أين الأصدقاء الأوفياء؟!
تاريخ النشر: 09/11/21 | 10:51د. مجمود ابو فنة
ورد في كتاب “النبيّ” لجبران خليل جبران:
((صديقُك هو كفايةُ حاجاتِك، فهو حقلُك الذي تزرعُه بالمحبّة وتحصدُه بالشكر، هو مائدتُك وموقدُك، لأنّك تأتي إليه جائعًا، وتسعى وراءه مستدفئًا…))
فجبران بعبقريّته وشاعريّته يُعلي من مكانة الصديق وما يقدّمه لصديقه باستعمال الصور البيانيّة البليغة: فالصديق يشبه الحقل الذي نزرعه بمحبّتنا، ونجني منه الثمار بشكرنا وحمدنا، ثمّ يأتي جبران بصور جميلة أخرى: فيشبّه الصديق تارةً بالمائدة التي تحوي أجود أصناف الطعام التي يُقبل عليها صديقه الجائع ليسدّ جوعه، ويشبّهُه تارةً أخرى بالموقد الذي تتوهّج ناره فيأتي صديقه المقرور يستدفئ بنار ذلك الموقد!
بكلمات أخرى: نحن بالمحبّة نكسب الأصدقاء، وبالشكر والحمد نستفيد منهم ونحافظ عليهم، والصديق الوفيّ المخلص مصدر العون والأمان لصديقه في السرّاء والضرّاء!
وأنا من خلال تجاربي ومن ملاحظتي لسلوك الناس، أرى أهميّة وجود الأصدقاء الأوفياء في حياتنا وضرورة التواصل معهم لتحقيق الأنس والمتعة، أو لتخفيف الضغوط والتفريغ، أو لتبادل الخبرات والمعارف، لذلك لا عجب أن يردّد الناس في أمثالهم الشعبيّة:
“الجنّة بلا ناس، ما بتنداس!”.
ولكن في هذه الأيّام ومع ذيوع استخدام وسائط التواصل الاجتماعيّ مثل: الفيس بوك والانستجرام والواتس أب ومع كثرة “الأصدقاء” الافتراضيين في هذه الوسائط الذين قد يتجاوز عددهم الآلاف، أتساءل بحيرة: كم عدد الأصدقاء الحقيقيّين المخلصين الأوفياء الذين ينطبق عليهم ما قاله جبران خليل جبران؟!
أخشى أن أكون متشدّدًا ومتشائمًا في حكمي – خاصّة وأنا في طبعي متفائل – فأقول: عدد الأصدقاء الأوفياء في زماننا قد لا يزيد عن عدد أصابع اليد!
وهذا الوضع – ندرة الأصدقاء الأوفياء – يذكّرني بما قاله الشاعر صفيّ الدين الحليّ (1277م – 1339م) قبل حوالي سبعة قرون:
لَمّا رَأَيتُ بَني الزَمانِ وَما بِهِم – خِلٌّ وَفِيٌّ لِلشَدائِدِ أَصطَفي
أَيقَنتُ أَنَّ المُستَحيلَ ثَلاثَةٌ – الغولُ وَالعَنقاءُ وَالخِلُّ الوَفي
عجيبٌ حال الناس، يبدو أنّهم لم يتغيّروا ولم يختلفوا في أيّامنا عمّا كان الحال قبل سبعة قرون في عصر الشاعر صفيّ الدين الحليّ الذي يرى استحالة وجود ثلاثة أشياء: الغول (الكائن الخرافيّ الوهميّ المخيف) والعنقاء (طائر خرافيّ وهميّ قد يرمز للخلاص) والصديق الوفيّ المخلص!
مع ذلك، رغم إدمان الناس في أيّامنا على استخدام الإنترنت والهاتف الخلويّ، والتهافت على استعمال وسائط التواصل الاجتماعيّة الحديثة، إلّا أنّني أؤمن أن وجود الأصدقاء المخلصين ضرورة لكلّ فردٍ منّا، فلا بديل عن الأصدقاء الحقيقيين، فهذا الفيلسوف فولتير يقرّر: “كلّ أمجاد العالم لا توازي صديقًا صادقًا”. وهناك من قال: “أتعسُ الناسّ من كان بغير صديق، وأتعسُ منه من كان له صديق وخسره”.
