ديمة جمعة السمان: قصة لا تغضب يا كنغور في ندوة اليوم السابع
تاريخ النشر: 10/09/21 | 9:28القدس: 9-09-2021 من ديمة جمعة السمان: ناقشت ندوة اليوم السابع عبر تقنية زوم قصة الأطفال” لا تغضب يا كنغور” للكاتبة الفلسطينية سامية ياسين شاهين، وقد صدرت القصة عن دار الهدى للطباعة والنشر في كفر قرع كريم 2001 م.ض. في المثلث الفلسطيني، وتقع القصة التي رافقتها رسومات الفنانة منار الهرم نعيرات، ودقّقتها لغويا لينا عثامنة في 24 صفحة من الحجم الكبير.
افتتحت الأمسية مديرة الندوة ديمة جمعة السمان فقالت:
لا شك أنه في ظل تفشي العنف والتفنن بأساليب التنمر في مجتمعاتنا، لا بد من أن يهتم كتابنا بإلقاء الضوء على هذه الظاهرة التي أصبحت مقلقة، ومحاولة معالجتها بالكتابات، مع إعطاء أهمية مضاعفة للأطفال من خلال القصص الموجهة لهم.
وبما أن الكاتبة جمعت بين الكتابة ودراسة علم النفس، فقد حاولت أن تعالج موضوع العنف من خلال قصة لا تغضب يا كنغور.
ولكن كما نعلم أن الكتابة للأطفال من أصعب أجناس الأدب، لذا يجب توفر أكثر من شرط لكي تكون القصة تستحق أن تجد مكانا لها في مكتبة الطفل.
أولا الخيال وعنصر التشويق والمعلومة الصحيحة والمفردات الجديدة التي تتناسب وعمره، والمعيار الواحد الذي يبني عليه القصة ويتقبلها؛ كي لا يتشتت الطفل.
فلنرَ إن كانت القصة استوفت هذه الشروط.
بدأت الكاتبة بداية جيدة، فقد طلب الذئب من كنغور الصغير اللعب معه بالكرة في الغابة، مما أعطى القارىء فكرة أن كل من يسكن الغابة من الحيوانات يعيش في سلام. والا فكيف يلعب الكنغر الصغير الأليف مع الذئب المفترس؟
إذن الغابة تعيش في سلام ضمن قوانين وضعها ” الأسد” ملك الغابة. وقد تم دعم هذه الفكرة، عندما خاطب كنغر الذئب بـــ ( الرفيق)، وبعدها تعامل الذئب بهمجية مع الكنغر وضربه بالكرة على رأسه ضربة موجعة، وبعدها هرب الذئب واختبأ خلف السّور. هنا تبدو الصورة وكأن الكنغر والذئب صديقان، ولكن الذئب أساء الأدب وتعامل مع صديقه بعنف، ثم هرب الذئب من أمام الكنغر؛ كي لا يقوم الكنغر بالانتقام منه؛ ليسترد حقه منه.
ونفاجأ بعدها بأن ملك الغابة الأسد، والذي من المفترض أنه يحكم الغابة، يحاول أن يفترس كنغر! ولكن كنغر ينجح بالهروب منه.
هل هذا استخفاف بعقل الطفل؟
بعدها سمع أرنوب كنغر وهو يصرخ من الوجع، فقد كان حزينا (يشعر شعورا كله عذاب واكتئاب).
هل كلمة اكتئاب مناسبة لاستعمالها للطفل! اصطلاح “اكتئاب” يحمل معاني عميقة جدا، ولا ينصح باستعماله الا للمختصين في علم النفس ولحالات مرضية معينة.
بعدها ذهب كنغر إلى أمه غاضبا، فنصحته بأن يمنع العدوان بالاحسان، وعليه ألا يغضب، بل يأخذ نفسا عميقا، بالشهيق والزفير يذهب الغضب، ويشعر بالراحة.
هي معلومة صحيحة، ولكن لم يكن مكانها هنا. لم تعالج الأمّ الموضوع.
