– إستعراض لقصة ” بائع الكعكبان من عكا ” للأطفال – للكاتبة ( شهربان معدِّي ) –
تاريخ النشر: 28/11/21 | 8:32( بقلم : الدكتور حاتم جوعيه – المغار – الجليل )
مقدِّمة : الكاتبةُ والأديبةُ شهربان معدِّي من سكان قرية يركا – الجليل الغربي – قضاء عكا ، تعملُ في سلك التعليم كمُوجِّهة مجموعات ، وهي تكتبُ القصَّة والخواطر الأدبيّة واختصَّت في مجال قصص الاطفال وحققت شهرة وانتشارا واسعا في هذا المضمار .. وقد أدخلوا البعض من قصصها للأطفال في المناهج التدريسيَّة. والجدير بالذكر أنها خظيت باهتمام وتقدير كبير خارج البلاد ، وَكُتِبَتْ عدةُ دراساتٍ نقديَّة قيِّمةعن إصدارات وكتبٍ لها من قبل بعض النقاد والأدباء الكبار في العالم العربي .
سأتناولُ في هذه المقالة قصَّة جديدة لها للأطفال بعنوان: ( بائع الكعكبان من عكا ) .
مدخل: تقعُ هذه القصَّةُ في (24 صفحة من الحجم الكبير) – والجدير بالذكر ان صفحات هذه القصة غيرمرقمَّة، ووضع رسومات القصَّة الفنانة التشكيليّة ( ضحى الخطيب) من سورية . القصة من اصدار مركز ثقافة الطفل – “مؤسسة الاسوار عكا ” ، وهي من الحجم المتوسط ، غلافها سميك مقوى، ورسوماتها خلاّبة تستهوي العين ، وتسترعي اهتمام الكبار والصّغار.. تتحدث القصةُ بأسلوب شائق عن الصدقِ والأمانةِ وعن مدينة عكا العريقة، وعن صناعة حلويات الكعكبان. كُتبت القصة بأسلوب جميل ولغة سلسة ، وفيها الطابع الفكاهي والوصف الدقيق المُحمّل بالمشاعر الصادقة..
تستهلُّ وتفتتحُ الكاتبةُ شهربان هذه القصَّة بشكل تلقائي ومباشر وبأسلوب سردي على لسان بطلة القصّة (الطفلة) التي تتحدَّث ، بدورها، عن شخص طيب القلب ووديع وبسيط اسمه أبو يونس يبيعُ الكعكبانَ ( نوع من الحلوى المعطرة وشبيه بالعنبر ) . وكان هذا الرجل يأتي من عكا إلى القرى المجاورة ومن ضمنها القرية التي تسكنُ فيها كاتبةُ القصة عندما كانت صغيرةً ويبيعُ بضاعته من الكعكبان.
تقول بطلةُ القصة ( الطفلة ) : إن العمَّ (أبو يونس ) بائع الكعكبان من عكا كان دائما يطلُّ علينا مثلَ العيد ( تعبيرا وتشبيها جميلا للفرح والسعادة التي يزرعُها في نفوس الأطفال عندما يأتي ليبيع الكعكبان – مثل قدوم العيد السعيد وأكثر ) . وكان يطربُ الأطفالَ وحتى الكبار بصوتهِ الغرِّيد ، وكأنَّ الحارات كانت تُزغردُ وتتراقصُ معه على رجع صوتهِ العذب فيهرع إليه جميعُ الأطفال لكي يشتروا من هذه الحلوى المميزة ..فكان أبو يونس ينادي على بضاعتهِ 🙁 ” كعكبان ..كعكبان .بكل الأشكال والألوان ..! إنهَرْ عَ أمّك يا ولد..سكّرا مذابا للصغار طاب، يطيب الريق !..تعال يا صديقي ..كعكبان كعكبان بكل الأشكال والألوان ..) – ( صفحة 2 ) . وتعلقُ الكاتبةُ على هذه الجمل والعبارات التي كان يطلقُها أبو يونس : ( أنشودة ما أحلاها وبضاعة ما أشهاها ). وكان البائعُ أبو يوسف يجرُّعربته التي أثبتَ عليها لوحًا خشبيًّا ،عليه ما لذّ وطاب من الكعكبان المُلوَّن ويقدِّمُهُ بيديه المتجعّدتين .. وسحنته سمراء مُتعبة وكأنه يجرُّ معها عمرَهُ كله ( وإنهُ لتشبيهٌ شاعري جميل لهذا الرجل الكادح والنشيط والطيب الذي ينالُ رزقهُ وقوتَ يومه بعرق جبينه وبجهد وتعب ) .