معظمنا قد يواجه في حياته الهموم والمشاكل، ويعاني من الضيق والقلق، ونحن نحتاج إلى الصديق المخلص لكي نبوح له بما يعتمل داخلنا من ضغوط نفسيّة، وهذا البوح أو الفضفضة أمام صديق يتّصف بالأمانة والصدق والثقة ويحسن الإصغاء يمنحنا الشعور بالارتياح، ويخفّف من مشاعرنا السلبيّة!
ولنتذكّر: للحصول على الصديق الوفيّ والحفاظ عليه يجب أن نكون نحن أصدقاء أوفياء، نتحلّى بالمحبّة والتسامح وبالبذل والعطاء والإصغاء!
قد يرتكب الصديق الأخطاء والهفوات، فالكمال المطلق لله سبحانه وتعالى، أمّا الإنسان – كلّ إنسان – فلن يبلغ هذا الكمال المطلق، لذلك، وجب علينا التسامح والتغاضي عن هفوات الغير، لأنّ لنا هفواتٍ وعيوبا كذلك.
وما أروع قول الشاعر:
إذا كنتَ في كلِّ الأمور معاتبًا- صديقَك لم تلقَ الذي تعاتبُه
إذا أنتَ لم تشربْ مرارًا على القذى – ظمئتَ وأيُّ الناسِ تصفو مشاربُه؟
ومن ذا الذي تُرضي سجاياه كلُّها – كفى المرء نبلا أن تُعدَّ معايبُه
والله يا استاذ محمود ابو فنه اليوم لا يوجد اصحاب اليوم كل الناس مصالح بتعطي وبتعطي فجاه الغيره خاصه من النساء تعمي قلوبهن ويتحدن على الصاحبه التي كانت خدامه لهن واعطتهن الكثير حتى لا يوجد صاحب من جهتي من تفضفض له اوجاعك انصح كل الناس لا تلجأ الا لله وحده تعالى احكي له مشكلتك فضفض لله عن همومك قل له ان يساعدك ارفع يديك انه لا يرد يديك خاءبتين ابكي قل له مايؤلمك .انا واحده من الناس كان لي صديقات وللاسف كلهن من غيرتهن اتحدن علي وصار مشكله كبيره بيننا حتى في وحده من الصاحبات رفعت رجلها لي امام جميع العاملين وانا لم اقل لها كلمه تؤذيها ماذا فعلت رجعت الي البيت وسجدت الى ربي وبكيت وبكيت وبكيت وشكيتها اليه سبحانه وانا الى الان اشتكيها الى الله هي ومجموعتها وربي اخذ حقي منهن وحسبي الله ونعم الوكيل .
لا فض فوك استاذي الكريم العزيز .كلام جميل جدا .لك الشكر على كل ما تكتب
بارك الله فيك وأطال عمرك لطرحك مواضيع اخذة بالزوال لعلها تعيد الناس الى ايام زمان
رأيت العين تدمع فسألتها يا عين لم البكاء ؟ على صديق فقالت لا . على حبيب فقالت لا فقلت يا عين أجيبيني فالدمع اوشك على الإنتهاء .
فقالت ابكي على زمان قل فيه الأصدقاء الأوفياء واصبح الغدر والغش أساسا للبقاء
تصحيح : قال الشاعر ” … لم تلق الذي لا تعاتبه ” وليس كما كتبت
أشكر جميع المعقّبين الذين تفاعلوا مع نصّي المتواضع،
ولا أنسى الطالبة في الثانويّة التي أشارت إلى حرف “لا”
المحذوف في البيت الأوّل، فالصواب كما ذكرتْ:
إذا كنتَ في كلِّ الأمور معاتبًا- صديقَك لم تلقَ الذي لا تعاتبُه
فلها تحيّتي وتقديري، وأرجو لها كلّ النجاح في دراستها.