الشاعر عبد الحي اغبارية قلادة على صدر القصيدة العروضية
بقلم : شاكر فريد حسن
الشاعر عبد الحي اغبارية المقيم في قرية جت بالمثلث، هو شاعر عروضي أنيق ورقيق وناعم، يناجي الروح ويعانق القلب بقصائده الدافئة، التي تنبض بالصدق والعفوية وحرارة التجربة، إنه يكتب ويبدع بصمت وهدوء، وبدون ضوضاء وضجيج، ولا يلهث وراء الاضواء وخلف الاعلام.
وهو يساهم بفعالية في المشهد الثقافي والابداعي في البلاد، من خلال الندوات والامسيات الشعرية والأدبية، ولقصائده طعم خاص ونكهة مميزة كرائحة القهوة المهيلة.
صدر له في العام ٢٠١٣ ديوانه ” أموت لأجلها يافا ” وهو قصائد حب وعشق لمدينة البرتقال الحزين وعروس فلسطين الغافية على الساحل، يافا، التي ربطته بها علاقة خاصة كونه درس فترة طويلة في مدارسها.
بينما ديوانه الثاني ” قلائد على السطور ” فصدر العام ٢٠١٦، ويضم بين دفتيه قصائد متنوعة في موضوعاتها واغراضها وإيقاعاتها ودلالاتها، في الطبيعة وحب الوطن والمناسبات الاجتماعية والدينية والقيم والفضائل الانسانية.
عبد الحي اغبارية شاعر يتمتع بقدر كبير من الحس الفني والادبي والشعري، تتناغم الصورة الشعرية في قصائده مع الكثير من المفردات التي تبدو في توهجها رؤى انسانية موغلة في مشاعرها، ومنحازة الى مضامين يغلب على معظمها الطابع الإستلهامي.
إنه شاعر مطبوع وقصائده في عشق يافا معبأة برائحة الجذور وعبق الوطن والتاريخ، حيث تأتي الارض والبحر الزغرودة والصوت الذي لا ينام. لنسمعه يقول في قصيدته ” من لم يعشق يافا لم يعرف فن العشق “:
تيهي دلالاً واسعدي – يا فلذة من كبدي
يا رمز حب سالف – ورمز حب ابدي
يا درة في تاج ملك الشرق – تيهي واسعدي
يا غادة حسناء ترفل – في دمقس ترتدي
يافا سنا اشراقة – بدر بعز المولد
يافا جواد جامح – طوراً يروح ويغتدي
يافا الاصالة والحداثة – والتجدد في الغد
يافا تفيق بصبحها – بتنفس وتنهد
وتبيت عند مسائها – بغروبها المتوقد
وتظل سهرى يقظة – حتى غياب الفرقد
عبد الحي اغبارية يتقن فن الكتابة الابداعية، فهو شاعر مدهش ومذهل، تشبع الاحاسيس والعواطف من دفء كلماته وحروفه وتعابيره وحرارة وعذوبة شعره الذي لا يقاوم.
يقول البروفيسور لطفي منصور في مقدمة ديوانه ” أموت لأجلها يافا “: ” أكثر ما شدني الى هذه القصائد أنها تصدر عن نفس هادئة ثائرة، ذات سجية حية، وطبيعة خلاقة دون صخب واضطراب. فالكلمات منتقاة بدراية ومعرفة، كل كلمة في موضعها الذي خلقت له في السياق الشعري، من الصعب استبدالها بكلمة أخرى، لأنها استكملت المعنى، وأبانت المقصود بكل وضوح وشفافية.
ويضيف: ” والشيء الآخر الذي يميز هذه القصائد أنها منظومة، بدقة متناهية، على بحور الخليل، وقد استغرقت كثيراً منها، وكأني بالشاعر يريد أن يقول: ها هي بحور شعرنا العربي تستطيع أن تستوعب ما شئت من المعاني الجديدة، والتعابير المعاصرة بيسر وسهولة، إذا رزق صاحبها شاعرية أصيلة ولدت معه، تبعده عن الصناعة والتكلف، وشعر الفوضى الرديء. هذه الصناعة اللفظية التي قال فيها أبو العلاء: انها قعقعة تصدر عن رحى “.
قصائد عبد الحي اغبارية قوية السبك، متينة العبارة، سلسة التراكيب، واضحة الدلالات، قريبة المآخذ. أسلوبه رائع وساحر وخلاب فيه الجمال الفني، ولغته رصينة جميلة ومهذبة تشد القارئ، ويلف هذه القصائد جو نفسي برم بالواقع المرير الذي نعيش بين جنباته، فهو الشاعر الرقيق المرهف الاحساس الصادق الذي يفيض بريقاً وألقاً في بستان البيان ورياض العروض الخليلية، التي يتقنها على أصولها، يقول في قصيدته الرائعة الفاتنة ” أموت لأجلها “:
نذرت لعينيها عيناً ترق – وفي الاضلاع خفاقا ً يدق
وجدت بما يجود به شعور – رهيف شفه وجد وعشق
أحن لها وأسكن في حماها – وهل يضني المقيم جوى وشوق ؟
بلادي والتنهد في رباها – وفي أغوارها سر وعمق
وتزخر في جداولها مياه -غذاها من كريم المزن ودق
شموخ جليلها عز وكبر -وبسط مروجها لين ورفق
تحية للشاعر المبدع عبد الحي اغبارية الذي يتحفنا بقصائده المكتوبة بخط يده الأنيق، ولم ينصفه النقد ولا النقاد، مع التمنيات له بالعمر المديد والعطاء الجم، والمزيد من العطاء والابداع ، مع خالص الود والاحترام.