في ذكرى وفاته السادسة: محمود دسوقي شاعر العروبة
تاريخ النشر: 01/11/21 | 12:31بقلم: شاكر فريد حسن
صادفت قبل أيام، وتحديدًا في الثامن والعشرين من شهر تشرين اوّل، الذكرى السادسة لوفاة الشاعر الفلسطيني محمود مصطفى دسوقي، ابن طيبة بني صهب، أحد أبرز شعراء المقاومة والأدب الإنساني، الذي كرس خطابه الشعري والأدبي دفاعًا عن قضية شعبه الوطنية وحقه المشروع بالتحرر والاستقلال الوطني، حيث كان منحازًا لقضايا أمته وشعبه الفلسطيني من خلال أعماله الشعرية الناجزة، التي تجسد الهم الوطني الفلسطيني، وتصور حياة ومعاناة وأوجاع شعبه الفلسطيني، وتتجاوب مع هبات وانتفاضات شعبنا ووصف أحداثها، والتغني بانتفاضة الحجر.
محمود دسوقي من مواليد طيبة بني صعب العام 1934، أنهى دراسته الابتدائية فيها، ثم تعلم الثانوية بالمدرسة البلدية في الناصرة وتخرج منها سنة 1955، بعد ذلك التحق بمعهد الصحافة ونال شهادة الإعلام، ثم التحق بجامعة تل أبيب وأنهى تعليمه بموضوع الاقتصاد وحصل على شهادة البكالوريوس العام 1970 ودبلوم المحاسبة سنة 1971.
عانى دسوقي الملاحقات السلطوية بسبب مواقفه الوطنية والسياسية واشعاره القومية والعروبية والناصرية، وفرضت عليه الإقامة الجبرية، وغمد في غياهب السجون والمعتقلات الإسرائيلية مرارًا.
كتب دسوقي الشعر وهو على مقاعد الدراسة الثانوية، وصدر له ديوان شعر مطبوع مع عدد من الطلاب الشعراء في ثانوية الناصرة، وفي العام 1957 أصدر ديوانه “السجن الكبير”، وفي العام 1959 ديوان “مع الأحرار”، ثم أصدر ديوان “موكب الأحرار”، الذي تم مصادرته ومنع نشره. وصدر لدسوقي كذلك “ذكريات ونار، المجزرة الرهيبة صبرا وشاتيلا، جسر العودة، طير أبابيل، صوت الانتفاضة، زغاريد الحجارة، الركب العائد، الرسام العاشق”.
وبعد وفاة دسوقي صدرت أعماله الشعرية الكاملة عن مجمع القاسمي، وبتمويل من بلدية الطيبة وعائلة الشاعر، بحلة قشيبة وطباعة أنيقة، وأشرف على تحقيقها وتدقيقها ثلاثة من أصدقائه وهم الأستاذة: عبد الرحيم الشيخ يوسف وأحمد عازم وخالد بلعوم”.
قصائد دسوقي واشعاره تنبثق من صميم الواقع، وتعبر عن الجرح الفلسطيني النازف، وعن كفاح الشعب والجماهير لأجل وطن حر وحياة كريمة، وتبرز فيها الروح الوطنية والقومية والإحساس الوطني الصادق، وفيها تجسيد لفلسطين وأيامها الوطنية الخالدة، خصوصًا يوم الأرض والانتفاضة الشعبية الفلسطينية، وكثيرًا ما هتف وتغنى بزهرة المدائن، القدس، ورثى الزعيم المصري القومي الخالد الراحل جمال عبد الناصر، قائلًا:
يا مصر هل صدق النّعاة؟ ألا أخبري هل مات؟ لا ما مات عبدُ الناصرِ
وعندما استشهد صديقه الشاعر راشد حسين، وقف مؤبنًا له مستهلُا قصيدته بقوله:
أيا صاحبي … ما أتيت لأبكي
فكم من شهيد فداء الوطن
وكم من شهيد هنا في التراب
وكم من شهيد يموت غريبا
بعيدا عن الدار ….
لكن درب الكفاح طويل طويل
سيسقط ركب الضحايا
فداء الوطن
ومع طلوع فجر الانتفاضة الباسلة في الوطن المحتل، كان طبيعيًا أن تأخذ القصيدة في معايشة هذا الفعل الثوري، وتتداخل مع كل امتداداته ومعانيه، وكان دسوقي واحدًا من شعرائنا الذي عاشوا الانتفاضة وعايشوها، فغنى لأطفال الحجر، وحيا شهدائها، وصدر له ديوان شعر بعنوان “زغاريد الانتفاضة” ضم قصائده الانتفاضية، ومما قاله:
يا أخت في الأمال أن ثورة ثوري على المحتل لا تترددي
بل أنت حصن للثقافة شامخ يبني لنا جيل التحرر في الغد
روّي الثرى يا أخت من شهدائنا أمّ الشهيد تصبّري وتجلّدي
مهما استبدّ الظالمون وجيشهم فالفجر آت بعد ليل مرعد
مهما ادلهمّ الخطب فوق شعابنا إنّا مع الفجر المنير بموعد
إن لم نثر من ذا يعيد لنا الحمى ثوري على حكم الطغاة تمرّدي
اعتمد دسوقي في بداياته الشعر التقليدي الخطابي الحماسي، والشعر العمودي وسيلة للتعبير عن أشجانه وعواطفه ومشاعره الوطنية، واتصفت أشعاره بالوضوح حد المباشرة، ثم كتب الشعر الحر المعتمد على التفعيلة لكنه بفي امينًا لمباشرته التي عرف بها وميزت شعره.
محمود دسوقي شاعر قومي وعروبي وناصري تتجلى الروح الثورية الملتزمة في أشعاره كلها، وبشكل واضح، وتشيع فيها روح التمرد والإباء، ولم تفته أي مناسبة وطنية أو قومية دون أن يكون لها نصيب في شعره، فهو مسكون بقضايا شعبه، وهمومه هي التي حركت وجدانه وإحساسه، ما جعل أشعاره كمعظم شعراء الأرض المحتلة، سجلًا للأحداث، وترجمة صادقة لمشاعر الشعب والناس البسطاء. وهو شاعر بسيط في كل شيء، بلغته وأسلوبه، عزير في عطائه، مخلص في أدائه وانتمائه، وجاءت أشعاره في دلالاتها، عميقًا في أصالته، صادقًا في التعبير عن عذابات وجراحات وأوجاع وهموم شعبه وأمته، وقصائده معبأة ومشحونة بإحساس التمرد والغضب والثورة، وهذا هو الالتزام بمعناه الذي ينسجم مع فكره وتوجهه اليساري ورؤيته الطبقية.