ذكرى وفاة مالك بن نبي و الفاتح من نوفمبر ج 1
تاريخ النشر: 31/10/21 | 18:04” لا يكف ان تقدم فكرة …بل عليك ان تجثوا على ركبتك تستجدي من يقبلها ”
مذكرات مالك بن نبي 05/04/1959
في الواحد والثلاثين من شهر اكتوبر عام الف وتسعمئة وثلاثة وسبعين 31-10-1973 توفي الأستاذ مالك بن نبي ( 1905/1973) (1) غريبا بعد ان عاش غريبا فطوبى للغرباء رحمه الله برحمته الواسعة , الرجل لم تكن حياته سهلة أبدا فقد ذاق كل أنواع التهميش والقهر ويستحيل أن يفهمه من كانت حياته طبيعية ( في القطن ) بل قد يتهمونه حتما بالوسوسة والجنون والتوهم ؟
في 16-07-1971م واثر مغادرته طرابلس لبنان كتب في دفاتره ” المذكرات ” انه بعد ان امضى ايام في بيت المحامي عمر مسقاوي سلمه وصية متابعة ورعاية استمرارية الكتب بعد الوفاة, ماعدا ما ينشر بالفرنسية في الجزائر او فرنسا لتمكين الورثة الإشراف المباشر على العملية , وقد كان السيدين رشيد بن عيسى حفظه الله و حمودة عبد الوهاب على اطلاع بها وتم إرسال نبأ الوفاة مرفقا بالشهادة وتقرير زوجه الكريمة رحمها الله. لم يكن الامر سهلا كما يذكر المحامي اللبناني الوفي فقد تعمد ذكر تمويل الزميل المغربي عبد السلام الهراس لأول كتاب بالعربية يطبع لمالك ” شروط النهضة ” ثم الاقتداء به ودفع المبلغ من جيبه أولا ثم عرضه على دار الفكر لبنان لتوزيعه , وصادف وجود عدنان سالم والدكتور مازن مبارك هناك وبعد طرح فكرة المؤسسة والتمويل اقترح الأخير تمويل المشروع على الأقل من 100 شخصية محبة لفكر مالك وبدأ بنفسه لكن ذلك تعذر وتعذر معه التعامل مع دار الشروق فكانت الوجهة دار الفكر في دمشق وهو ماتم فعلا وانهى مهمته النبيل نحو الرجل . تعمدت ذكر هذه التفاصيل للاشارة ان بن نبي كان صعبا حيا وميتا ؟ كان عالميا , ما كان اسلامنيا ولا علمانيا ولكن كان حنيفا مسلما , خبير صراع بالفكر الاستدماري , صارع وجاهد على كل المستويات القابلية للاستعمار والاستعمار والاصلاح الديني والوطنية الضيقة وفكر الزعيم والدكتاتور …خسر بذلك طبعا كثيرين , كان يذكر ” سلوك” اشخاص باعجاب وقد يعود فينتقد ” نفس ” الشخص اذا سلك سلوكا مشينا من براثن القابلية او وثن الزعامة , وهذه النقطة بالذات جعلت كثيرين يظنون ان مالكا ينتقد من اجل النقد وان تجريح الإقران لا يؤخذ بعين الاعتبار كما في علم الرجال ؟ لكن المدقق سيقف مثلا على انه كان يرى في الحركة الاصلاحية ممثلة في الشيخ السلفي عبد الحميد بن باديس ملاذا آمنا لتغير ما بالأنفس بل ومجابهة الاستعمار واذنابه والقابلية لكنه يعود وينتقد نفس الشخص لانه سلم مشعل لغير أهله من أهل السياسة المؤدلجة ” البوليتيك “. خصوصا 1936 وعاد فانتقده بشدة حبا فيه ورغبة في اصلاح الاصلاح من براثن الادلجة , وهو ما فهمه الشيخ بن باديسه حيث غير الفندق الذي انتقد مالك اختياره وتقرب من ” الاهالي ” بالحي اللاتيني ثم تبين لاحقا سوء التقدير باغتيال المفتي المفتعل ونسبة ذلك للجمعية وغدر ” السياسين ” واتهام الجمعية بالارهاب بعد ان وثقت هي بهم ؟ وكان عباس معهم وبعدهم , ثم انه لم يكن في توافق مطلق مع اهل السياسة ” فقد يباع المشروع ” في أي وقت ؟ فتجده ينتقد رموز الحركة الوطنية ليس لأشخاصهم وذواتهم بل للممارسات والسلوكيات ” غير الحضارية ” القاتلة والمسيئة لهم ولوطنهم وأمتهم.
