صباح بشير: “نور العين” قصة إنسانية ملهمة
تاريخ النشر: 15/10/21 | 12:59يطلُّ علينا الكاتب سهيل كيوان ويتحفنا بإبداعه الجديد “نور العين” وهي قصة للأطفال صدرت عن مكتبة كل شيء في حيفا، وتقع في أربع وسبعين صفحة من الحجم المتوسط، تُزيّنها رسوماتٌ جميلة ٌمعبِّرة للفنانة منار نعيرات، وهي من تصميم شربل الياس.
سبق لي أن قرأت للكاتب العديد من المقالات وروايتين هما: “المفقود رقم 2000” و “بلد المنحوس”، وقد صدرَ لهُ سابقا عدَّة مجموعاتٍ قصصيَّة للأطفال لاقت نجاحا واسعا. وعن قصة “نور العين” فهي تشكل إضافة نوعيّة لمكتبة أدب الأطفال في فلسطين، فهي جاذبة بأسلوبها وقوة رسالتها، انفردت بميّزاتٍ قَلما تتوفر في الأساليب التربوية الأدبية الأخرى، ومفادها هو تثقيف وإطلاع الصغار على أهمية التبرع بالأعضاء لإنقاذ حياة المرضى، هذا الموضوع الإنساني الهام الذي لم يتم التطرق إليه سابقا على مستوى الأدب بشكل عام.
العنوان: “نور العين” الاسم الأول والثاني يحيلان الى بعضهما البعض ويؤثران في صياغتهما معا، مما يكسب العنوان وظيفة دلالية هامة، فالتسمية هنا لم تكن عبثية، إنما تدفع القارئ لوضع يده على دلالة مكثفة، وتخلق لديه انطباعا أوليا عن النص.
الفكرة: القصة الجيدة للأطفال هي التي تحمل الفكرة الإيجابية وتدعو إلى الخير والفرح، الحق والجمال، في “نور العين” لم تكن الفكرة ساذجة أو مُغرقة بتفاصيل زائدة، فقد جرت الأحداث في إطار التبرع بالأعضاء والإيثار، لذا لم تنطلق الوقائع بشكل عشوائي، ولم تتصرف الشخوص اعتباطاً، بل كانت تستهدف بتعبيراتها فكرة العمل الأساسية التي استمدت موضوعها من عالم الطفل (الدمية) وعالجت ما يصبُّ في نطاق اهتماماته.
الأحداث: دارت الأحداث بتسلسل وترابط في إطار فنيّ محكم ونسيج بنائي متناسق، ثم تأزمت المشكلة؛ ليجد القارئ نفسه في شوقٍ للعثور على الحل المناسب، فبعد أن قررت الطفلة رشا أن تُفَصِّل قبعة لِلُعبَتِها الصغيرة، أرادت إلصاق الأوراق ببعضها البعض، فسقطت قطرة من الغراء على عين الدمية اليسرى، والتصق جفنا عين الدمية ببعضهما، فحاولت رشا معالجة الأمر لكنها لم تتمكن من ذلك؛ لأن الغراء كان قد جفّ بسرعة، ثم توجهت الى جدّها الكفيف؛ لتشكو له ما حلّ بها، وهو الذي ينتظر متبرّعا بقرنية لعينه، وخلال الحديث الذي دار بينهما حضرت صديقتها ندى برفقة والدتها الطبيبة نور، فتبرعت ندى بدميتها القديمة للاستفادة من عينها التي نقلتها وزرعتها نور مكان عين الدمية التي تلفت من الغراء.
البناء والحبكة: قامت الحبكة على حوادث ومواقف بسيطة واضحة غير مفتعلة، وتم ترتيب الأحداث وتطويرها في تسلسل طبيعي متماسك بأجزائه وبنائه.
الشخصية: رشا، الجد، ندى، الطبيبة نور، اتسمت هذه الشخوص بالإيجابية وكانت مألوفة وقريبة إلى الطفل، مقنعة ومشبَعَة بالأخلاق، اتصفت بالتعاون وحبِّ الخير والإيثار، وقد جُسِّدَت الأدوار بشكل مؤثر لدفع المتلقي الصغير لاتخاذ موقف عاطفي وفكري إزاء ما قرأ.
البعد النفسي والسلوكي: تم التركيز على تشغيل الحواس ليظل القارئ الصغير منجذبًا إلى النص وتتكوَّن لديه بعض الميول والاتجاهات الإيجابية، كالتعاون، الايثار، احترام الغير، مساعدة الآخرين، التطوّع، التبرع وغيرها من المعاني السامية، ظهر ذلك واضحا من تصرفات الأبطال، سلوكهم ورغباتهم، أفكارهم ومشاعرهم المختلفة (هدوء، انفعال، حزن، ترقب، قلق، فرح) وتمت الاشارة إلى يوم المرأة العالمي (صفحة 9) الذي صادف في يوم ميلاد البطلة رشا، وهذه لفتة ذكية للنفاذ بالنص إلى غرس القيم الإنسانية الخاصة باحترام المرأة وترسيخها في فكر الطفل وسلوكه، كما تم التطرق لموضوع المحافظة على الهدية واحترامها وتقدير من قدمها لنا (صفحة 16).
الأسلوب: هذه القصَّة إنسانية تعليميَّة تثقيفيَّة بامتياز، كُتِبَت بلغةٍ فصيحة جميلة جزلة، وبأسلوب أدبيٍّ منمَّق وتراكيب سلسلة وعبارات بسيطة مستقاة من قاموس الطفل اللغوي، وأهمُّ ما يُمَيِّزُها أنها غير مُمِلّةٍ وغير متعبة لقارئِهَا لاحتوائها على عنصر التشويق الذي يدفع إلى متابعة القراءة والاستمتاع بها، كان النص خالياً من التعقيد، بعيدا عن التكلُّف.
الخصائص الفنية: احتوى هذا العمل على بعض الرُّسومات الفنية التي جسدت الأحداثَ لتجعل منها مشاهد حيَّة أمام أعين الأطفال، تجذب حواسهم وتدمجهم معها، تثير خيالهم وتربط أفكارهم، أما حجم الخط فكان مناسبا بما يكفي لتحقيق الوضوح والمتعة للقارئ.
البعد التربوي: قُدرات الأطفال لا حدود لها وإشراكهم أساسيٌ لبناء المستقبل، وهذا لا يتم إلا بتثقيفهم وتزويدهم بالمعرفة وإثراء ذاكرتهم الثقافية، لذا فهذه القصَّة تستحقُّ أن توضعَ في المكتبات نظرًا لقيمتها الأدبيَّة والتثقيفيَّة، ونجاحها من الناحية الفنيَّة والذوقيَّة. أما مضمونها فقد جاء بشكل تلقائيٍّ عفويّ، ليعبّر عن مَقْاصِد ودَلاَلَات تربوية هادفة بَنّاءة، تغرس القيم والسلوكيات الإيجابية في نفوس الصغار، وتساعدهم على اكتساب اللغة ومهارات القراءة.
أخيرا.. فالكتابة للصغار تتطلب موهبة خاصة ومقدرة للوصول إلى عالمهم، وتوفير المعلومة وتبسيطها لهم بشكل فني بسيط، يبهجهم ويساعد على تطويرهم، وكل ذلك مما سبق وأكثر يًتَوَفر لدى الكاتب سهيل كيوان، الذي طرق هذا الباب الإنساني، واستنفر ثقافته ولغته لخلق نص جميل تفرَّد به، فكل التحية ومزيدا من العطاء والإبداع نتمناه له دوما.