وتتساءلُ الطفلة بعد أن غاب البائعُ عدة أيام ولم يأتِ للقرية لبيع الكعكبان:(
أين ذهبَ هذا البائعُ الطّروب الذي كان يسبقهُ نشيدُهُ ..؟ هل توارى هناك في مدينةِ الاحلام ؟؟ ( وتعني مدينة عكا ).. أم أغرقهُ في السُّوق الزحام ؟ ( وتستعمل هنا أسلوب السَّجع )..وتتابعُ حديثها: أبدا لن انساك يا عمِّي أبي يونس، ولن أنسى طاقيتكَ الكاكي الكبيرة التي كانت تغطي شعرَكَ المُجَعَّدَ كصوف الخروف ، ولن أنسى عشقكَ الكبير لمدينتِكَ ، وعندما كنتَ تتحدثُ عنها فكأنك تتحدثُ مع حبيبتكَ وفتاةِ أحلامِكَ أو عن طفلتِكَ المدللة … يا ذُلَّ عكا من بعدكَ يا بائع الكعكبان . ( ويبدو هنا بوضوح البعدُ الوطني ومحبة الإنسان لبلده ومسقط رأسه . وتستعملُ الكاتبةُ عبارة كانت تُقالُ كثيرا قبل عقود في إحدى القرى..وقد ذهبت مثلا ، وهي عن إنسان شهم وأبيٍّ وكريم ومضياف وكان يقوم بالواجب وإكرام الضيوف الذين يدخلون إلى قريتهِ في المناسبات كالمآتم والأعراس وغيرها ( يا ذل “…..” من بعد فلان ) .
وتتابعُ الكاتبةُ حديثها بأسلوبٍ سرديٍّ جميل ومتسلسل، وتقولُ: أذكرُ عندما كنتَ تزورنا وكيف كنتَ تجلس إلى جانب الحائطِ الحجري المبني من حجر الصوان ( الصوان وليس الباطون دلالة على القدم والعراقة والأصالة والتراث ) ، وكنتَ تقول : ” ظل الحجر ولا ظل الشجر ” وتمسح بمنديل عتيق تعبَ العمر.. ( وتقصد العرق الذي يتصبَّبُ منهُ كأنه تعبُ العمر لأنه طيلة حياته يعمل ويكدح دون هوادة ولا ملل ) . وتقولُ الكاتبةُ : كنا نحن الأطفال الصغار في القرية نلتفُّ حولكَ لتحدِّثنا عن فاتنتِكَ وأسيرةِ قلبكَ مدينة عكا، وعن بحارةٍ أشاوس يبيعون السَّمكَ الطازجَ في السوق ،عن عكا والبحر كانهما توأمان لا ينفصلان وكأصابع اليد الواحدة . وعلى الرغم من كونها كانت صغيرة السن آنذاك ( الكاتبة ) ولم تَزُرْ عكا يومها لو لمرة واحدة ، بيد أن عمها أبو يونس بائع الكعكبان رسمَ في في خيالها صورة رائعة وخلابة للمدينةِ الجميلة.. والتي في وسطها مسجد واسع أبوابه من فضة وقبابه من نور ، واسمه جامع الجزار . وهو مطل على قلعة تدعى قلعة ظاهرالعمر، ويدخلها الشخصُ من باب كبيرضخم يفضي به إلى بستان رحب فيه الأشجار الكثيفة العالية التي تشهد بتاريخ عريق ومجيد .. وهذه المدينه الرائعة (عكا ) يحيط بها سورٌ عظيم وأشجار نخيل وريحان تمتدُّ ظلالها حتى تصل إلى البحر الأزرق الكبير . قالت الكاتبةُ البحر الأزرق الكبير ولم تقل البحر الأبيض المتوسط .. وكان اسم هذا البحر قديما ( البحر الكبير) – وقد ذكرهُ الشاعر الكبير المرحوم محمود درويش في أكثر من قصيدة باسم البحر الكبير كقولِهِ :(( حطت طيور البحر في البحر الكبير)) . وتتغنى في سماء المدينة وأجوائها العصافيرُ الملوّنة ونوارس شرهة لا تخافُ شباكَ البحارة السّمر . وتتابعُ ( الكاتبةُ – الطفلة ) حديثها : لن تنسى يومَها المشؤوم مدى الدهر وذلك عندما أتى بائعُ الكعكبان أبو يونس إلى القرية وكان الجوُّ خريفيًّا غائما وعابسا .. وبائع الكعكبان بحلوياتهِ الملوّنة وصوتهِ الجميل الغرّيد حوَّلَ الجوَّ المُكفهرَّ العابس إلى باقاتٍ من الياسمين تفوحُ وتتضوَّعُ برائحة عكا والبحر ..
