التحرك المصري الأردني لإحياء عملية التسوية … الدوافع والتحديات
تاريخ النشر: 13/10/21 | 9:42رابط هذه الورقة من موقع مسارات
هذه الورقة من إعداد أشرف أبو خصيوان، ضمن إنتاج أعضاء “منتدى الشباب الفلسطيني للسياسات والتفكير الإستراتيجي” الذي يشرف عليه مركز مسارات.
مقدمة
عقد كل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس قمة ثلاثية بالقاهرة، يوم 2 أيلول/سبتمبر 2021، للتنسيق والتشاور إزاء المستجدات والتحديات التي تواجه القضية الفلسطينية.[1] وأكد البيان الختامي للقمة تكاتف جميع الجهود، والعمل على إحياء عملية السلام، واستئناف المفاوضات وفق مرجعيات الشرعية الدولية.[2]
يثير ما سبق أسئلة حول دوافع هذا التحرك المشترك، والتحديات التي تواجه مسعى كل من مصر والأردن لإحياء عملية التسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين برعاية أميركية، في وقت لم تُظهر حكومة نفتالي بينيت أي مؤشرات للتعاطي مع هذه الجهود، كما ظهر في لقاء السيسي وبينيت لاحقًا، علاوة على أن الإدارة الأميركية لم تبلور رؤية عملية للعودة إلى المفاوضات، معتمدة على مقاربات اقتصادية أكثر منها سياسية.
سياق التحرك المصري الأردني
وصلت عملية التسوية في عهد إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب (2017-2021) إلى طريق مسدود، خاصة بعد طرحه لـرؤيته “خطة السلام من أجل الازدهار” (صفقة القرن). ورفضت القيادة الفلسطينية هذه الرؤية، والرعاية الأميركية للمفاوضات، وطالبت، في 11 شباط/فبرار 2020، بعقد مؤتمر للسلام برعاية الأمم المتحدة؛ لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية على أساس حل الدولتين.[3]
تزامن التنسيق المصري – الأردني مع القيادة الفلسطينية، الذي بدأ في أواخر عهد ترامب، مع التحرك تجاه دول أوروبية، مثل ألمانيا وفرنسا على هامش اجتماعات مجموعة ميونيخ بين مصر وفرنسا وألمانيا والأردن، التي كانت مشجعة لكافة الأطراف؛ ذلك لتحقيق هدف رئيسي يتمثّل في إعادة إطلاق عملية التسوية، وهو ما أكدته المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل في حديث مع الرئيس عباس، في 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2020، إذ أشارت إلى أهمية الخطوة الفلسطينية باستعادة العلاقة مع الجانب الإسرائيلي، واستعداد ألمانيا لدفع جهود صنع السلام إلى الأمام من خلال مجموعة ميونخ، والاستعداد لعقد اجتماع لهذه المجموعة مع كل من فلسطين وإسرائيل على مستوى وزراء الخارجية.[4]
وهذا ما أكده سامح شكري، وزير الخارجية المصري، خلال حديثه في جلسة لمجلس الأمن بتاريخ 16 أيار/مايو 2021، إذ أشار إلى أهمية تفعيل الرباعية الدولية بالتعاون مع مجموعة ميونخ لدعم الجهود الدولية لاستئناف المفاوضات، والعمل مع الإدارة الأميركية لتحقيق الهدف.[5]
وأعقب ذلك لقاءات عقدها الرئيس عباس في كل من الأردن ومصر، في تشرين الثاني/نوفمبر 2020[6]، غير أن هذه التحركات جميعها باءت بالفشل بسبب مواقف إدارة ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي – حينها – بنيامين نتنياهو.
بدأت ملامح التغيير في سياسة إدارة جو بايدن، بعد العدوان الأخير في أيار/مايو 2021، ومحاولة وقف العدوان، وتصريحاتها العامة حول ضرورة تهيئة الأجواء لإحياء عملية التسوية وفق مبدأ حل الدولتين.[7]
رغم تأييد إدارة بايدن لحل الدولتين، إلا أنها لم تقدم أي مبادرة لإعادة إحيائه، وإنما محاولة لدعم التعايش من خلال الاقتصاد، وهو ما أوضحه أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأميركي، “بضرورة العمل مع السلطة الفلسطينية والمجتمع الدولي لتعزيز الاستقرار الاقتصادي والتقدّم في الضفة الغربية وقطاع غزة”[8]، وهو ما أدى إلى شعور السلطة بالتفاؤل، وسعيها لتأمين تحرك عربي داعم للمواقف الفلسطينية.