لماذا لم تؤكد على ضرورة انتقاء الأطفال لأصدقائهم مثلا، ولماذا لم تركز على ضرورة استعمال العقل والتصرف بذكاء في مثل هذه المواقف، وأننا نستطيع أن نتغلب على من هم أقوى منا جسديا بالتفكير واستعمال العقل. أيكفي أن تطلب منه ألا يغضب، وأن يخرج غضبه بالتنفس، وأن يلعب بحرية وحيدا، وبعدها يلعب سويا مع الآخرين دون حلول مقنعة، سيتعرض بعدها بالتأكيد للإساءة، ممّا قد يتسبب له بزيادة عقده النفسية، ودفعه بالنهاية لتقبل الوضع والاستسلام لما يجري.. أو التوحد والبعد عن الأصدقاء.
ثم إن استهزاء الزرافة به لأنه قصير القامة عندما لم يستطع أن يخلّص الكرة من بين أغصان الشجرة العالية، لأنه قصير القامة لم يكن موفقا. فهناك معلومة من المهم أن يعرفها الطفل. الكنغر يستطيع أن يقفز عاليا، يصل ارتفاعه إلى حوالي 12 مترا.
والمشكلة أنه بعد تعرضه للاساءة من الزرافة، تذكر كلام أمه وأشغل نفسه باللعب وحيدا سعيدا بعد عملية الشهيق والزفير التي أشعرته بالراحة، وكأن شيئا لم يكن!
فهل مطلوب من الطفل الذي يتعرض للتنمر من أصدقائه أن يتوحد ويلعب وحيدا؟
موضوع القصة في غاية الأهمية، وهو حديث الساعة ليس فقط بين الأطفال، بل بين أولياء أمور الأطفال أيضا، المتنمرين والمتنمر عليهم على حد سواء، إذ أن كليهما يبحثان عن حل مقنع.
السؤال هنا.. ما هو الحل الذي قدمته هذه القصة للطفل أو لوليّ أمره؟ وهل ما قدمته حلا واقعيا؟
وقال جميل السلحوت:
مضمون القصة: تتحدّث القصة عن كنغور-صغير الكنغر”الذي خرج للعب في الغابة وتعرّض لضربة مؤلمة من ذئب عندما رماه بالطابة، وفي مرة ثانية لاحقه أسد يريد افتراسه، وفي المرّة الثالثة تعرّض للأذى من زرافة عندما علقت طابته على شجرة عالية وعايرته الزّرافة بقصر قامته قياسا بها، وفي نهاية كلّ حادثة كان يتلقّى نصيحة من والدته، والتي توّجتها بنصيحة “داوِ الغضب بالإحسان”، وأخيرا عاد للعب بطمأنينة مع “كنغور” مثله.
بداية أودّ التّذكير أنّ القصّ على ألسنة الحيوانات والطّيور ليس جديدا على الأدب العربيّ، ومن أشهر ما كتب بهذا الخصوص “كليلة ودمنة” الذي ترجمه ابن المقفع إلى العربيّة، ومعروف أنّ كثيرا من الحكايات الشّعبيّة العربية تدور على ألسنة الحيوانات، وهكذا قصّ مرغوب لدى الأطفال المتلقّين. وتوالت بعدها كتابات كثيرة جاءت على لسان الحيوانات؟
الأهداف المرجوّة: يبدو أنّ الكاتبة تهدف من قصّتها هذه تعليم الأطفال أن ينصاعوا لنصائح والداتهم، خصوصا وأنّ كلّ أمّ تحرص على تربية أبنائها تربية صحيحة، وتحرص على سلامتهم، فعندما رمى الذّئب “كنغور” بالطّابة على رأسه، وعاد إلى والدته حزينا قالت له:”حاول أن تمنعه في المرّة القادمة بالإحسان” ص11. وعندما عاد كنغور حزينا بعد مطاردة الأسد له نصحته والدته قائلة:” احذر من الأشرار ترتح على مدار السّنين” ص17. ونصحته “بالنّفَسِ العميق مع شرب الماء ليزول عنه الغضب” ص19. وبعد ما جرى له مع الزّرافة تذكر نصيحة أمّه :” عالج الغضب بالإحسان.”
كما تهدف القصّة إلى تعليم الأطفال الابتعاد عن مقابلة العنف بالعنف، وأن يتعاملوا بالإحسان مع من يسيء إليهم. وهذا يذكّرني بمقولة السّيّد المسيح عليه السّلام :”من ضربك على خدّك الأيمن أدر له خدّك الأيسر”، لكنّ أطفالنا ليسوا السّيّد المسيح ولن يكونوا.
