ندوتيْن حول الهويّة والثّقافة في كفر ياسيف وشفاعمرو
تاريخ النشر: 24/10/21 | 13:40في ندوتيْن حول الهويّة والثّقافة في كفر ياسيف وشفاعمرو:
مؤسّسة محمود درويش للإبداع وبالتّعاون مع مؤسّسة الأفق تستضيف عاطف أبو سيف ومحمّد بركة
من مصدر خاصّ: أقامت مؤسّسة محمود درويش للإبداع في كفر ياسيف وبالمشاركة مع مؤسّسة الأفق للثّقافة والمسرح يوم الخميس الفائت والموافق لِ 21/10/2021 ويوم الجمعة الّذي يليه، أقامتا ندوتيْن وطنيّتين وسياسيّتيْن منفصلتيْن حول جدليّة العلاقة بين الثّقافة والهويّة الوطنيّة والواقع الرّاهن وما يفرضه من تحدّيات كبيرة أمام الشّعب الفلسطينيّ عامّة، وبخاصّة الجزء الّذي بقي متشبّثًا بأرضه بعد النّكبة وظلّ يرزح تحت الحكم الصّهيونيّ العنصريّ. وقد أقيمت النّدوتان برعاية مجلس كفر ياسيف المحلّيّ ومؤسّسة “سوليداريس” البلجيكيّة الدّاعمة لنشاطات مؤسّسة محمود درويش الثّقافيّة.
في النّدوة الأولى في مقرّ المؤسّسة في كفر ياسيف افتتح الكاتب عصام خوري مدير المؤسّسة مستهلًّا بالتّرحيب بضيفيْ الأمسية: السّيّد د. عاطف أبو سيف وزير الثّقافة الفلسطينية ومرافقه وكيل وزارة الثّقافة السّيّد جاد الغزّاوي والسّيّد محمّد بركة رئيس لجنة المتابعة العربيّة العليا، وشكر الحضور الّذي جاء من كفر ياسيف والقرى والمدن المجاورة، ومن ثمّ تطرّق إلى أهمّيّة تناول موضوع الثّقافة والهويّة الوطنيّة بالارتباط مع النّضال الفلسطينيّ على الهويّة ضدّ محاولي طمسها وتغييبها من السّياسات الإسرائيليّة العنصريّة الممعنة بالاحتلال والاستيطان وتغيير المعالم وصورة المكان، فالثّقافة مرتبطة بقضايا الأمّة المصيريّة، وثقافتنا الفلسطينيّة تفاعلت مع القضايا العربيّة والإنسانيّة عامّة، فعندما سقطت الجيوش في النّكسة 1967 لم يبقَ شامخًا وصامدًا في مهبّ رياح الهزيمة إلّا ثقافتنا الفلسطينيّة وأدبنا الفلسطينيّ المقاتل. وبدوره رحّب رئيس المجلس المحلّيّ في كفر ياسيف بضيوف القرية والمؤسّسة وبالحضور وتناول الموضوع المطروح وأهمّيّته في هذه الظّروف السّياسيّة العصيبة الّتي تمرّ بها القضيّة الفلسطينيّة كقضيّة صراع وطنيّ وسياسيّ ووجوديّ لإبراز الهويّة الفلسطينيّة العربيّة.
أمّا في النّدوة الثّانية الّتي انعقدت يوم الجمعة في مقرّ مسرح الأفق، وأمام جمهور لافت ونوعيّ افتتح الفنّان المسرحيّ عفيف شليوط مدير مؤسّسة الأفق بكلمة ترحيبيّة بالحضور والضّيوف: د. أبو سيف وبركة والغزّاوي، ونوّه بأهمّيّة هذه النّدوات التّثقيفيّة حول ترسيخ الهويّة وتعزيز الانتماء الوطنيّ، خاصّة أمام ظاهرة العنف المستشري وانتشار السّلاح والقتل الإجراميّ الّذي تحوّل إلى سلوك يوميّ خطير. وقد أنهى كلمته بدعوة السّيّد كايد عبّود رئيس مؤسّسة الأفق للفنون فألقى السّيّد عبّود بعد ترحيبه بضيوف المؤسّسة وحضورها كلمة جامعة حول أوضاع الجماهير العربيّة والمهامّ المنوطة بالجمعيّات والمؤسّسات والهيئات التّمثيليّة والسّلطات البلديّة والمحلّيّة كي تصون هذه الجماهير وتغيّر أوضاعها عن طريق الكفاح والثّقافة والفنّ كسلاحيْن هامّيْن في المعركة على الوجود والانتماء والهويّة كي تنقل هذا المجتمع من ظروف راهنة وخطيرة إلى غد مشرق عزيز.