ودعم التحرك الثنائي ما صرح به جوزيف بوريل، الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية للاتحاد الأوروبي، حول أهمية حل الدولتين للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وذلك عقب اجتماع مجلس العلاقات الخارجية للاتحاد، في 12 تموز/يوليو 2021، إذ قال: لا يمكن تحقيق أمن إسرائيل سوى عبر حل الدولتين، وأنهم ينتظرون من إسرائيل تقديم وجهة نظر سياسية من أجل إنهاء الصراع القائم.[9]
بنى الاجتماع الوزاري العربي في أيلول/سبتمبر 2021 إطارًا لمتابعة مخرجات القمة الثلاثية، والعمل على بلورة تصور لتفعيل الجهود الرامية إلى استئناف المفاوضات. واستمرارًا للتحرك الثلاثي التقى سامح شكري، وزير الخارجية المصري، بنظيريه الأردني أيمن الصفدي، والفلسطيني رياض المالكي، في 9 سبتمبر/أيلول، قبيل بدء أعمال الدورة العادية لمجلس الجامعة، للعمل على إعادة الانخراط في مسار السلام وإطلاق عملية تفاوضية.[10]
وتزامنت اللقاءات الثلاثية مع انعقاد الدورة (76) للجمعية العامة للأمم المتحدة، التي طالب فيها الرئيس عباس الأمين العام “بالدعوة لمؤتمر دولي للسلام، وفق المرجعياتِ الدوليةِ المعتمدة، وقرارات الأمم المتحدة، ومبادرة السلام العربية، وتحت رعاية الرباعية الدولية، فقط وليس غيرها”.[11]
دوافع التحرك المصري الأردني
يبدو أن كل من مصر والأردن تسعيان لإطلاق مبادرة لإحياء عملية التسوية واستئناف المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وفقًا لمبدأ حل الدولتين، بالتوازي مع مساعي مصر للتوصل إلى تهدئة طويلة على جبهة غزة، وإتمام صفقة تبادل للأسرى بين حكومة بينيت وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)؛ “خوفًا على مكانتهما التاريخية وأهمية القضية الفلسطينية لأمنهما القومي، وأنهما يملكان بعض الأوراق التي تقلل من فرص تقويض دورهما”[12]، خاصة بعد رحيل ترامب وصفقته التي لم تستطع أي منهما رفضها بشكل علني وواضح، على الرغم من أنها تشكل تهديدًا للأمن القومي للدولتين.
ترغب كل من مصر والأردن بلعب دور جوهري وبارز في المنطقة العربية، من خلال القضية الفلسطينية، ومحاولة إطلاق عملية التسوية، خاصة بعد تصريحات إدارة بايدن، التي انتهجت سياسة مخالفة لإدارة ترامب، وإدخال أطراف إقليمية للتحرك من جديد في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وفي هذا السياق، جاءت اللقاءات الثنائية والاتصالات ما بين مصر والولايات المتحدة أثناء العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، وتبعتها زيارة الملك عبد الله الثاني إلى واشنطن[13]، ومن ثم زيارة بينيت إلى البيت الأبيض.[14] وفي خضم ذلك زار عباس كامل، رئيس المخابرات المصرية، كل من رام الله وتل أبيب[15]، والتقى بيني غانتس، وزير الحرب الإسرائيلي، لإجراء مباحثات مشتركة”، فضلًا عن عقد لقاء قمة بين بينيت والسيسي، في 13 سبتمبر/أيلول 2021، أكد فيه الأخير التوجه المصري نحو “دعم كافة جهود تحقيق السلام الشامل بالشرق الأوسط استنادًا إلى حل الدولتين.[16]
محاولات الانفتاح على الإدارة الجديدة
يصب اللقاء المصري والأردني في تقوية الموقف الفلسطيني، الذي يشدد على عقد مؤتمر دولي للسلام، ما يجعل التحرك المصري الأردني ذا أهمية لتعزيز المطالب الفلسطينية أمام الإدارة الجديدة، وبلورة موقف عربي داخل جامعة الدول العربية للضغط على إدارة بايدن لإطلاق مبادرة لإحياء عملية التسوية.
التحديات
تواجه مساعي مصر والأردن لإطلاق مسار سياسي يفضي إلى العودة للمفاوضات العديد من التحديات، على المستوى الفلسطيني، والإسرائيلي، والأميركي، خاصة في ظل رفض بينيت لقاء الرئيس عباس، وتصريحاته الرافضة لإقامة دولة فلسطينية.
تحديات فلسطينية
يأتي التحرك المصري الأردني في ضوء تحديات فلسطينية داخلية، أبرزها الانقسام، فمن دون الاتفاق على برنامج فلسطيني لا يمكن التقدم إلى الأمام، ولا التحرك نحو عملية سياسية مع إسرائيل، إضافة إلى فقدان الفلسطينيين للبعد العربي عقب توقيع بعض الدول العربية اتفاقات تطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.[17] ويمكن أن تكون هذه التحديات سببًا تتذرع به إسرائيل وأميركيا لتعطيل العودة إلى المفاوضات، لا سيما أن الموقف الفلسطيني يدعو إلى رعاية دولية للمفاوضات.