وفي نهاية القصّة دعوة غير مباشرة للأطفال كي يلعبوا مع أبناء جنسهم وممّن هم في جيلهم؟
ملاحظات: ورد في بداية القصّة:”كنغور صغير ولطيف الشّكل والطّبع، يحبّ اللعب مع رفاقه، ذهب إلى الغابة ووضع في جيبه الطّابة.”ص3. فكيف لعب بعدها مباشرة مع الذّئب؟ وكيف اختبأ الذئب من كنغور بعد أن ضربه مع أنّه من المفروض أن يفترسه؟ وبعدها طارده الأسد، واختلف مع الزّرافة؟ فهل هؤلاء أقران له؟ وكيف يلعب مع الذّئب وهو فريسة له؟ وكيف يذهب لمنطقة الأسود وهو طعام لها؟ وفي بداية القصّة “كنغور” معه طابة، لكنّ الرسومات المرفقة تظهر لنا كرة كبيرة وليست طابة. فهل الطّابة والكرة مسمّيان للشّيء ذاته، أم أنّ الطابة أصغر من الكرة؟ وكيف اختتمت الكاتبة قصّتها بأغنية على لسان “كنغور” جاءت باللهجة المحكيّة، وهي أغنية من تأليف الكاتبة وليست أغنية شعبيّة؟ أوليس من أهداف الكتابة للأطفال هو تعليمهم اللغة الصّحيحة؟
وكتبت رفيقة عثمان:
يبدو تصميم القصّة فنيّا جميلًا، وجذّابًا من ناحية الخط الكبير، والأوراق السّميكة، والرّسومات المُعبّرة، بالإضافة للغلاف فهو من الكرتون المُقوّى. احتوت القصّة على ثلاثٍ وعشرين صفحةً.
هدفت الكاتبة بإيصال فكرة تربويّة، لمحاربة العنف؛ وذلك عن طريق تقبّل الألم والعنف بالرويّة والإحسان وتحمّل ما يتعرّض له الأطفال المُعنّفون، دون الغضب ورد الفعل المُماثل.
لا شك بأنّ الكاتبة هدفت؛ لتخفيف العنف بطريقة تربويّة مبتكرة، عندما قدّمت والدة الكنغور نصيحة، بأن يتنفس شهيقًا وزفيرًا، وأن يقفز عاليًا، ويشرب الماء، فيزول الغضب.
في هذا الأمر لم تعالج الكاتبة قضيّة العنف من جذورها، حيث سلّطت الضوء على الضحيّة (الكنغور)، بدلًا من أن تعالج العنف من منفّذي العنف والتنمّر، الّذي واجهه الكنغور. للأسف برأيي هكذا تتم معالجة العنف في مجتمعنا العربي، بتأنيب الضحيّة، وتحميلها فوق طاقتها، دون التطرّق للمذنبين أو المجرمين الحقيقيين.
كان بالأحرى أن تعالج الكاتبة مشكلة التنمّر والعنف، بواسطة إرشاد المذنبين، وتهذيب سلوكيّاتهم العنيفية، كما ورد بالقصّة، عندما ضرب الذئب الكنغور، وعندما أهانت الزّرافة الكنغور بتوبيخه وبنعته بأنّه قصير القامة، عندما علقت الطاّابة في أعلى الشّجرة، ولم يستطع تناولها.
عند اختيار الزّرافة اللّعب مع الكنغور، لا توجد ملاءمة من ناحية الحجم، فمن الطبيعي أن تكون الزّرافة أطول بكثير من الكنغور، فهما ليسا من نفس الجنس، من الناحية التربويّة، تكون المُقارنة بين الجنس الواحد المُتشابه.
هنالك ضرورة لإعادة النظر، في قضيّة معاجة العنف بطريقة مبتكرة تربويّة حديثة، دون المسّ بالمظلوم. بالإمكان العمل مع الطرفين بنفس المستوى، دون التركيز على الطرف الضعيف كما هو سائد بمجتمعنا العربي. بهذه الطريقة نسعى لتربية أجيال تحني رؤوسها خانعة، دون مواجهة المشاكل التي تواجه الأطفال.
ممكن استخدام وسائل العلاج التربوي التي ذكرتها الكاتبة، من التّنفّس (شهيق وزفير) ، في حالات مختلفة من الغضب عند الأطفال، وليس بالضرورة في حالة الاعتداء على الضحيّة فحسب؛ مثلًا عند وجود التوتّر بين الأخوة، أو في جلسات علاجيّة للتخفيف من حدّة التوتّر النفسي عند الطّلاب، أو المُعالَجين على خلفيّة اضطّرابات نفسيّة حادّة.
