خواجا – قصة قصيرة
تاريخ النشر: 04/09/21 | 8:01د.سامي الكيلاني
أخيراً أصبح الصباح بعد الليلة الطويلة، ليلة من السهر الإجباري تخللته فترات قصيرة من إغفاءة الجفون. تساءل “هل شكلت الإغفاءات بمجموعها ساعة أو أقل؟”، وتمنى لو كان في جسمه عدّاد خاص يسجل النوم وزمنه ليعرف كم نام وكم حرم من النوم الذي يعتبر حقاً من حقوق البشر. أسلوب من أساليب تسلية الذات التي يلجأ إليها في مثل هذا المواقف، بدلاً من الإحساس بثقل الوقت البطيء، وعادة يلحقها بعبارة “ضيفه ع الحساب” التي علقت في ذهنه من مسلسل تلفزيوني، الحساب الطويل مع الاحتلال الذي أخذ من عمره سنوات خلف القضبان وغيرها من خلال أشكال مختلفة من الملاحقة والتضييق على حياته. بدأ المحتجزون في قاعة الانتظار في مقر الحكم العسكري “يستيقظون” واحداً تلو الآخر، إذا كان بالإمكان اعتبارهم قد ناموا. منذ مساء أمس بدأت حملة اعتقالات شملته مع عدد من شباب القرية الأصغر منه سناً. أخذوا منهم بطاقات الهوية ووضعوهم في هذه القاعة التي تشكل مدخل بناية الحكم العسكري وتنتهي بدرج يؤدي إلى الطابق الأعلى من البناية، حيث مكاتب ضباط جيش الاحتلال. بدأوا باستدعائهم واحداً واحداً والتحقيق معهم. لم يكن الاستجواب معه استجواباً حقيقياً، وإنما إيصال رسالة مضمونها “أنت المسؤول عن القلاقل في القرية، أنت محرض وستدفع الثمن”. انتهت الاستجوابات وتركوهم حوالي منتصف الليل. لم يبق في القاعة غيرهم بعد أن غادر آخر المطلوبين الآخرين القاعة بعد أن أعاد له الجندي المناوب بطاقة هويته.
بقي هو وشباب القرية في القاعة الفارغة من أي شيء سوى مقعدين خشبيين رفيعين طويلين. تحدثوا لبعض الوقت بصوت خافت عن الأسئلة التي وجهت لهم وإجاباتهم، وخرجوا بنتيجة أن الأمر لا يتعدى ترهيب بعد المظاهرات التي اندلعت بالأمس بمناسبة ذكرى يوم الأرض، وأن ليس لدى المخابرات أي شيء عن أي منهم. حاول كل منهم أن يجد طريقته لقضاء الليلة. رغم أن المقعد الخشبي الرفيع لا يناسب النوم أصلاً، إلاّ أن بعضهم حاول التمدد عليه بدلاً من الأرضية الباردة، لكن من يفعل ذلك كان يكتشف حالاً أن البقاء جالساً أو متحركاً أرحم على جسمه من خشب المقعد. تكيّف قليلاً بلفّ نفسه بالسترة الدافئة وجلس على طرف المقعد الخشبي مسنداً ظهره للحائط طمعاً في غفوة قصيرة بين ساعة وأخرى، مجرد محاولة للتعامل مع النعاس الذي يهاجم بقوة. شكر الصدفة التي جعلته يحمل هذه السترة التي تحميه من البرد، خاصة طاقيتها التي حمت رأسه من برد الجدار حين أسنده إليه. كان عندما يتعب من الجلوس على المقعد يذرع القاعة من شرقها لغربها ثم ينوع من شمالها إلى جنوبها، وأثناء ذلك يعطي السترة لأحد الشباب الذي كان يعاني من البرد لأنه اعتقل من الشارع بملابس خفيفة.
قرر المحتجزون أن يطالبوا بوجبة فطور كونهم محتجزين منذ الأمس، وتوجه أحدهم إلى الجندي المناوب، حاول هذا تجاهل الطلب إلاّ أن الشاب الذي ذهب ممثلاً عنهم أصر ولم يرهبه تهديد الجندي الذي اضطر أخيراً للقول بأنه سيستشير الضابط. عاد وقال بأنه مسموح لهم الخروج إلى المدينة لتناول الفطور، وأن بطاقات هوياتهم ستبقى محجوزة لدى ضابط المخابرات الذي استجوبهم في الليلة الماضية.
سار باتجاه وسط المدينة مستمتعاً بأجواء الربيع. توجه إلى مطعم شعبي يرتاده عادة، تناول ساندويشة فلافل شهية وشرب كوب شاي. عرّج في طريق العودة على محل لبيع الملابس المستعملة، واشترى سترة أخرى احتياطاً ليستعملها من يحتاجها من الشباب إن استمر احتجازهم ليوم آخر.
بعد عبوره البوابة الرئيسية سمع امرأة تتحدث مع شخص بملابس عسكرية يعمل في الحديقة، ملامحه وكلماته تدل على هويته غير اليهودية، كانت المرأة تتحدث إليه وتناديه “خواجا”، فقال للسيدة على مسمع الجندي بهدف مساعدتها أن هذا ليس “خواجا”، فانتفض الجندي محتجاً ومهدداً “بِحْسِن أكون خواجا”. تابع سيره دون أن يستمع لبقية كلماته، وهو يفكر بالعبيد الذين يستمرؤون العبودية ويحاولون التشبه بأسيادهم.