ويضاف إلى ذلك وثيقة “إجراءات الثقة” التي سلمتها السلطة الفلسطينية إلى المبعوث الأميركي هادي عمرو، في تموز/يوليو 2021، وتتضمن مطالب أمنية واقتصادية تمهيدًا لاستئناف المفاوضات[18]، وهذا ما يشير الى استعداد ضمني من السلطة للتعاطي مع الرؤية التي طرحها يائير لابيد، وزير الخارجية الإسرائيلي، (الاقتصاد مقابل الأمن)، الأمر الذي يتعارض مع منطلقات التحرك الثلاثي المشترك.
تحديات إسرائيلية
يتجسد موقف الحكومة الإسرائيلية في تصريحات بينيت على القناة العبرية 11، التي عارض فيها إقامة دولة فلسطينية، مضيفًا أن “إسرائيل معنية بتحسين أوضاع حياة الفلسطينيين، وهي ترى بذلك مصلحة مشتركة للجانبين”.[19]
كما يظهر موقف بينيت في رفض لقاء الرئيس عباس، وهو ما أوضحته، أيليت شاكيد، وزيرة الداخلية الإسرائيلية، بأن بينيت لا ينوي لقاء عباس في المستقبل، ولا ينوي مقابلته لأنه رفع قضايا ضد الجيش الإسرائيلي وقادته في لاهاي، وبالتالي فهو ليس شريكًا.[20]
ويضاف إلى ذلك الممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، المتمثلة بالتوسع الاستيطاني في الضفة والقدس، والاعتداءات على المسجد الأقصى، والسماح للمستوطنين بإقامة الصلاة داخله، والحصار على قطاع غزة، وتعطيل عملية إعادة الإعمار، وربطها بملف الجنود الأسرى، وغيرها من الممارسات العدوانية.
يتفق لابيد وبينيت في اتخاذ إجراءات لتحسين الوضع المعيشي للفلسطينيين في إطار رؤية “التسهيلات مقابل الأمن”، ولكن لابيد، من جهة أخرى، يعلن تأييده لمبدأ حل الدولتين كما صرح بذلك خلال اجتماع مجلس الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي بقوله “أنا أؤيد حل الدولتين لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي”، مؤكدًا في الوقت نفسه أن تحقيق ذلك “غير ممكن حاليًا”.[21]
ولكن الاتجاه العام لمواقف الحكومة يعكس رؤية اليمين الإسرائيلي ورئيسها بينيت: عدم إقامة الدولة الفلسطينية وفق قرارات الشرعية الدولية، ورفض عقد مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة على أساس قرارات الشرعية الدولية
تحديات أميركية
تتبنى إدارة بايدن إعادة العلاقات الفلسطينية الأميركية بعد أن ابتعدت كثيرًا خلال عهد ترامب، فقد صرح بايدن خلال مؤتمر صحفي مع بينيت، عقد في واشنطن يوم 27 آب/أغسطس 2021، بأنه جرى نقاش ملفات عدة لدعم الازدهار والسلام من أجل الإسرائيليين والفلسطينيين.[22]
إلا أن إحياء عملية التسوية في ظل إدارة بايدن ليست أولوية في ظل انشغالها بقضايا أخرى، وخاصة مواجهة الصين، والملف النووي الإيراني، وأزمة كورونا، والتغير المناخي.[23] فعلى الرغم من تأييد بايدن لمبدأ حل الدولتين، إلا أنه أشار بوضوح لأهمية اتخاذ خطوات عملية لتحسين حياة الفلسطينيين ودعم الفرص الاقتصادية، وأشار إلى أهمية الامتناع عن الأعمال التي تفاقم التوترات وتقوض جهود بناء الثقة. وبالتالي، تتوافق الرؤية الأميركية لتحسين حياة الفلسطينيين مع توجهات الحكومة الإسرائيلية.
خاتمة
تُشير المعطيات أنه إذا نجحت مصر والأردن في إطلاق مبادرة سلام وفقًا لرؤية مبادرة السلام العربية، فإنها ستكون محفوفة بمخاطر الفشل، نتيجة المواقف المتطرفة للحكومة الإسرائيلية، وموقف الإدارة الأميركية التي تعلن تأييدها لحل الدولتين، لكنها لا تفعل شيئًا، ولا ترغب في تقديم مبادرة لإحياء العملية السياسية، خشية من انهيار الحكومة الإسرائيلية، وفضلًا عن أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ليس من ضمن أولوياتها، في ظل أولويات أخرى تتمثل في الوضع الداخلي الأميركي، وأزمة وباء كورونا، ومواجهة التمدد الصيني، والملف النووي الإيراني، وتداعيات الانسحاب من أفغانستان.