جميل السلحوت: بدون مؤاخذة- بينيت لم يخرج عن سياسة نتنياهو
تاريخ النشر: 14/09/21 | 13:46من يتابع سياسة الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لن يجد أيّ اختلاف بينها بخصوص الأراضي العربيّة المحتلة، بغضّ النّظر عن الحزب أو التّحالفات الحزبيّة التي تشكّل الحكومة، فكلّهم ينفّذون المشروع الصّهيونيّ التّوسّعيّ الذي تتجاوز مخطّطاته حدود فلسطين التّاريخيّة التي يعتبرونها “أرض اسرائيل” التي وعدهم بها الرّبّ! وما الفوارق بين هذه الأحزاب الصّهيونيّة، إلا في التّصريحات التي تأتي من باب العلاقات العامّة لتسويق سياساتهم أمام الرّأي العامّ العالميّ. لكنّ نتنياهو كان أكثرهم وضوحا وصراحة في طرح سياساته التّوسّعيّة، ولم يأخذ أيّ اعتبارات للرّأي العامّ العالميّ، ولم يحفظ ماء وجه أنظمة عربيّة تعتبر “كنوز أمريكا واسرائيل الإستراتيجيّة” في المنطقة. ويجدر التّذكير هنا أنّ حزبّ العمل الإسرائيليّ في أوج قوّته وعنفوانه هو من بدأ الإستيطان في الأراضي العربيّة المحتلّة في حرب حزيران 1967 العدوانيّة، قبل أن يسكت هدير المدافع، عندما هدم حارتي الشّرف والمغاربة المحاذية لحائط المسجد الأقصى -حائط البراق-، وبنى حيّا استيطانيّا يهوديّا مكانه، وواصل مصادرة الأراضي العربيّة في محيط القدس القديمة وفي بقية أجزاء الضّفّة الغربيّة وقطاع غزّة، وحتى صحراء سيناء امصريّة لم تسلم هي الأخرى من الإستيطان.
وإذا قفزنا سريعا إلى اتّفاقات أوسلو الموقّعة في 13 سبتمبر 1993، فإنّها كانت محاولة ناجحة من اسحاق رابين رئيس الحكومة الإسرائيليّة لتفريغ منظّمة التّحرير وفصائلها من مضمونها المقاوم، ولنتذكّر مقابلة تلفزيونيّة بثّتها قناة العربيّة مع الدّكتور نبيل شعث عضو اللجنة التذنفيذيّة لمنظّمة التّحرير قال فيها: “أنّ لم يسمع من رابين موافقته على إقامة دولة فلسطينيّة،” وأكثر ما قال ” أكثر من إدارة مدنيّة وأقلّ من دولة.” ومع ذلك لم ينج رابين نفسه من الإغتيال على يد صهيونيّ متطرّف عام 1996. ورابين هذا كان رئيس أركان الجيش الإسرائيليّ في حرب حزيران 1967.
أمّا بنيامين نتنياهو فقد أكّد في كتابه الصّادر بالإنجليزيّة عام 1994، ولم يكن وقتها نتنياهو شخصيّة معروفة، والذي ترجم إلى العربيّة تحت عنوان “مكان تحت الشّمس”، أنّ حدود اسرائيل تطلّ على الصّحراء العربيّة، ويقصد الجزيرة العربيّة، وأنّه سيتنازل للفلسطينيين لإقامة دولتهم شرقيّ النّهر، بعد أن وصف الأردنّ أكثر من مرّة بأنّه “كيان قام في ظروف غير طبيعيّة”، وأن لا دولة ثانية بين النّهر والبحر، وأنّ الجيش الإسرائيليّ لن ينسحب من أيّ شبر سيطر عليه، وأنّ الفلسطينيّين لن يحصلوا أكثر من إدارة مدنيّة على السّكّان وليس على الأرض، مع تحسين ظروفهم المعيشيّة، وعلى العرب أن يوافقوا على هذا إذا أرادوا السلام، مع عدم السّماح لهم بالتّسلّح إلا بأسلحة لحفظ الأمن الدّاخليّ، وأن تتمّ مراقبتهم، لأنّهم لا يلتزمون بالعهود حسب تعليمات دينهم! وهكذا سلام سيكون في مصلحة العرب، لأنّ اسرائيل ستحلّ لسوريا والأردن مشاكل نقص المياه، “وإذا اجتمعت الانتلجينسيا اليهوديّة مع الأيدي العاملة العربيّة سيزدهر الشّرق الأوسط”! وهو بهذا يريد فرض الهيمنة الإسرائيليّة على كامل المنطقة العربيّة، ليكون العرب مجرّد”حطّابين وسقّائين” -حسب التعبير التّوراتيّ-، أي مجرّد عبيد. وقال أنّ العرب يرفضون كلّ طروحات السّلام التي تعرض عليهم، ثمّ لا يلبثون أن يتكيّفوا معها، وأعطى مثالا على ذلك، بأنّ العرب كانوا يطالبون بالقضاء على اسرائيل، وبعد حرب حزيران 1967، صاروا يطالبون بالإنسحاب من الأراضي التي احتلّت في تلك الحرب. وأضاف :”اذا احتلّينا مرتفعات السّلط في الأردن سيتكيّفون مع سيطرتنا على الأراضي التي استولينا عليها في الحروب السّابقة وسيطالبون بالإنسحاب من مرتفعات السّلط!” وعندما استلم ترامب الرّئاسة الأمريكيّة، نفّذ كلّ مخطّطات نتنياهو، وتوّجها بما عرف “بصفقة القرن” التي أعلن عنها في أواخر يناير 2020 لدعم نتنياهو وحزبه الليكود في الإنتخابات البرلمانية.
ويلاحظ أنّ نتنياهو قد نجح في تطبيق نظريّة “التّكيّف العربيّ”، فوجدنا أنظمة عربيّة مثل الإمارات، البحرين، المغرب والسّودان قد “كيّفت وتكيّفت” معه وتهافتت على تطبيع علاقاتها مع اسرائيل، وقد سبق ذلك تنسيقات وتحالفات أمنيّة وعسكريّة مع دول الخليج ومع غيرها، ومع سياسة التطبيع العلنيّة والسّرّيّة فإنّ أنظمة عربيّة وصفت التطبيع العلنيّ بأنّه “قرار سياديّ”! فعن أيّ سيادة يتكلّمون؟
ولولا خسارة ترامب ونتنياهو للإنتخابات لرأينا أنظمة أخرى تتسابق إلى حلبة “التطبيع المجّانيّ” بعد أن تخلّوا عن “مبادرة السّلام العربيّة” التي طرحها الأمير عبدالله بن عبد العزيز عام 2002 عندما كان وليّا للعهد السّعوديّ، وكلّ ذلك من أجل الحفاظ على عروش لم تحتمِ يوما بشعوبها، ولم تخدم أوطانها وشعوبها، وتتوسل لإسرائيل كي تكسب رضا الحامي الأمريكيّ.
سلام بينيت لابيد
أمّا بينيت رئيس الحكومة الإسرائيليّة الحالي فإنّه لم يخرج عن سياسة نتنياهو، فهو يطرح حلولا اقتصاديّة لقطاع غزّة بشروط، بعد أن صرّح أكثر من مرّة بأنّه لن تقوم دولة فلسطينيّة في عهد حكومته هو وشريكه لابيد وزير خارجيّته. وأنّ حكومته ستواصل الإستيطان. أي أنّه يريد تكريس الاحتلال ومواصلة مصادرة الأراضي العربيّة والإستيطان، ولا يعترف بوجود أراضي محتلّة يتوجّب عليه الإنسحاب منها، فهذه “أرض اسرائيل” التي وعدهم بها الرّبّ! وأيّ مقاومة لوجودهم هي ارهاب، ويواصل اطلاق أيدي قطعان المستوطنين؛ ليستولوا على أراض جديدة ليستوطنوها؛ وليقتلوا وليدمّروا وليقطعوا الأشجارـ وليحرقوا المزروعات بحماية الجيش الإسرائيليّ؛ وليواصلوا انتهاك حرمات المقدّسات وفي مقدّمتها المسجد الأقصى المبارك في القدس والحرم الإبراهيمي في الخليل. والحديث يطول.