لِماذا لَمْ تَصْعَدْ كَثيبَ الغَضَبِ؟- نَثيرَة بقلم: محمود مرعي
تاريخ النشر: 30/08/21 | 10:42وَاعْلَمْ- يا رَعاكَ اللهُ- أَنَّ حَدْسَكَ لَمْ يُصِبْ صَبيبَ المَعاني وَرِقَّتَها وَما تُجِنُّ مِنْ الحَنينٍ، بَلْ صادَفَ قَحْطَ الكَلامِ عِنْدَ أَقْدامِ كَثيبِ الغَضَبِ.. وَغَشَّى عَيْنَيْكَ ما نَثَرَتْهُ الرِّيحُ مِنْ أَتْرِبَةٍ..
لِماذا وَقَفْتَ أَسْفَلَ كَثيبِ الغَضَبِ.. وَلَمْ تَقْرَأْ سُطورَ الرَّمْلِ.. وَانْخَدَعْتَ بِما رَفَعَتْ لَكَ العَرَّافَةُ خَلْفَكَ مِنْ مُروجِ وَهْمٍ وَبَساتينِ قُبورٍ لا حَياةَ فيها لِغَيْرِ المَوْتِ؟
لِماذا لَمْ تُحاوِلْ صُعودَ كَثيبِ الغَضَبِ لِتُطِلَّ عَلى ما أَعْدَدْنا لَكَ مِنْ رَفاهِيَةِ الحَياةِ وَجِنانٍ سَوَّرْناها بِخَوْفِنا عَلَيْكَ؟ هَلْ خِفْتَ خَوْفَنا؟
لِماذا انْتَكَسْتَ أَسْفَلَ كَثيبِ الغَضَبِ وَقَفَلْتَ عائِدًا إِلى جَحيمٍ تَوَهَّمْتَهُ جَنَّةً؟ هَلْ حَجَبَ الوَهْمُ عَنْكَ رُؤْيَةَ أَفاعي كَلامِهِمِ الرَّقيقِ كَنَسيمِ الأُمْسِياتِ في تَمُّوزَ بِما جَلَتْ مِنْ رِقَّةٍ بَيْنَ نُيوبِها فَظَنَنْتَ تَقَطُّرَ سُمِّها شَهْدًا؟ هَلْ أَصابَتْكَ حُمَّى الرَّاكِضينَ إِلى الحُتوفِ في الشُّفوفِ قَبْلَ انْتِصافِ القَوْلِ يَشْرَحُ لَهُمْ مَوْتَهُمُ الرَّابِضَ عَلى مَسافِةِ انْزِياحِ المَقولِ عَنْ مَقيلِهِ؟
لِماذا لَمْ تَصْعَدْ كَثيبَ الغَضَبِ، فَأَشْعَلْتَ صَحْراءَ السَّغَبْ؟ هَلِ ارْتَوَيْتَ نَشازًا قيلَ لَكَ هُوَ الزُّلالُ؟
لِماذا أَدْمَنْتَ تَصَحُّرَ القَلْبِ وَلَمْ تُبْصِرْ سِوى ما أَراكَ الوَهْمُ؟ لِماذا كَتَبْتَ عَلَيْنا مَسيرَ المَشْرِقَيْنِ إِلى غَربٍ لا شَمْسَ فيهِ وَلا هُجوعْ؟
لِماذا لَمْ تُدْرِكْ أَنَّهُ كَثيبٌ مَهيلٌ رَفَعْناهُ سورًا لَيْحْمِيَكَ مِنْ نِبالِ غُزاةٍ لا يَقْرَأُونَ قِراءَتَنا الفَصيحَةَ، وَلا يَرَوْنَ فيكَ إِلَّا مَرْمَرًا وَرُخامًا لَيِّنَ المَلْمَسِ بَعْدَ الغُروبِ؟ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّكَ لَوْ صَعِدْتَ الكَثيبَ لَانْهالَ وَكَشَفَ لَكَ ما خَلْفَهُ مِنْ حَياةٍ تِليقُ بِكَ؟
لِماذا كُنْتَ بَعْضَ بَعْضِكَ دونَ كُلِّكَ، حينَ تَساقَطَ فَجْرٌ مِنْ أَعالي شَجَرِ المَجَرَّةِ عَلى خَطْوِنا صَوْبَ حَظِّنا القَدَرِيِّ، فَجَعَلْتَ صُبْحَنا هَباءً مَنْثورًا؟ هَلْ أَفْزَعَكَ خَوْفُنا ذِئابَ اللَّيْلِ عَلى حَريرِ هِمْسِكَ ساعَةَ التَّجَلِّي لِتَهْرُبَ صَوْبَ سورِ المَقْبَرَةِ الَّتي أَوْهَمَتْكَ العَرَّافَةُ أَنَّها جَنَّةُ الأَرْضِ في وَقْتِكَ؟
كَيْفَ قَتَلوا فيكَ الحِسَّ كُلَّ جَسٍّ لِنَبْضِ الفَجْرِ؟ كَيْفَ أَحالوا ما زَرَعوا فيكَ مِنْ الخَوْفِ مِنْ خَوْفِنا عَلَيْكَ يَقينًا، فَصِرْتَ غَيْرَكَ فيكَ؟