هل المرأة ضعيفة العقل أم هي ينبوع من الجمال؟
تاريخ النشر: 23/10/11 | 3:37الرجال في مواجهة المرأة إما أعداؤها أو خصومها أو أنصارها أو عشاقها.. وأعداء المرأة هم الذين لا يرون فيها أية ميزة، وأنها إنسان مختلف أو رجل هزيل ضعيف العقل، وأنها بتاريخها الذليل وتركيبها المعقد قد أدت إلى تشويش حياة الرجل وتعويقه عن التطور.
أما خصوم المرأة، كما يقول أنيس منصور في كتابه “من أول نظرة.. في الجنس والحب والزواج”، فهم الذين يرون أن المرأة إنسان مثل الرجل، ولكنها تختلف عنه في تكوينها الجسماني والنفسي والتاريخي أيضا، وأن تاريخها القريب هو المسئول عن ضيق كتفيها وضخامة أردافها وقصر ساقيها وضيق أفقها. وأن أعظم عمل تقوم به هو أن تكون أما، وأن الأمومة هي العمل الإبداعي الوحيد الذي تنفرد به المرأة أو الأنثى عموما. وأن المرأة بطبعها لا تحب أن تستقل بنفسها وإنما هي تعتمد على الرجل في كل شيء، وليست لديها قدرة على الإبداع والمغامرة.
بينما يرى أنصار المرأة أنها لا تختلف كثيرا عن الرجل، بل إنها أقوى منه جسمانيا، وأقدر على احتمال المرض والألم، وأطول عمرا من الرجل. وأن بقاء المرأة في البيت تعطيل لقوة هائلة يمكن أن ينتفع بها الإنسان. وأن الإنسانية جربت طوال عشرات الألوف من السنوات كيف تكيف تكون حياتها الاجتماعية والخاصة في ظل سيادة الرجل وسيطرته، فلماذا لا نشرك المرأة مع الرجل في الحياة الخاصة والعامة.
وعشاق المرأة هم الذين يرون فيها ينبوعاً رائعا للجمال والمتعة، وأن الحياة بدونها مستحيلة، وأن السماء قد أهدت البشرية حواء وبناتها لكي يكون أبناء وأحفاد ويكون حب. بل إن النفس البشرية بها كنوز لا يمكن أن تنفتح إلا بأصابع المرأة وباهتمامها. وأعداء المرأة هم أعداء الإنسانية كلها وأعداء الحياة في نفس الوقت، وهم عادة مشوهون جسميا وعقليا أيضا.
يرى أنيس أن خصوم المرأة هم أكثر الناس حيادا معها، وينظرون إليها بعقل. والمرأة لا تحب أن ينظر إليها الإنسان بعقل، لأنها لا تعرف إلا أن يكون الإنسان عدوا أو حبيبا، ولكنها لا تعرف أن يكون عاشقا بتحفظ أو كارها بحساب..!
ومع ذلك فقد استفادت المرأة كثيرا من خصومها، لقد أناروا لها الطريق، وأطلقوا حريتها بحساب. ومن بين خصوم المرأة عندنا العقاد وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ .
وأنصار المرأة هم الذين يدفعونها إلى الحرية والعمل وتحمل الأخطاء في تجاربها الجديدة. فالذي يعمل هو الذي يخطئ والذي يعمل هو الحر، والحر هو الذي يتحمل مسئولية العمل، ومادامت المرأة حرة فلا خوف عليها إذا عملت.
من أنصار المرأة كل المفكرين العلميين والاشتراكيين، وفي مقدمتهم طه حسين، سلامة موسى، إسماعيل مظهر، والأديبات مي زيادة وسهير القلماوي ولطيفة الزيات.
أما عشاق المرأة فهم كثيرون جدا، بداية من أول إنسان قارن وجهها بالقمر، وحتى الرجل الذي قال “وتجيب خضوعي منين ولوعتي بين إيديك”، أي حتى أحمد رامي ومعظم الشعراء الغنائيين. وهم الذي يحرصون على أن تظل كتلة من اللحم، ويظل الطريق إليها بالدموع والشوك..!
ويوضح أنيس منصور في كتابه أنه لا فرق بين أعداء المرأة وعشاقها، فأعدائها يرونها “شيئا” كريها، وعشاقها يرونها “شيئا” لذيذا، وبالتالي لا يجد فرقا بين أحمد رامي ومصطفى صادق الرافعي وسقراط..!
والذي عشقوا المرأة والذي عادوها لم يقدموا لها شيئا ينفعها في تحررها من قيود الرجل، بل إنهم جعلوا هذه القيود والصبر عليها وحب الذل والهوان ضرورة حيوية. بل إننا لم نجد في “ألف ليلة وليلة” دعوة واحدة إلى تحرير المرأة، لأن المرأة متاع لذيذ.
