متنفَّس عبرَ القضبان (43)
تاريخ النشر: 21/11/21 | 8:12حسن عبادي/ حيفا
بدأت مشواري التواصليّ مع أسرى أحرار يكتبون رغم عتمة السجون في شهر حزيران 2019؛ ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة؛
عقّبت الأسيرة المحرّرة الكاتبة مي وليد الغصين: “جهود مباركة أستاذ في إيصال صوت أسيراتنا صورة الصورة ..استطعت أن أرى صورة تخرّج شذى بإذن الله… التحايل على الوقت هناك مقاومة بحد ذاته الفرج القريب لكل الأسيرات والأسرى.. وإن شاء الله بيرجعوا لمقاعدهم الفارغة في المنزل”.
وعقّبت الصديقة صباح مصطفى من الشتات: “الله يعين هالأسيرات لا سلطة سائله عليهن ولا حدا بس لقاؤك بهم يعطي أمل الحرية لكل أسرانا والله يعطيك ألف عافية أستاذ حسن”.
“مشتاقة للبيت”
على هامش التحضيرات للمؤتمر السابع للتحالف الأوروبي لمناصرة أسرى فلسطين (مدينة مالمو/ السويد 11-12/12/2021)، التقيت صباح الاثنين 15.11.2021 في سجن الدامون في أعالي الكرمل الأشم بالأسيرة شذى زياد الطويل التي أطلّت مبتسمة رغم الكمّامة وأنف السجّانة العبوس التي ترافقها.
أوصلتها سلامات الوالد وقلقه على وضعها ورفيقاتها، وسلامات أنهار، وحدّثتني عن الوضع في السجن بعد انتهاء العقوبات الجماعيّة وإعادة فتح الأبواب.
تشتاق للبيت ودار سيدها ولمّة العيلة، والعودة إلى مقاعد الدراسة الجامعيّة، بعيدًا عن النجوميّة، لتنهي الفصلين الدراسيّين، فبدأت بمراجعة المواد الدراسيّة لتكون جاهزة، وما زالت تحلم بصورة الفوج مع الزملاء.
حدّثتني بلهفة عن الكانتينا وكيف وقفت ببابها لتشتري الطلبيّة والأغراض للغرفة، وحلم زميلة لها بفتح بوّابة السجن لتصير “سيّدة المفتاح” بعد فقدانها القدرة على التحكّم بالمفتاح طيلة مدّة الأسر.
تتحدّث بعفويّة عن العودة للحياة العاديّة الطبيعيّة بعد انقشاع الغيمة ومرور المحنة المؤقّتة، تجربة لم تحبط عزيمتها بل زادتها تمسّكًا بالحياة، لتعيشها بطولها وعرضها.
تغلّبت على السجن وروتينه القاتل لتملأ وقتها حسبما تريد، لتستغني عن الرزنامة، وبرمجت التاريخ على ساعتها لتعلمها بمضيّ خمسة أيّام أخرى، فالوقت يمر سريعًا بالخمسات!
الابتسامة والتفاؤل والأمل تلازمها محلّقة في فضاء اللقاء. من أين لك كلّ هذا؟
“مفكّرينك زومبي”
بعد لقائي بشذى أطلّت الأسيرة رحمة نايف الأسد بابتسامة طفوليّة منتفضة رغم الكمّامة التي تلازمها.
أوصلتها سلامات أنهار، لها ولزميلاتها في الأسر، وحدّثتني عن حياة الأسر (مواليد 29.11.1998) قُبيل بداية تعليمها العالي، رياضة وقراءة وتعلّم الإسبانيّة، مبتسمة تارةً وضاحكةً تارة أخرى، تلتقي بغريبٍ للمرّة الأولى منذ الاعتقال يوم 17.12.2017، ولم تحظَ بلقاء محامٍ منذ دخولها السجن (حسب قولها) وعادت لتؤّكد الأمر ثانيةً وثالثة، لترافقها الحسرة والدمعة.
حدّثتني عن أهلها في قرية اللقية والحياة في النقب، وكتابة الشعر؛ تحلم بديوان شعر يحمل اسمها، تنظم الشعر العمودي، بعيدًا عن الشعر النثري الحديث، لم تتعلم بحور الشعر وتنظمه سماعيًّا على السليقة.
كانت تحلم بالسكن في حيفا وها هي تحقّق حلمها حين تُسجن فيها.
تشعر بالعزلة والوِحدة القاتلة داخل السجن، برفقة قريبتها تسنيم وزميلتهما مي (“ما حدا شايفك، مفكّرينك زومبي!”، هل هي فعلًا منوَّمة ومجرَّدة من الوعي الذاتي؟ أم هي من عالم الموتى الأحياء؟ لتتساءل بحسرة: “ليش؟”
فعلًا – ليش يا رحمة؟
لكما عزيزتيّ شذى ورحمة أحلى التحيّات، الحريّة لكُنّ ولجميع رفاق دربكُنّ الأحرار.
تشرين ثاني 2021