عبد الخالق أسدي أعادنا إلى ذلك الزّمن الجميل (أمسية تكريميّة)
تاريخ النشر: 26/09/21 | 10:36بقلم: علي هيبي
أحبّائي يسعد أوقاتكم كما قالت أمّ كلثوم “حبيبي يسعد أوقاته” في أغنيتها الجميلة.
مساء الخير والمحبّة والجمال والغناء والفرح.
مساء جمال عبد النّاصر.
مساء أمّ كلثوم.
أحييكم في هذه الأمسية القوميّة الهوى الرّقيقة المهوى والدّافئة أنفاسًا والهادفة رسالة، أمسية تكريم المربّي والكاتب النّاصريّ والكلثوميّ عبد الخالق أسدي في قريته مجد الكروم، وفي صرح من صروحها الثّقافيّة، المكتبة العامّة ومديرها الأخ علي منّاع وموظّفيها ونادي قرّائها.
وبعد:
هل ثمّة من يعتقد هنا بين جدران هذه القاعة الّتي عجّت بالحياة بحضوركم البهيّ وبروح جمال عبد النّاصر الطّاهرة والصّدى الرّقيق للغناء الكلثوميّ، في هذه الأمسية الجميلة والأنيقة للجميل والأنيق “أبو رامي”، هل ثمّة من يعتقد أنّ جمال عبد النّاصر قد مات! أو جيفارا مات! أو نيلسون مانديلا مات! أو هو تشي منّه مات! أو سبارتاكوس!
جمال عبد النّاصر لا يموت ولن يموت ما دمنا ننبض من قلبه ونحيا من روحه وتلهج ألسنتنا بذكر اسمه الرّنان كرنين الذّهب/ جمال ونصر رنين الذهب على الذّهب/ صليل النّصال على النّصال.
جمال عبد النّاصر اسم موسيقيّ متّسق الأوتار والنّغمات ومنسجم الصّور والكلمات من حنجرة كوكب الشّرق العظيمة أمّ كلثوم/ عصابة من الأشرار سمّوها كوكب الشّرّ مرّة/ هم هم من وجّهوا فوهة المسدّس إلى رأس الزّعيم العظيم جمال عبد النّاصر/ هم هم من أرادوا إسكات صوت الفنّ والغناء “بخيرهم” المزيّف والمتخم بالشّرّ.
جمال عبد النّاصر هو روح الانتصار عند الهزيمة العسكريّة الّتي زعزعت الوجود العربيّ، ولكنّ وجدان جمال عبد النّاصر لم يتزعزع/ وغنّت أمّ كلثوم بعد الهزيمة وكلّ أنواع همومها ومراراتها للقائد:
“دوس بإيمان وبروح وضميرْ دوس على كلّ الصّعب على كلّ الصّعب وسير”
وهتف الشّعب الحزين الباكي والثّائر على الهزيمة “حَ نحارب”! وسار جمال عبد النّاصر إلى الخرطوم وجلجلت لاءاته العروبيّة الثّلاث ودوّت “لا اعتراف ولا مفاوضات ولا سلام مع إسرائيل” مزعزعة كلّ البرامج والمشاريع الأميركيّة وذيلها إسرائيل. وطال انتظار موشيه ديّان على الهاتف الّذي لم يرنّ رنّته المنتظرة.
وحارب جمال عبد الناصر كلّ من حاول المسّ بالعروبة والعرب شعوبًا وترابًا وأمجادًا بجنود مصر الأباة، وعبروا القناة وكسروا حاجز الخوف ودكّوا بسلاحهم السّوفييتيّ تحصينات خطّ بارليف المنيعة، لا مناعة ولا تحصين أمام الإرادة المصريّة المشبعة بعروبة جمال عبد النّاصر وبشجاعة الجنديّ المصريّ والسّوريّ طيّارًا في الأجواء أو بحّارًا بين الأمواج أو مقاتلًا على أرض الوطن الحبيب.