وفي مداخلته في النّدوتيْن تناول محمّد بركة بأسلوب التّحليل العلميّ وبالاعتماد على الحالة الواقعيّة الّتي يعيشها المجتمع العربيّ في إسرائيل، تحت شبح العنف والإجرام والسّياسات السّلطويّة عامّة من تمييز عنصريّ ومصادرة أرض وهدم بيوت وحرمان واعتقال وقتل، وصف بركة ظاهرة العنف والجريمة بأنّها مأساة مجتمعيّة مرعبة، وعدّد أنواع الهويّات: الرّجعيّة والتّقدّميّة والثقافيّة الرّاسخة والسّطحيّة، مبيّنًا من بين هذه الأنواع أنّ الهويّة ليست مجرّد فكرة بل هي فكرة قابلة للتّجسيد العمليّ في الواقع المعيش وبالظّروف المحيقة، ولذلك تعتبر المعركة على الهويّة الفلسطينيّة معركة وجود بالنّسبة للكفاح القوميّ الفلسطينيّ، وأضاف بركة رغم تعدّد الهويّات وتداخلها في الوجود الفرديّ أو الجماعيّ فإنّ الهويّة الأكثر رسوخًا في الذّات الفرديّة أو الذات الجمعيّة هي الهويّة المهدّدة بالتّغييب والزّوال، والهويّة بالتّأكيد متحركة صعودًا وهبوطًا، أفقيًّا وعموديًّا في الوجود المجتمعيّ المحكوم بحركة التّاريخ. ولذلك يأتي تعريف هويّتنا الوطنيّة متّصلًا بشكل عضويّ بالتّحدّيات الّتي تواجهنا وبالأخطار المحدقة سياسيًا واجتماعيًّا وبخياراتنا للدّفاع عن هويّتنا ووجودنا وإمكانيّات تطوّرنا وبإراداتنا وأساليبنا وأسلحتنا، وتشكّل الثّقافة في هذا المجال سلاحًا قويًّا وهامًّا لتثبيت الذّاكرة والرّواية الصّادقة أمام الرّواية الصّهيونيّة المزيّفة، الّتي ترمي بممارساتها العنصريّة إلى إخراجنا من الحيّز الجغرافيّ والحيّز التّاريخيّ، ولهذا نحن اليوم بمسيس الحاجة إلى الحفاظ على أرضنا لنضمن امتدادنا الأفقيّ على ترابنا المهدّد يوميًّا، ونحن بحاجة إلى تعزيز انتمائنا الجماعيّ والوطنيّ لصدّ العنف والعيش بأمن وسلام، والثّقافة الوطنيّة والإنسانيّة التّقدميّة هي الدّرع الواقي والأمل السّاطع، كما حدث بعد هزيمة الجيوش العربيّة والأنظمة في حزيران 1967، لم يبقَ في الميدان صامدًا إلّا صوت محمود درويش وسميح القاسم ومعين بسيسو وتوفيق زيّاد وفدوى طوقان وأدب غسّان كنفاني ومحمّد نفّاع وسميرة عزّام، صوت أدب المقاومة، ولولا هذا الأدب لكانت الهويّة على حافّة الاندثار.