استخدمت الكاتبة اسم الحيوان “الكنغور” نسبة للتصغيرأو للتحبُّب. بدلّا من كلمة الكنغر. إنّ كلمة الكنغر أصلها كلمة لاتينيّة، Kangaroo
وهي أكبر وأشهر الحيوانات الجرابيّة، والصغير من الكنغر يُدعى الوَلّب، والصّغير جدّا يُدعى الكنغر الجرذ والكنغر المتوسّط يُدعى الولّر: (ويكبيديا). من المُفضّل تسمية الحيوان باسمه الأصلي باللّغة العربيّة الكنغر أو الوَلّب، وليس الكنغور.
ظهرت لغة الكاتبة ، لغة سلسة، خضعت للكلمات ذات النغمة والقافية الواحدة ، باستخدام السّجع المُحبّب؛ أي استخدام (الفونولوجيا) أي علم الأصوات التشكيلي.بينما كان هذا الاستخدام متكلّفًا أحيانًا على حساب النصوص. مثلا: عندما استعملت كلمات: كنغور – وسط النّور – وهو مسرور. مع شرب الماء، يزول التّعب والعناء. (هنا ذكرت شرب الماء في غير موقعها، حيث طلبت ” اقفز طويلًا مع شرب الماء، يزوُل التّعب والعداء” لا يجوز صحيًّا أن يشرب الطفل أثناء القفز؛ لأنه يتسبّب في اختناق الشارب.
عبارات ذات موسيقى: رويّة – حنيّة – حُرّيّة – وحشيّة -الميّة، كذلك الإحسان والعدوان.
لا بدّ بالإشارة إلى الوقوع بالخطأ عندما استخدمت الكاتبة مفهوم القفز طويلًا، هنا غير مفهوم هل المقصود بالقفز عاليًا، أم لمدّة طويلة، من الواجب توضيح هذا الطّلب؛ لأنه يوقِع الطفل في التباس وعدم الفهم.
اقحمت الكاتبة فقرة كاملة في نهاية القصّة باللّهجة العاميّة، كي تتناسب النغمات الموسيقيّة للكلمات؛ برأيي لا ضرورة لاستخدام اللّهجة العاميّة، لأنّها مكتوبة، ولا ينصح التربويّون باستخدامها أثناء القراءة والكتابة. المحبّذ هو استخدام اللّغة المعياريّة التي تجمع ما بين اللّغة الفُصحى واللّهجة العاميّة.
وقعت الكاتبة، أو بالأحرى المنقّحة اللّغويّة للقصّة في خطأ نحوي متكرّر كإعراب كلمة كنغور، ولم تنتبه بأنّها كلمة لاتينيّة ليست عربيّة فهي ممنوعة من، الصّرف ولا تقبل التنوين.
خلاصة القول: لا بدّ من كتابة القصص المتعلّقة بتخفيف حدّة العنف، المنتشرة في مجتمعنا، ومن الوسائل اهامّة، لتحقيق هذا لهدف، لا بُدّ من تحقيقها منذ الطفولة، لإكساب الأبناء صفة التسامح، والمحبّة، وحل المشاكل والصّراعات بطرقٍ سلميّة، دون اللّجوء للعنف والتنمّر، اللّين يؤدّيان إلى العنف.
وكتب سامي قرّة:
الأطفال عرضة للخوف من الآخرين ولغضب الأخرين ولكراهية الآخرين وللاستهزاء من الآخرين، تمامًا كما يحدث لكنغور الصغير في قصة “لا تغضب يا كنغور” للكاتبة سامية شاهين. وهذا يولّد فيهم الإحباط والانطواء. لكن من أجل التغلب على هذه المشاعر والتعامل معها يلجأ الأطفال إلى عالم الخيال، إلى عالم افتراضي يجدون فيه حلولًا للمواقف التي تؤثر عليهم سلبًا وتزعجهم عاطفيًا. وفي هذا تكمن أهمية أدب الأطفال، لأنه يساعدهم في تنمية ذكائهم العاطفي وتطوير حسهم الأخلاقي. لا يعرف كنغور كيف يتعامل مع الأسد أو الذئب، فهو يغضب ويريد أن ينتقم ويصرخ ويشعر بالألم والاكتئاب ويركل ويكسر ويرتعب، ولكن في النهاية نراه يسيطر على غضبه وانفعالاته عن طريق الإصغاء إلى نصيحة أمه، ويتضح ذلك في تجربته مع الزرافة التي أساءت معاملته. فأثر الأم على طفلها مرادف لأثر الأدب على الأطفال.