وأوضح صورة لالتقاء العشق والعداء للمرأة هي في صورة “الحريم” وهو تجميع أكبر عدد من العشيقات في مكان واحد وترويضهن للقاء السيد صاحب الحريم، سواء كان شيخ قبيلة أو سلطان من السلاطين.
فالسلطان يرى أن المرأة ضرورة لا يستطيع أن يستغنى عنها، ولكنه في نفس الوقت لا يحترمها ولا يرى لها أي حق، فهي “شيء” مودع أو ملقى هناك، في حالة انتظار مستمرة لإرادته.
والذين يرون أن المرأة يجب أن تظل “حريما” هم الذين يرون أن لا حقوق لها، وأنها يجب أن تظل مربوطة في ذراع زوجها يبيعها ويشتريها ويشترط عليها أن تعمل أو لا تعمل، وأن يعاقبها كما يريد.. كل هؤلاء ينظرون إليها على أنها جزء من ممتلكات الرجل.
في كتاب بعنوان “الحريم” للكاتب الانجليزي ب. بنزر، يعرض كيف نشأ الحريم في الدولة العثمانية أو كيف اشتد سلطان الحريم في الدولة العثمانية، حتى كانت النساء هن اللاتي يحكمن أما السلاطين فكانوا غارقين في الخمر. ونظام الحريم قديم جدا، كان في إيران والعراق القديم والصين.
لكن كلمة “الحريم” أصبحت خاصة بالدولة العثمانية وحدها لأنه لم يحدث في التاريخ أن أصبح مثل هذا العدد الهائل من النساء السجينات في القصور تحت إرادة السلطان وأغواته.
وآخر السلاطين العثمانيين هو عبد الحميد الذي طرد عام 1919 كان يحتفظ بأربعمائة جارية ومائتين من الخدم والأغوات السود والبيض. ولم يعرف العالم الغربي حقيقة نظام الحريم إلا في أوائل هذا القرن، مع أن الحريم السلطاني كان موجودا ابتداء من القرن الخامس عشر في العاصمة التركية.
فمن أوائل القرن الخامس عشر لم يعد للسلطان زوجة شرعية وإنما كان لا يقامر بالزواج من فتاة فقد تنجب له بنتا، ولذلك فهو لا يتزوج إلا من الجارية التي تنجب له الولد، فإذا أنجبت ولدا أخذت لقبا جديدا هو “السلطانة الوالدة” وابنها عندما يكبر تكون له مئات الجاريات والأم هي التي تختارهن له، وإذا أنجبت الجارية ولدا تحولت إلى السلطانة الوالدة، لذلك فكل السلاطين العثمانيين هم أولاد جاريات.
كان هناك طريقا طويلا قبل أن تحظى الجارية بنظرة واحدة من عين السلطان، فالجارية تدخل السراي وتتدرب على أن تكون تلميذة مجتهدة لإحدى العشيقات، وتتعلم الغسل والطبخ، وبعد ذلك تصبح عشيقة وتنتظر إرادة السلطان.
ولم يكن أمام الحريم إلا الانتظار، وإلا التأمر والتزاحم على الطريق إلى السلطان، وكن يستخدمن كل الأساليب؛ الاغتيال والسم والفلوس والهدايا. ومن أشهر الجاريات واحدة روسية اسمها روكسيلانا استطاعت أن تكون سلطانة وزوجة للسلطان سليمان القانوني.
وقد استطاعت أن تتآمر على إخوة السلطان فقتلتهم جميعا، وكان عددهم 19 أميرا، ويقال أنها قتلت السلطان نفسه لكي يبقى ابنها سلطانا بعد ذلك. وروكسيلانا هذه هي التي بدأت عصر دولة الحريم.
وعندما يكتشف أحد السلاطين أن هناك مؤامرة ضده فإنه يفتك بالحريم، وقد حدث أن أمر أحد السلاطين بإغراق كل الحريم في البسفور، فوضعت النساء في جوالات وألقين في قاع البسفور، وكان عددهن 300 فتاة بين العشرين والخامسة والثلاثين. كذلك فقد اغرق السلطان سليم 250 امرأة في ليلة واحدة لا لشيء إلا لأنه يريد تغيير الحريم..!
أما دور زوجة السلطان فهو لا يزيد على متابعة الحريم والتآمر عليهن أو التآمر على السلطان نفسه، أما إذا رضيت بنصيبها فإنها تنشغل في الأعمال الخيرية مثل بناء المساجد والمستشفيات.
ويلفت “بنزر” في كتابه ان نظام الحريم لم يكن هو سبب الانحلال العثماني، وإنما كان من مظاهر الانحلال، فقد انشغل الرجال بالنساء عن كل شيء من دولة وشعب، فالسلاطين قد ولدوا من أمهات جاريات وعشن في سجن الحريم، وعندما كبروا عاشوا مرة أخرى في الحريم..!