ورنّ هاتف ديّان الجديد وجاء الصّوت، صوت الرّئيس “المؤمن” أنور السّادات باهتًا خنوعًا يرشح ذلًّا: “سأخون” وخان وما زال يخون بشخص الرّئيس حسني مبارك وعبد الفتّاح السّيسي ومحمّد بن سلمان وعبد الفتّاح البرهان والملك محمّد السّادس وملوك الخليج وأمرائه وشيوخه وأرانبه وكلابه! فهل ننتظر جنرالًا جديدًا من ليبيا، في عصر حكم الجنرالات!
لقد انهزمنا هزيمة نكراء مع أنور السّادات رغم الانتصار العسكريّ/ انهزمنا في الكيلو 101، من هذه الخيمة انهزمنا ودقّت الخوازيق ولمّا تُقلع “من شرم الشّيخ إلى سعسع”، انطلق صوت الخيانة المنشود صهيونيًّا وأميركيًّا: نعم للخيانة/ نعم للمفاوضات/ نعم للاعتراف/ نعم للسّلام الخنوع/ نعم للتّطبيع/ نعم لعزيزي هنري كيسنجر وانتشى نتنياهو من صوت الخرطوم الذّليل. جمال عبد النّاصر عندما أحسّ بمسٍّ خفيف ومرٍّ من الإهانة لمصر والعرب قال لجون فوستر دالاس: “المقابلة انتهت”، أمّا السّادات ورغم ثقل الإهانة فإنّه استعذبها وقال لعزيزه هنري “الخيانة بدأت”!
جاء الرّدّ الخؤون من أوجار الأرانب وأوكار السّلاحف وقصور الملوك والأمراء والرّؤساء والكلاب!
شكرًا لك يا عبد الخالق أسدي على جزأيْ كتابك الواحد في العزّة القوميّة سياسة وفنًّا، لقد قلت لك يومًا “أصدر أصدر”! وأصدرت وشكرًا لك لقد أعدت إلينا الرّوح وأعدتنا إلى إحساس ما ببعض أمجادنا.
“أمجاد يا عرب أمجاد في بلادنا كرام أسياد”
أعدتنا إلى عشرة الزّمن الجميل/ أحييت فينا حبّنا لمصر الأهرام والشموخ/ لنيلها الخالد الموّار الزّاخر بالحياة/ لجمالها النّاصريّ العروبيّ المكافح/ لأمّ كلثوم وليلة حبّ من ألف ليلة وليلة/ ولطلعت حرب ضمير مصر الاقتصاديّ الوطنيّ.
يا عبد الخالق أسدي أحييت فينا الجروح/ لماذا لم تتركها مدفونة ميّتة في دواخلنا/ لماذا نكأتها بكتابيْك/ لماذا فعلت/ لماذا!؟
فأين مصر الّتي في خاطرك وخاطري/ أين مصر الّتي على فمك وفمي/ أين مصر الّتي نحبّها من روحك وروحي وفي دمك ودمي!
أين مصر النّاصريّة العربيّة والعلم ذو النّجمة الزّرقاء المفرغة القلب كالجمجمة يستوطن ويملأ الفضاء مرفرفًا إلى كلّ اتّجاهات الرّيح الخيانيّة السّتّ سماء قاهرة المعزّ، على مرمى حجر من الأضرحة الطّاهرة لجمال عبد النّاصر وعبد المنعم رياض وسعد زغلول وأحمد عرابي!
لقد جعلتني يا أبا رامي أردّد ما قلته في قصيدة قديمة أتوق فيها لجمال عبد النّاصر وزمانه النّاصع في هذا الزّمن العربيّ الرّسميّ الكالح:
“في حالنا المنكوب مذ حكّامنا – صاروا أراذل والقلوب رقاقُ
تهفو إليك عيون شعبك كلّها – ترنو القلوب ولا يضير عناقُ
قم يا جمال فمصر ما عادت لنا – عد يا جمال أما كفاك فراقُ
قم يا جمال فإنّني مشتاق – والهجرُ بحر موجه الأشواقُ”
لقد غنّت أمّ كلثوم لحنًا وكلمات مع عظماء مثلها: أبو العلا محمّد، محمّد القصبجي، زكريّا أحمد، رياض السّنباطي، محمّد عبد الوهاب، بليغ حمدي، محمّد الموجي وكمال الطّويل، والنّجوم الزّاهرة لا تُعدّ!