سأتحدث فيما يلي عن بعض السمات الأدبية التي تتميز بها هذه القصة منها الأسلوب السردي والموسيقى في اللغة، والرمزية، الراوي، وغيرها.
هناك عدة أساليب للبدء في سرد قصة للأطفال منها مثلا: بدء القصة بحوار بين الشخصيات، أو إعطاء وصف لمسرح أحداث القصة، أو البدء بسؤال يثير اهتمام القارئ الطفل، أو تقديم الشخصية الرئيسية في القصة وغيرها من الأساليب. في قصة “لا تغضب يا كنغور” نرى أن الراوي يبدأ بتقديم الشخصية الرئيسية كنغور، وهذه بداية شيقة وقوية؛ لأنه منذ اللحظة الأولى ينشأ بين الطفل وكنغور علاقة ترابطية يتفاعل فيها الطفل من خلالها مع كنغور ويتعاطف معه. فكنغور مثل أي طفل “لطيف الشكل، يحب اللعب مع رفاقه”. فيرى الطفل نفسه في شخصية كنغور – وتجدر الإشارة إلى أننا إذا تجاوزنا المعنى الحرفي للقصة لاكتشاف مضامينها نرى أن التجارب التي يمر بها كنغور قد يمر بها أي طفل في واقع حياته. فبداية القصة تشكل مرآة يرى الطفل نفسه فيها.
ومما يميز الأسلوب السردي في القصة أن الراوي يستخدم جملا فعلية قصيرة كأن يقول مثلا “تناول الطابة من كنغور”، و”أراد أن ينتقم”، و”وصل إلى أمه وكسر الأغصان” وغيرها كثير. وتكمن أهمية مثل هذه الجمل أنها تساعد الطفل القارئ على التركيز على ما يحدث، ولا تشتت انتباهه، كما تساعده على تصوّر ما يحدث بوضوح كأن كل ما يقرأ عنه يشاهده يحدث أمام عينيه. وإذا تمعنا في طبيعة الأفعال المستخدمة نجد بعضها تحمل بعدًا حركيًا وبعضها الآخر تحمل بعدًا عاطفيًا. فلننظر إلى هاتين الجملتين مثلًا: “كسر الأغصان التي أمامه” و”غضب كنغور المسكين”. من الواضح أن الفعل “كسر” في الجملة الأولى تدل على حركة والفعل “غضب” في الجملة الثانية تدل على عاطفة. والقصة مليئة بجمل مشابهة.
أمّا موسيقى الكلام في اللغة المستخدمة في القصة فلها شأن هام. يستخدم الراوي الجناس والقافية والتكرار بكثرة. فموسيقى الكلام مثل الموسيقى التي نسمعها تؤثر على الطفل عاطفيًا وتساعده على تذكر ما يحدث في القصة ،وتعلم الكلمات وتطور نموه اللغوي. فلننظر إلى هذه الجملة مثلا: “مشى ومشى، وسرعان ما شعر بالتعب والعناء، جلس تحت الشجرة ليرتاح”. نرى في هذه الجملة أن صوت الحرف “ش” يتكرر أربع مرات، وصوت الحرف “س” مرتين، وصوت حرف “ع” ثلاث مرات. والقصة تزخر بأمثلة شبيهة. فالموسيقى في لغة قصص الأطفال تزيد من اهتمامهم وقدرتهم على تعلم اللغة، كما أنها توفر لهم طريقة تعلم تتسم بالترفيه.
