدّدة عليها، وتوسيع نطاق الاعتداءات على مرافقها ومنشآتها برا وبحرا وجوا، إضافة إلى تكثيف عمليات السايبر الهجومي واستهداف العلماء والقيادات الإيرانية. إسرائيل تريد أن تعرف بالضبط ما هي وجهة الإدارة الأمريكية، وهي ترى أن الوضع القائم هو الأسوأ، فلا اتفاق يلزم إيران، ولا تشديد للعقوبات عليها، ولا رقابة دولية على ما يجري في منشآتها النووية. وما يريده بينيت هو أن تطوير مستوى التنسيق بين البلدين، الإدارة الأمريكية تطلب في المقابل ألا تفاجئها إسرائيل بخطوات قد تلحق الضرر بالاستراتيجية الأمريكية تجاه إيران. حزب الليكود ونتنياهو يتهمان بينيت بأنه وافق سلفا على تكبيل يدي إسرائيل، لكن لا مصدر آخر يؤكّد ذلك حتى الآن.
ضمان التفوق الإسرائيلي:
تسعى إسرائيل إلى تطبيق تفسيرها هي لمفهوم «التفوّق العسكري النوعي» الذي هو قانون أقرّه الكونغرس وسياسة رسمية لكل الإدارات الأمريكية، هي تريد عمليا توسيع هذا المفهوم، بحيث يكون على الولايات المتحدة ضمان تفوّق إسرائيل على أعدائها وحلفائها في المنطقة، كليهما معا. وهي تفسّره بأنّه لا يشمل فقط حيازة إسرائيل على قدرات عسكرية دفاعية لحماية نفسها وأمنها في مواجهة أي هجوم من أي دولة كانت، بل يشمل أيضا توفير إمكانيات هجومية تدميرية لمنع نشوء أي تحدّ لها ولهيمنتها. وتحاول إسرائيل أن تقنع الولايات المتحدة بأن ردع إيران يمر عبر تحويل التهديد الإسرائيلي إلى «تهديد مقنع» ومعنى هذا التحويل زيادة الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل بحوالي مليار دولار سنويا، إضافة إلى 3.8 مليار، التي التزمت بها إدارة أوباما في حينه. ما يطلبه بينيت هو قفزة نوعية وكمّية في الدعم العسكري الأمريكي، بادعاء أن الاتفاق النووي يزيد المخاطر، وعدم الاتفاق يضاعف الخطر والوضع القائم خطر في خطر. باختصار «إسرائيل في خطر، وواجب أمريكا المحافظة على تفوّقها وحمايتها من أي خطر، حتى ذلك الخطر، الذي تصنعه بنفسها لنفسها».
الهيئات الدولية والقانون الدولي:
تنظر إسرائيل بعين التخوّف والريبة إلى الانتقادات ضدها في المجتمع الدولي والمنظمات الدولية. وهي ترى أن القرارات، التي اتخذت في محكمة الجنايات الدولية، وفي المفوضية العليا لحقوق الإنسان، وتقارير منظمات حقوق الإنسان، التي وصفت النظام الإسرائيلي بأنّه نظام أبرتهايد، تكتسب خطورة أكبر بسبب العملية الواسعة، التي تقودها إدارة بايدن، لرد الاعتبار للمؤسسات الدولية والقانون الدولي. ما يطلبه بينيت في واشنطن هو حماية إسرائيل من الأضرار، الناجمة عن هذه العملية، عبر «خلع أسنان» القانون والمؤسسات عندما يتعلّق الأمر بالدولة العبرية.
الملف الفلسطيني
أجرى نفتالي بينيت مقابلة مع «نيويورك تايمز» قبل إقلاع طائرته باتجاه الولايات المتحدة، واستغلّها لتوجيه الرسائل إلى الرأي العام الأمريكي، وإلى من يقابلهم في واشنطن. وما قاله في الشأن الفلسطيني في هذه المقابلة هو ما يقوله للمسؤولين الأمريكيين: الاستيطان يستمر كما كان، لا مفاوضات ولا حل لقضية فلسطين في عهده، مواصلة حصار غزّة واستعداد لشن حرب عليها، لن يكون ضم لمناطق «ج» القدس الموحّدة عاصمة لإسرائيل وحدها لا لغيرها. باختصار استمرار سياسة نتنياهو بلا تغيير يذكر، وهو لم ينس حتى أن يكرر مقولة نتنياهو، إن الحل يكمن في «الاقتصاد ثم الاقتصاد ثم الاقتصاد».
وقد لخّصت «نيويورك تايمز» كلام بينيت في المقابلة: «في القضايا الرئيسية، إسرائيل الجديدة هي إسرائيل القديمة». هنا لا تكمن المشكلة في بينيت وحده، بل في بايدن أيضا، الذي يعلن سلفا أنه سيتعامل بلطف وبرفق مع بينيت مهما كانت مواقفه في الشأن الفلسطيني. التيار التقدمي في الحزب الديمقراطي يضغط ويطالب بمحاسبة إسرائيل، وبايدن، الذي جاء بسياسات جديدة في كل المجالات تقريبا سوى القضية الفلسطينية فقد كان وما زال «صديقا حميما لإسرائيل» مهما فعلت إسرائيل.
بعد انتهاء الزيارة سيعلن الطرفان نجاحها «العظيم» فلهما مصلحة في تلخيصها بهذا الشكل. لكن ليس من الواضح بالمرّة ماذا سيكون أثرها الفعلي لسببين: الأول أن الولايات المتحدة في معمعان استخلاص العبر وإعادة الحسابات، بعد كل ما حدث في أفغانستان، ومن المرجّح أن يحدث تغيير في الاستراتيجية الأمريكية في منطقة شرق المتوسط. والثاني: أن حكومة بينيت قد تنهي حياتها أسرع مما يبدو، ففي أوّل فرصة سياسية ملائمة سنجد أن غانتس قد قفز منها إلى كرسي رئاسة الوزراء في إسرائيل.