حول رواية “الراعي وفاكهة النساء”
تاريخ النشر: 22/09/21 | 8:26ميسون أسدي لا تكتب كل الحقيقة ولكن كل ما تكتبه هو حقيقة
نايف خوري
أصدرت الكاتبة ميسون أسدي رواية جديدة بعنوان “الراعي وفاكهة النساء”، وتمتاز هذه الرواية بمقوّمات عدّة، حيث تكشف خبايا النفس، وأبعادا يرغب كثيرون بالتستر عليها، وهي العلاقة بين الرجل والمرأة، أو بين الذكر والأنثى، والمنطلقات التي يتبعها كل منهما في حياته العادية والخاصة، والمحاولات المتكررة التي لا تدل على الشبع ولا الاكتفاء في الشهوات. ميسون أسدي لا تكتب كل الحقيقية ولكن كل ما تكتبه هو حقيقة، فأمانة الكتابة متعبة جدًا في قول الحقيقة.
تعرض الرواية قصة الراعي الذي يتعرض لحادث طرق يجعله يكاد يلفظ أنفاسه، فيجد محامية، وهي في الوقت ذاته كاتبة عدل، ليفضي على مسامعها مغامراته مع النساء اللواتي أدخلهن في حياته أو دخل حياتهن، أو دخلن حياته. فقد لاحظته رجلا شرقيا بطباعه وشخصيته، وهمّه الأول والوحيد هو المرأة وكيفية بلوغها والحصول على مبتغاه منها، وهو لا يفرق ولا يميز بين أنثى وأنثى.
لقد جعلت الكاتبة شخصية هذا الراعي يقتدي بالحيوانات التي يعرفها، فحول الماعز والبقر والغنم، وكيف تتعاشر بهدف الإنجاب، ويتقاسم اللذّة والمتعة مع جارته الراعية، التي تبادله نفس الأحاسيس والمشاعر، ولعله يدرك في الخلفية مآخذ المجتمع على أمثاله، فيحتاط كي لا يفتضح أمره، ولا يشيع سره. واستطاعت المؤلفة أن تشد القارئ وتجذبه على امتداد صفحات الرواية، لأن هذا الراعي يحاول أن يعكس شخصية الرجل الفحل الذكر. الحياة الحديثة اليوم تشمل كمية كبيرة من النفاق الاجتماعي من تزيين وتزيف، والكاتب يمشي على حبل رفيع ليعبر دون ان يسقط وبحاجة ماسة إلى تدريبات وتوازنات صعبة جدًا.
وربما نسيت الكاتبة العزيزة أن تمنح المرأة قدرا كافيا من النباهة والإدراك والحرية في اتخاذ القرار، واستخدام العقل حين يجب ذلك، ودورها في بناء المجتمع وتكوين العائلة. لأن جميع النساء في العالم متشابهات من أعناقهن فما دون، ولا فرق في التكوين الفيزيولوجي والجسدي لأي امرأة دون سواها، وكلّ شيء ما عدا الرأس حامل العقل والتفكير والإرادة والإدارة الذي يجب أن يقود حياتنا. وبالتالي ليدرك هذا الرجل وذاك الفحل أن كل النساء متشابهات، فلا داعي للتعداد والانتقال من حضن هذه إلى صدر تلك حتى يشعر بالملل.
الرواية لا تدعونا إلى ذلك، ولكنها تثير فينا بصدق، العواطف التي يشعر بها الرجل تجاه المرأة، وأحيانا ما تشعر به المرأة تجاه الرجل، ولكن من وجهة نظره هو لا من وجهة نظرها هي. خاصة أن آداب وثقافات الشعوب مليئة وغنية بمثل هذه المواضيع التي أشغلت الإنسان منذ بدء الخليقة إلى اليوم، مثل أدب المجون لدى العرب وسواهم ممن أولوا الجنس أهمية في الحياة العامة. كما أن الكاتبة أشارت إلى أن الحيوان يمارس الجنس بهدف التكاثر وانطلاقا من غريزة البقاء، بينما الإنسان هو الحيوان الوحيد الذي يمارس الجنس للمتعة واللذة في كل زمان ومكان. فما بالنا نعيش الجنس في حياتنا أكثر من البهائم وسائر المخلوقات؟
إن مجتمعنا الشرقي ينظر إلى العلاقة بين الرجل والمرأة نظرة جنسية بكامل أبعادها والمترتبات عليها في كافة مجالات حياتنا الاقتصادية والاجتماعية والدينية والتربوية وغيرها الكثير من نواحي الحياة. ونجحت ميسون بطرح التساؤلات حول المواقف والسلوكيات التي ينبغي أن نعتمدها، لا أن نضع الجنس أمام أنوفنا ونسعى لممارسته في كل الأحوال والظروف، وأن ننفذ رغباتنا بين الرجل والمرأة كلما سنحت سانحة وبدرت بادرة، وكلما نظر رجل إلى امرأة أو نظرت امرأة إلى رجل يتبادر إلى ذهن كل منها السؤال: هل ستقبلني عشيقا لها، أم ستدعوني إلى سريرها، فسترى نجوم الظهر في عز النهار. أم تعتقد أن هذا الرجل الفحل قادر أن يفرحها ويمتّعها ويزيد لذتها وبهجتها في الحياة، وتتفتح ورودها، وتتعطر شفاهها، وتستلم لأيدي هذا الرجل الذي سينسيها حياتها في جحيم البيوت، وينطلق بها إلى عوالم اللذة والمتعة والنجوم.
بغض النظر عن بعض الهفوات والأخطاء النحوية، لكن الكاتبة استخدمت التعابير والألفاظ أقرب ما تكون إلى الواقع، وحرصت على جمالية اللغة وسكب الجمل والأفكار بصورة سلسة وجذابة.
إن هذه الرواية، التي تشد القارئ بجاذبية داخلية، وبمحاولة لاكتشاف الخطوات التالية من مغامرات هزاع البطل المغوار، وماذا سيحل بينه وبين كاتبة العدل، هل ستكون هذه كسائر النسوة اللواتي عرفهن الراعي هزاع؟ أدعك قارئي اللبيب لتستمتع أنت أيضا بمطالعة هذه الرواية كما استمتعت بها شخصيا.