“في حيّنا مقامر”
تاريخ النشر: 01/11/21 | 12:58 انتقل حسين إلى مكتبه الجديد في عمارة مكاتب وسط البلدة، وفجأة بدأ يشعر باكتظاظ الحي بالسيارات في ساعات الصباح الباكر، رغم أنّ المكاتب والمصالح مغلقة، مركونة بصورة عشوائيّة فوضويّة، منها على رصيف المشاة، ومنها وسط إحدى مسارات الشارع معرقلة حركة السير.
وكذلك الأمر بالنسبة لرجال يتطاير الشرر من أعينهم، بعضهم مستلقي على الرصيف سارحًا، وبعضهم يفترش الأرض شاردًا ثملًا، ممّا زاد حبّ الاستطلاع عند حسين، وقرّر دخول تلك الشقّة التي تشهد حركة غير اعتياديّة في الطابق السفلي للعمارة، وحين دخلها تسمّر في مكانه؛ دخان السجائر يعبق في فضائها وكؤوس الويسكي هنا وهناك، تبيّن له لدهشته أنّها كازينو غير مرخّص، في إحدى الغرف شاهدهم يلعبون البوكر، الديلر يتمختر بينهم ملبيًّا طلباتهم واحتياجاتهم والهدوء سيّد الموقف حتّى صاح أحدهم “رويال فلاش” (خمسة أوراق متتالية من نفس العلامة) ليحصد الغلّة كاملة ويترك الباقين باهتين.
وفي الغرفة المجاورة عالم آخر، هرج ومرج وطاولة الروليت تتوسّطها، صاحب الكازينو الآمر الناهي، مساعدوه على أهبّة الاستعداد، وما إن يلفّ الديلر العجلة في اتجاه والكرة في الاتجاه الآخر، في مجال مائل حول نطاق العجلة لتهرول الكرة ومعها تهتزّ دقّات قلوب اللاعبين مع إيقاع عجلة الروليت وأرقامها، فمنهم من قامر على رقم وآخر على عدّة أرقام متتالية، منهم من اختار العدد الفردي أو الزوجي، ومنهم من اختار اللون الأحمر أو الأسود. يربح أحدهم مرّة ويخسر مرارًا وتكرارًا، يفرح للحظة ويعبس لحظات، وفي كلّ الحالات الطاولة هي الرابحة واللاعب هو الخاسر.
منهم من فقد قطعة أرض ورثها عن أبائه وأجداده، أو بيته الذي بناه بعرق جبينه، وآخر خسر سيارته أو ورشته أو ميراثه أو.. زوجته.
حسن عبادي
(نُشرت القصّة في العدد الثالث، السنة السابعة، أيلول 2021، مجلّة شذى الكرمل، الاتّحاد العام للأدباء الفلسطينيّين – الكرمل 48)