لم يكن مالك اذن ذلك المنظر وراء المكتب الفاخر بل كان الفقير ولد الميدان المحس بكل وجع المهمشين والمعبر عن عمق الجزائري المغترب المستعمر والمنبوذ واليتيم والثوري والمثقف والكاتب الذي جابه كل الصعاب وتغلب على كثير العقبات , ولهذا يصعب فعلا تقديم ملخص عنه وعن مواقفه وكتبه ؟ كان ذو انتاج غزير متعدد ودقيق جدا يكتب بعمق ومن الواقع يستجدي بالتاريخ ويوظفه حتى تحسبه مؤرخ ( لاحظ مثلا انه لم يسبقه احد في تحديد موقعة صفين ؟ وانسان ما بعد الموحدين ) . يشكل الأفكار ويخلق لها منحنى بياني إحصائي حتى تحسبه عالم رياضيات وإحصاء فضلا عن الاقتصاد والاجتماع مع القراءة المتعددة وخصوصا للفكر الألماني ؟ وكل مستجد ” مستحدث ” , ومع ذلك هو لا يدع الإلمام بكل ذلك ,ولا يجب أيضا على القارئ ان يضعه فوق منزلته ” من التخصص ” . كان همه الحضارة والنهضة واني لأعجب لمن يذكر الحضارة ولا يذكر مالكا ؟ حتى عناوين كتبه كانت على نفس المنهج وتم اختيارها بدقة 🙁 السنة والكتاب : 1947 الظاهرة القرانية . 1948 رواية لبيك. 1949 شروط النهضة . 1954 وجهة العالم الاسلامي . 1948-1955 ( 60 مقال في الجمهورية الجزائرية ) 1952-1954 ( 15 مقال في الشباب الجزائري ). 1956 النزعة الافرواسوية . 1957 ( رسالة النجدة للجزائر ). 1959 مشكلة الثقافة . 1960 الصراع الفكري . ( دراسة فكرة كومنولث اسلامي ). ( محاضرات خطاب حول البناء الجديد ) . 1961 في مهب المعركة ( جمع مقالات 1953-1954) . ( محاضرة تاملات في العالم العربي ). 1962 ميلاد مجتمع . 1965 مذكرات شاهد القرن . 1967 ( الاسلام والديمقراطية ) . 1968 ( انتاج المستشرقين ) . 1970 بين الرشاد والتيه ( جمع مقالات 1964-1968). 1971 مشكلة الافكار . 1972 المسلم في عالم الاقتصاد ..)
كان لكل كتاب من كتبه قصة عميقة فارهاصات رواية ” لبيك ” حج الفقراء 1947 كانت وهو يستمع لامه وهي تحكي روحانية مكة والمدينة بعد حجها والوالد ( السنة الدراسية 1931-1932) وكان يتظاهر بالعطش ليخرج للشرفة ويعطي العنان لدموعه . وكانت اول محاضرة له بنادي الطلبة المغاربة شهرديسمبر1931 تحت عنوان : ” لماذا نحن مسلمون ؟” والتي بسببها تم الضغط عليه بتغير منصب عمل والده في الجزائر والذي اخبره عبر رسالة ان كان لماسينيون امكانية منع هذا النقل المضر به ؟ , خلال تلك الفترة بالذات يظهر نجم صاعد ورقم حساس هو الحاج مصالي (أب الوطنية بحزب ثوري وشعب جاهز لاحتضان الثورة وطليعة مسلحة لإطلاق الشرارة الأولى) الذي اعاد تجديد حزب ” نجم شمال إفريقيا ” الذي انعدم تأثيره بعد ذهاب المؤسس الفاعل الأمير خالد وكان لمالك في هذا اللقاء مسرحية ” المدير ” ثم يكتشف الظاهرة الصوتية لوثنية الزعيم وحب الظهور وتبلورت عنده بكل يقين فكرة التحولات من الفكر السياسي الحضاري الى ما سماه البوليتيك , ” في الحي اللاتيني بدأت الأفكار الوحدوية وبدأت الموسيقى الوطنية تعزف على النوطة القومية التي يجيد مصالي الحاج العزف عليها بالة جمعية نجم شمال افريقيا” ؟ وحتى في الجزائر تجسدت في وحدة المترشحين فرحات عباس والدكتور بومالي , وتجلت صورة القومية الجزائرية بجناحيها – الطامح الى البرجوازية المتواطئة مع الحركة اليسارية الفرنسية , والجناح البرجوازي المتواطئ مع الاستعمار . وهكذا بقي الإصلاح الباديسي يشق طريقه دون ان يشعر انه سيقدم استقالته المعنوية ذات يوم للجناح القومي البرجوازي . وان سيأتي يوم على الناس ينفي فيه قوة تاثير حركة الاصلاح للشيخ بن باديس ؟
رحم الله مالك وصحبه .
في الجزء الثاني باذن الله سينتطرق الى ذكرى اخرى عزيزة على القلب انها الفاتح من نوفمبر 1954. فالي لقاء
عزوق موسى محمد