هذا وقد هرع الأولادُ في الحارة كبارا وصغارا لأجل شراءِ الحلويات اللذيذة بقروشهم الضئيلة ( ( تظهرُ هنا الكاتبة حالة الفقر والقِلَّة لدى سكان القرى العربية في ذلك الوقت ) ..وتذكر الطفلةُ هنا شخصا من أولاد حارتها وجيرانها كان شقيا وكثيرغلبة ويده طويلة وعنده عادة النشل والسرقة.. وأن أمها كانت دائما تحذرها منه وتنصحها ألا تلعب معه لأنه ولد مشاغب وسارق … وكانت أمُّها تردد هذه العبارة دائما عنه : ( إذا سلم عليكَ عُدَّ أصابعَ يديكَ )..ولكن الطفلة (الكاتبة) لم تفهم آنذاك معنى ذلك لصغر سنها . وتتذكر بطلةُ القصَّة جيدا عندما انصرفَ كلُّ أولاد الحارة الذين تسابقوا لشراءِ الحلويات اللذيذة من البائع ، ولم يبقَ في المكان سوى هي وجارها اللص المشاغب وبائع الكعكبان المسكين ..وقد طلب اللصُّ الصغير من بائع الكعكبان أن يُحدِّثهُ عن نابليون وهزيمته أمام أسوار عكا (( وحسب قول الكاتبة في هذه القصة : ( وهذا الفصل هو من مسرحية بائع الكعكبان التي حفظناها عن ظهر قلب .. كان هذا أكثر ما يروقني !! )) .. فحدّثهما البائعُ عن تلة كبيرة قام ببنائها جنودُ القائد نابليون .ولكن سورعكا العظيم ورجال عكا البواسل والشجعان إستطاعوا أن يصدوا جيوش نابليون ويهزموهم هزينة نكراء..هذا الجيش الجرارالذي قد مرَّ بمدينة غزة ويافا وحيفا ووصل إلى مشارف عكا حيث هُزمَ هناك وتوقف زحفه نحو الشمال..وعندما وصل بائع الكعكبان للفصل الأخير من مسرحيته وحكايته ( عكا قاهرة نابليون ) أغمضَ عينيه قليلا وتابع حديثه وقال : وقبل ان يرحل نابليون هو وجنوده رمى قبعته من فوق أسوارعكا حنقا وغضبا وقال: سلام عليك يا عكا..سلام لا لقاء بعده … ( والجدير بالذكر ان هذه الجملة والعبارة لم يقلها نابليون بونبرارت إطلاقا بل قالها الملك هرقل ملك الروم بعد أن انتصر العربُ المسلمون في معركة اليرموك وباقي المعارك وكسروا ودحرُوا جيوش الروم الجرارة حيث وقف هرقل على رأس تلة عالية ونظر إلى بلاد الشام وقال هذه الجملة التاريخيَّة الشهيرة : (( سلام عليك يا سوريا ..سلام لا لقاء بعده ))… أي كان متأكدا أنه لا أمل له وللروم في العودة إلى سوريا . لقد أخذت الكتابةُهذه الجملة ووظفتها في هذه القصَّةعلى لسان نابليون بونبرات ..هذا وقد عدا نابليون أدراجَهُ إلى بلاده محفوفا بالهزيمة النكراء وهو يقول: تحطمت أحلامي على أسواركِ يا عكا،وبالفعل لقد تحطمت آمالهُ وطموحاتهُ على أسوارِ عكا ولم يتمكنْ من متابعة الزحف لإحتلال ما تبقى من بلاد الشام ( لبنان وسوريا )..وهذا وبعد أن انتهى بائعُ الكعكبان من سرد قصة نابليون وحصاره لعكا وهزيمته النكراء فتح عينيه المتعبتين ( الكليلتين ) وانحنى قليلا على الأرض لكي يلتقط قبعته الكاكي التي وقعت منه أو بالأحرى رماها لا شعوريًّا على المصطبة الناعمة ، وبعد أن رفع بصرهُ اكتشفَ اختفاءَ كلِّ حلوياته الملونة واللذيذة من على لوحته الخشبيّة !واختفى أيضا ابنُ الجيران اللص.. فالتفتتِ الطفلةُ يمينا وشمالا ورأتْ انها وحيدة .. وقد تحوَّلَ صوتُ بائع الكعكبان الجميل والغرِّيد إلى صياح فيه نبرة الحزن بل البكاء والتأنيب حيث صرخ :يا عيب الشوم عليكم، ما زال الوقت صباحا والصباح رباح ولم أحصل بعد على الاستفتاح ! )..