التربيّة والتعليم عندنا بحاجة إلى تغيير جذريّ!
تاريخ النشر: 26/08/21 | 12:51د. محمود أبو فنه
تتعالى الأصوات المطالبة بإحداث تغيير في جهاز التعليم والتربية، خاصّة على ضوء النتائج المتدنّية في امتحانات البجروت/التوجيهيّ في المدارس الثانويّة، ونتائج امتحانات النجاعة والنماء “الميتساف” والامتحانات الدولية (Pirls، Pisa ) في المدارس الإعداديّة والابتدائيّة.
وهناك من يحمّل جهاز التربية والتعليم المسؤولية عن انتشار العديد من الظواهر السلبيّة في مجتمعنا مثل: ضعف الانتماء القوميّ والوطنيّ لصالح الانتماء الطائفيّ والعائليّ، والتسيّب القيميّ واللجوء للعنف الجسديّ واللفظيّ بعيدًا عن الحوار الإنسانيّ الحضاريّ.
ولا ننسى انتشار التفكير الخرافيّ والإيمان بالغيبيّات، والانجرار وراء العاطفة والمظاهر البرّاقة، بعيدًا عن المنطق والموضوعيّة.
والسؤال: ما هو الحلّ، وكيف يمكن تجاوز هذه المحنة؟
في رأيي المتواضع: المشكلة مركّبة ومتشعّبة وتحتاج إلى الدراسات المنهجيّة المستفيضة وإلى توفير الخطط والبرامج مع التمويل المناسب…
لكن، من منطلق تجربتي وعملي لسنوات طويلة في التربية والتعليم – مدرّسًا ومحاضرًا ومفتّشًا – وفي إعداد المناهج الدراسيّة أؤكّد على دور التربيّة والتعليم كرافعة لإحداث نقلة نوعيّة في الأوضاع الراهنة المتردّية؛ أسجّل الاقتراحات التالية:
– نحتاج لمناهج دراسيّة متطوّرة نابعة من ظروفنا وحضارتنا وثقافتنا وليست منسوخة ومستوردة من بيئات وظروف وثقافة غريبة!
طبعًا، هذا لا يعني الانغلاق وعدم الاطّلاع والتأثّر بما هو موجود في العالم المتنوّر المتقدّم.
نحتاج لمناهج دراسيّة تنمّي الإبداع والابتكار والتفكير العالي، نحتاج لمناهج تعزّز الانتماء والقيم السامية الخيّرة.
نحتاج لمناهج تتعامل مع الطالب ككلّ متكامل بجميع جوانب شخصيّته:
الجانب العقليّ والعاطفيّ والنفسيّ والجسديّ والفنّي …
نحتاج إلى مناهج تتعامل مع التكنولوجيا الحديثة ولا تقتصر على الجانب اللفظيّ،
نحتاج إلى مناهج تركّز على مهارات التعلّم الذاتيّ، وليس على حشو الدماغ
بالمعلومات بأسلوب الحفظ والتلقين…
– بعد إعداد مثل تلك المناهج تأتي مرحلة إعداد المواد والكتب التعليميّة المناسبة
بروح تلك المناهج، بعيدًا عن التجارة والربح الماديّ السهل!
– ثمّ تأتي مرحلة إعداد المعلّمين والمربّين لتنفيذ تلك المناهج بمرونة وبنجاعة!
ونذكّر المعلّمين أنّ عملهم لا يقتصر على تطبيق المناهج العصريّة مستعينين بالكتب التعليميّة الملائمة، بل يجب أن يهتمّوا بالعلاقات الإنسانيّة، وتعزيز ثقة الطلاب بأنفسهم وبقدراتهم، وبمنحهم الدعم والتعزيز والقبول.
– ولا بدّ من توفير البيئة الداعمة من غرف وقاعات ومختبرات وتجهيزات عصريّة وملاعب وساحات وو.. فغرفة الصفّ مع المقاعد واللوح لم تعد بيئة صالحة وكافية.
– ولضمان سيرورة العمل التربوي السليم هناك ضرورة لعملية تقويم/تقييم دائمة،
سواء التقويم البنائيّ المرحليّ لفحص سير العمليّة التعليميّة التربويّة، وإدخال التعديلات على ضوء هذا التقويم، أو التقويم الإجماليّ النهائيّ للوقوف على التحصيلات والإنجازات، ويجب أن لا يقتصر التقويم على الجانب المعرفيّ التحصيليّ فقط، بل هناك حاجة لتقويم الجانب السلوكيّ القيميّ العاطفيّ كذلك!
– ولا بدّ من توفّر قيادات تربويّة ذات رؤيا تربويّة عصريّة، فنحن بحاجة إلى مديرين ومفتّشين ومرشدين ذوي خبرة ومعرفة ومعطيات قياديّة مهنيّة وليسوا مجرّد موظّفين إداريين…
ونتوقّع من وزارة التربية والتعليم أن تخصّص الميزانيات الكافية للتعليم والمدارس في الوسط العربيّ: فهناك ضرورة لبناء مدارس عصريّة في البلدات التي لا توجد فيها، ولبناء الغرف والقاعات والملاعب والمختبرات والمكتبات الناقصة، وهناك ضرورة لوجود مستشارين تربويين واجتماعيّين وممرّضات وأمناء مكتبات وو… في المدارس وتعيينهم يتطلّب الميزانيّات من الوزارة.
ونتوقّع من الأهالي المشاركة الفعّالة، والتعاون البنّاء مع هيئات التدريس، ومتابعة عمل المعلّمين والمديرين التربويّ، وعدم اقتصار دورهم في سدّ بعض الثغرات، وتنفيذ بعض المشاريع الترميميّة في المدارس.
ونتوقّع من السلطة المحلّيّة القيام بدورها في تزويد المدارس بما تحتاجه من تجهيزات وحراسة ودعم، وأن يكون لأقسام المعارف فيها دورٌ رائد في المجالات التعليميّة والتربويّة!
للإجمال أقول:
قد تكون مشكلة التربية والتعليم هي أهمّ المشاكل التي نعاني منها، ولكنها في نفس الوقت هي الحلّ للخروج من هذا المأزق الحضاريّ الذي نواجهه!
مع احترامي لك استاذي العزيز وانا فعلا اكن لك كل الاحترام .قضية الايمان بالغيب هي جزء لا يتجزا من ديننا ومعتقداتنا