وغنّت أمّ كلثوم مع عظماء الشّعراء: أحمد شوقي، أحمد رامي، محمّد إقبال، الهادي آدم، أحمد شفيق كامل، مأمون الشّنّاوي، جورج جرداق، نزار قبّاني وبيرم التّونسيّ. هذا الأخير الّذي قالت له أمّ كلثوم مرّة بعد أن ألقى أمامها مقطعًا شاعريًّا مؤثّرًا: “الكلام ده انت بتقولو إزّاي”؟ فقال: “أنا ما بقولوش أنا بتنفّسو”!
الآن في هذا الزّمن العربيّ الملوّث بالملوك والرّؤساء الأراذل والهزائم، زمن السّياسة الرّذيلة يتربّع الفنّ الرّذيل كذلك، يتربّع شعبان عبد الرّحيم “شعبلّة” نموذجًا للغناء على عرش الأغنية، وتحصد أغنية “بحبّك يا حمار” الميداليّات الذّهبيّة!
فيا لسخرية الأيّام وفساد الزّمان يا صديقي العزيز، عبد الخالق أسدي، نجحت وجعلتنا نشتاق في هذا الزّمان العربيّ الكالح سياسة وفنًّا.
نعم! جعلتنا نشتاق إلى مرحلة النّاصريّة والعروبة وزعيمها الخالد جمال عبد النّاصر.
نعم! جعلتنا نشتاق لأمّ كلثوم والغناء الأصيل.
نعم! جعلتنا نشتاق إلى:
“مصر يمّة يا بهيّة – يا أم طرحة وجلابيّة
الزّمن شاب وانت شابّة – هو رايح وانت جايّة”
نعم! جعلتنا نشتاق للسّيّد درويش:
“طلعت يا ما أحلى نورها الشّمس الشّموسة يالله بنا نملا ونحلب لبن الجاموسة
وعبد الحليم حافظ وصورته وناصر واحنا كلّنا حواليه ويا أهلًا بالمعارك وحكاية شعب مصر العظيم.
ولفريد الأطرش والمارد العربيّ وبساط الرّيح وشعبنا يوم الفداء فعلُهُ يسبق قولَهْ، وستكون للحقّ جولات وجولات.
وما دمنا يا عبد الخالق أسدي نذكّر بجمال عبد النّاصر ونتذكّره وأمَّ كلثوم ستبقى مصر العروبة وشعبها العظيم ونيلها الزّاخر وجمالها السّاحر وعراقة أهرامها وتاريخها وأبو هول عدّوّها/ سيبقى جمال العروبة وسيبقى الحلم بالوحدة العربيّة ” وسنغنّي مع الكوكب الشرقيّ المشرق دومًا “بعد الصّبر ما طال/ نهض الشّرق وقال/ حقّقنا الآمال/ برياستك يا جمال”. سيشيخ الزّمان ولن تشيخ مصر البهيّة الولّادة ما دامت أمّ كلثوم تغنّي: “أصبح عندي الآن بندقيّة/ أصبحت من عائلة الثّوّار”، ولن يشيخ الحلم العربيّ ما دام اللّيل والنّهار يتوالجان.
“أجيال ورا أجيال – حَ تعيش على حلمنا
واللي نقولو اليوم – محسوب على عمرنا
جايز ظلام اللّيل – يبعدنا يوم إنّما
يقدر شعاع النّور – يوصل لأبعد سما
ده حلمنا طول عمرنا – حضن يضمّنا كلّنا كلّنا”
عاشت الأمّة العربيّة وجمالها الزّاهر وحلمها العظيم وكوكبها المشرق ودمت يا عبد الخالق أسدي.
(ألقيت في حفل تكريم المربّي والكاتب عبد الخالق أسدي في قاعة
المكتبة العامّة في مجد الكروم مساء السّبت 11 أيلول 2021)