تجري الأحداث في معظمها في الغابة. والغابة في الأدب لها رموز عدة منها مثلا البدائية والبعد عن الحضارة والتمدن والعزلة والغريزة الجامحة وغيرها من الرموز. فلا عجب إذن أن يؤذي الذئب كنغور أو يعتدي الأسد عليه يحاول افتراسه. فالغابة ليست مكانا آمنا. من ناحية أخرى، يمكن أن ترمز الغابة في القصة إلى أماكن مختلفة مثل المدرسة التي قد يتعرض فيها الطفل للتنمر، كما يتعرض كنغور للتنمر من قبل الأسد والذئب والزرافة، ويمكن للغابة أيضًا أن ترمز إلى البيت الذي يتعرض فيه الطفل للأذى من قبل أفراد عائلته، الذين يمثلون الأسد والذئب والزرافة، وإذا أردنا أن نتعمق أكثر يمكننا القول أن الغابة ترمز إلى النظام الرأسمالي الذي يأكل فيه الغني الفقير، وغيرها من الرموز التي قد تضفي على القصة معان مختلفة.
عادة لا يظهر الروائي مباشرة في القصة (إلا إذا كان يتحدث عن نفسه) لكنه يفوّض شخصًا آخر كي يروي ما يحدث، وقد يكون الراوي أحد شخصيات القصة أو الرواية، ويقدّم لنا الأحداث من وجهة نظره. لا نعلم شخصية الراوي في قصة “لا تغضب يا غنغور” لكن من الواضح أنه راوٍ عليم، يعلم بكل ما يحدث، ويعرف الشخصيات جيدًا، ويعلم متى تبدأ القصة ومتى تنتهي! لكن السؤال من يروي آخر فقرة في القصة؟ هل هي فقرة يقولها كنغور لنفسه؟ أم أن الراوي يتكلم مع كنغور مباشرة؟ وهل هي نصيحة مباشرة يقدمها الراوي؟
وأخيرًا السؤال الذي ينبغي أن نطرحه هو ما موقف كنغور من كل ما يحدث؟ هو طفل ضعيف يتخذ موقفا سلبيا مما يحدث ويفتقد إلى الشجاعة وقوة الشخصية للمجابهة. وما موقف أمه؟ وكذلك الأم ضعيفة سلبية تفضل الانسحاب على المجابهة، وتفشل في تهيئة ولدها كنغور للعيش في عالم صعب غير مثالي، يسود فيه مبدأ البقاء للأقوى ومن يعرف الدفاع عن نفسه.
وقالت هدى عثمان أبو غوش:
الغضب حالة انفعال يراد به عدم استقرار النفس من موقف ما، والغضب المبرّر هو غضب أخلاقي ناتج عن الشّعور بالظلم نتيجة عنف المجتمع، وفي هذه القصّة العلاجية التّي أمامنا تطرح الكاتبة سامية شاهين الحلول من وجهة نظرها لمواجهة الطفل الإساءة الموجهة إليه والتّحرّر من الغضب من خلال التنفس العميق وإسترخاء النفس، الحذر من الأشرار، المعاملة بالإحسان وكان العنوان “لا تغضب يا كنغور” هو محور القصة في اجتناب الغضب.ولكن هل يكفي معالجة العنف والإساءة من خلال تلك الحلول؟
إنّ التنفس العميق حلّ جيّد لكنه مؤقت لإسترخاء النفس وخلق حالة هدوء في النفس الغاضبة، إنّ تصرف كنغور حين أخذ بنصيحة أُمّه بالتنفس العميق حين أهانته الزرّافة، وتركه الّلعب مع الزرّافة وتجاهلها هو ردة فعل غير محبذة؛ لأنّها ستؤثر عليه فيما بعد، خاصة حين تتراكم مشاعر الألم والجرح بسبب عدم مواجهته للزرّافة للكفّ عن إيذائه،وربما يتكرّر هذا التّصرف كثيرا من آخرين.
إنّ نصيحة الأمّ لابنها كنغور تحتاج لتعديل، فحين تقول لابنها” لا تغضب حاول أن تمنعه بالإحسان” هي عمليا تسلب حقه في الشعور بالغضب والتعبير عن نفسه، وكان الأجدر أن تبدي التعاطف مع الإبن أولا وتقول له:أنا أفهم مشاعرك الغاضبة ولكن حاول أن تمنعه بالإحسان ،بالإضافة إلى ذلك ربما لن ينجح كنغور بمفرده لمنع من يسيء له، لأنه هناك حالات تحتاج لتدخل العائلة لتسوية الخلاف بلطف.