وفي مداخلة الوزير د. عاطف أبو سيف والّتي جاءت على شكل حوار في شفاعمرو، فقد حاوره الفنّان شليوط حول عدّة محاور تمسّ الموضوع المطروح، وأهمّها ارتباط المكان بالهويّة وتأثيره عليها، خاصّة أن الفلسطينيّين منتشرون على كثير من أماكن التّواجد، وحول أهمّيّة الثّقافة والكتابة عندما تتحوّل إلى فعل نضال وعن مرحلة التّحدّيات الأدبيّة وتنوّع الأدب المباشر وغير المباشر في ظلّ تهديد هويّتنا ولغتنا وأدبنا، وقد طرح شليوط أيضًا موضوع ترجمة الأدب الفلسطينيّ إلى اللّغات الأخرى كرسالة تحمل عدالة قضيّتنا الوطنيّة وصورة هويّتنا الرّاسخة، وفي خضمّ النّقاش شارك الفنّان نصر علي والكاتبة دعاء زعبي خطيب من النّاصرة والنّاشط مصطفى نفّاع من شفاعمرو بطرح أسئلة ومداخلات قصيرة أغنت الحوار.
وفي ردوده قدّم الوزير الكثير من التّفاصيل حول ظروف معيشة الفلسطينيّ في المكان مخيّمًا وقرية ومدينة، مركّزًا على حياة المخيّم، ومدى تأثير المكان على الهويّة، وقد استشهد بقصّة اللّاجئ الشّفاعمريّ زيد أبو العلا كرمز لتعدّد المكان في حياة الفلسطينيّ، وكذلك استذكر من ذكرياته مع حكايات جدّته حول الوطن الحلم، والأمل بالعودة إلى الفردوس الفلسطينيّ في حيفا المفقودة والحلم والآمال المنشودة، الّتي حمّلت الوزير كواحد ممّن نموا في المخيّم مخزونًا معرفيًّا وقصصيًّا كبيرًا، فالمخيّم مصدر الحكايات وتنوّعها على تنوّع سكّانه اللّاجئين من حوالي سبعين قرية ومدينة، ولعلّ أحد الرّدود الّت حظيت باهتمام الحضور كان حول مصائر الجماعات الفلسطينيّة وهل بالإمكان أن تستطيع هذه الجماعات الحفاظ على هويّتها كشعب واحد رغم صعوبة الظّروف وكثرة التّحدّيات، وإلى متى يمكننا أن نلغي هويّاتنا المتنوّعة بتنوّع المكان ونحفظ تماسكنا وتمسّكنا بالهويّة الوطنيّة الفلسطينيّة الواحدة!
وقد أشار د. أبو سيف إلى ضرورة حماية ثقافتنا وأدبنا أمام الإعلام الصّهيونيّ القويّ، واقعنا صعب ولكن لا يمكن الهروب منه، ولذلك علينا أن نسعى بكثير من الوسائل للوصول إلى هدفنا الأسمى، وهو البقاء والصّمود والتّطوّر والوصول بأدبنا إلى العالم بطرق شتّى عدّدها الوزير، من أهمّها التّرجمة وضرورة إقامة مؤسّسة وطنيّة للتّرجمة، وضرورة رفع مستوى تشبيك ثقافتنا وأدبنا بالآداب العالميّة، وأشار إلى مدى اهتمام الوزارة بدعم المبدعين وبخاصّة الأسرى منهم، وكذلك قال أنّه بالرّغم من وجود 18 جامعة فلسطينيّة إلّا أنه لا يوجد حتّى الآن مساقات تدرّس الأدب الفلسطينيّ القديم، وتكلّم عن ضرورة رفع الميزانيّات كي تستطيع أن تتحوّل وزارة الثّقافة إلى مؤسّسة مؤثّرة وتقود مسيرة النّظم الثّقافيّة الفلسطينيّة كسلاح ضروريّ بيد الشّعب الفلسطينيّ في مسيرة كفاحه الوطنيّ من أجل صيانة الهويّة أمام التّهديد الصّهيونيّ بتغييبها، ومن أجل الحرّيّة والاستقلال القوميّ والدّولة الوطنيّة والحياة الكريمة.