إنّ تعلّم الطفل أو كنغور كيف يواجه الإساءة والأذى من قبل الأهل وزرع الثقة به، بالإضافة إلى إشراك عدة أطراف لحلّ المشكلة كلها ستساعد في حماية النفس التّي تتوق للسّلام والأمان الداخلي، وإلاّ سيحبط الطفل وهو يكتم مشاعر الألم في تكرار تجاهل ما يحدث معه.
فالإساءة الّلفظية والجسدية يتعرض لها الصغير والكبير وغير محصورة لدى الصغار، والمسيء ليس فقط من الأشرار،لأننا للأسف نجد المثقف والمتعلّم يسيء بلفظه للطالب، ويسبّب له إحراجا، وأيضا صاحب العمل في مؤسسة ما يسيء باللفظ تجاه العمال، فهل باستطاعة العامل أن يبتعد عن مكان عمله والطالب عن مقاعد الدراسة؟
ولذا علينا أن نتعلّم كيف ندافع عن الإساءة تجاهنا!
وردت جملة في القصّة على لسان أرنوب بعد تعرض كنغور للأذى من قبل الذئب حين أصابه بالطّابة وسبّب له الألم يقول: “ارم في جيبك كلّ الهموم” والّتي تعني لا تهتم وتشغل بالك، هذا الرّد غير مناسب لأنّه لا يحلّ المشكلة.
أُسلوب الكاتبة: اختارت الكاتبة طرح مشكلة التّحرر من الغضب من خلال لسان الحيوانات بواسطة شخصية كنغور وبعض الحيوانات مثل: الزرافة، الذئب،الأسد، الأرنب والكنغر. استخدمت بعض السّجع وتكرار الفعل، ووصفت صفات كنغور المطيع لكلام أُمه، لطيف ويتميز بأنّ له جَيْب،جاءت الكلمات سلسة سهلة ومتسلسلة.
جاءت النهاية سعيدة حين عرف كنغور كيف يسيطر على غضبه من خلال التنفس العميق والبعد عن من يؤذيه،وكانت رسالة الكاتبة هي التّحرر من الغضب، ونبذ العنف، وصرخة لسلام المجتمع في بحثه عن الأمن والمحبة.
وكتب محمد عمر يوسف القراعين:
من الصعوبات في لغتنا، أنها لا تتبع تسكين أواخر الكلمات، بل تأخذ الكلمة أشكالا مختلفة حسب موقعها وإعرابها. هكذا جاء القرآن الكريم، فوضع أبو الأسود الدؤلي القواعد العربية، عندما قال له علي بن أبي طالب: انح يا أبا الأسود. ولولا هذا الارتباط، لكان تسكين أواخر الكلم، الذي يسهل اللغة على المتعلم.
نحن قبلنا ذلك على مدى الأجيال، ولكن لا نستطيع جميعا أن ندافع عنه ونبرره على أنه ميزة للغة، ونحن نرى خريجي الجامعات يلحنون، بينما المتعلمون الإنجليز مثلا لا يلحنون بلغتهم، والصحف والكتب لا تشكل الكلمات إلا إذا كانت للأطفال، والقراء يفهمون المكتوب.
وقالت ميسون التميمي:
تتحدث القصة عن كنغور صغير خرج للعب في الغابة، وتعرض للأذى ثلاث مرات، في المرة الأولى عندما ضربه ذئب على رأسه ضربة مؤلمة. وفي المرة الثانية عندما لحقه أسد وحاول افتراسه، وفي المرة الثالثة تعرض لنوع مختلف من العنف، وهو العنف اللفظي، حيث أن الزرافه جرحت مشاعره وسببت له الأذى، عندما قالت له بأنه قصير القامة، وكانت الأم في كل مرة يتعرض فيها ابنها للأذى توجه له النصائح؛ ليعرف كيف يتعامل مع العنف، وكيف يمتص غضبه، ويتجنب الأذى في المرات القادمة، وأن يقابل الإساءة بالحسنة، وهذا من صفات الإنسان المسلم القصة، تحمل هدفا جميلا وهو التسامح والعفو وأهمية النفس وشرب الماء في معالجة الغضب، ولكن ما يؤخذ على الكاتبة هو أن الذئب حيوان مفترس، فكيف يلعب مع االكنغورالصغير ولا يفترسه؟ وكيف خاف عندما ضرب الكنغور بالكرة على رأسه؟ فهل تحوّل إلى فار يختبئ ويخاف؟ فأين ذهبت قوته؟