وحاولت الطفلةُ أن تنجو بجلدها خوفا من اتهامها بالسرقة ثم العقاب وأطلقت لساقيها المرتجفتين العنان.. ولكن والدها كان أسرع منها فاستطاع بسهولة أن يمسكَ بذراعها الصغيرة وقال لها مهددا : كيف تجاسرتِ يا طويلة اليد ! مرارًا وتكرارا نبهتك وإخوتك” بأن الذي يسرق بيضة يسرق جملا”..وتتابعُ الطفلةُ حديثهَا ..ونقول : وَجرَّني والدي إلى بائع الكعكبان واعتذر إليهِ بعد أن دفعَ له ثمنَ البضاعة المسروقة..وبقيت الطفلةُ صامتةً وخائفة ..وحسب تعبيرها لا تقوى على كشِّ الذباب من على وجهها عندما قادَها وأخذها والدُها إلى البيت !! .. وفي هذه اللحظاتِ شعرتْ بالقهر والحزن الشديد من نظرات ابيها المُتّهمة لها .. وتمنيت لو أنهُ تريَّثَ قليلا ولم يحكم عليها بهذه السرعة في حادث السرقة ومن دون أن يسألَ ويستفسر ..وكم تمنيت لو انه أصغى إلى قلبها الصغير والبريىء الذي همس بكل وضوح إن الحياة معطاءة وسخيّة تأخذ بيد وتعطي بالأخرى ((وهذه الجملة حكمية توظّفها الكاتبة ). ولكن في نظر الأب أن خطأها وجريرتها التي لم ترتكبها ( سرقة حلويات البائع ) هي جريمة لا تغتفر !..هذا وبحثت الطفلةُ (بطلة القصة )عن مكان هادىء وآمن لتدخل إليه وتهدىء نفسها ..ولم تجد إلا مخزن المؤن خاصتهم في البيت فانزوت وتوارت وراء خزانة قديمة وبدأت تبكي وتنفضُ من الحزن والغيض وخيبة الأمل… ونظرت إلى شباك مكسور فسمعت ضحكةً ليست غريبةعنها فاتضحَ انها ضحكة ابن جيرانها الطفل السارق والحرامي الذي أفلتَ ولم ينل الجزاء والعقاب اللازم له..وبدأ يلوح لها بيده ويقهقه بصوت عال بعد ان أشار بحركة خفيفة إلى جيب مريولها المدرسي الصَّغير ثم اختنفى بسرعة.. فتحسَّست الطفلةُ ( كاتبة القصة ) جيب مريولها ببطىء وحذر فوجدت فيه قطعة كعكبان محلاة على شكل حلزونة ، فتناولت قطع الحلوى وأكلتها بعد ان مسحت دموعَها المنهمرة ..وشعرت انها أشهى وألذ قطعة حلوى ذاقتها في حياته ..وجعلتها لا تنسى أبدا العمَّ أبا يونس بائع الكعكبان من عكا.. وتنتهي القصَّةُ هنا هذه النهاية شبه المفتوحة .
تحليلُ القصَّة : هذه القصةُ جميلةٌ وراقية شكلا ومضمونا كُتِبَتْ بلغة أدبية منمَّقة قوية وسلسة ، وفيها الكثير من اللوحات الفنية والتعابير والإستعارات البلاغية الخلابة .. وفيها عنصرُ التشويق والإثارة والجانب الترفيهي والمسلي والهام جدا للأطفال . وكلُّ قصة تُكتبُ للأطفال لا تحملُ هذا الجانب لا تكون ناجحة .. ونجدُ أيضا عنصرَ المفاجأة في أكثر من موضع، مثلا :عندما يبقى بائع الكعكبان لوحده مع الطفلة والطفل المشاغب والسارق وتُسرقُ بضاعته منه بسهولة دون أن يشعر..ويختفي الطفلُ العاق والسارق.. وعندها تهرب البنتُ بعد أن يكتشف البائعُ سرقة بضاعته من الحلويات.. وفجأة تُدخلُ الكاتبة شخصية الأب وبدون مقدمة وكيف يمسكُ بذراع إبنته الهاربة ويعاقبها على جرم وخطإ لم ترتكبه ..وهو سرقة الحلويات من البائع والذي قام بهذه السرقة جارهم الطفل العاق . والجدير بالذكر ان أسلوب هذه القصة وطابعها كله سردي وتفتقر القصَّةُ كليًّا إلى عنصر الحوار ( ديالوج ) المفروض أن يكون في كل قصة ، وخاصة في قصص الأطفال والذي يُضيفُ للقصَّةِ الجمالية والحيوية والديناميَة والحياة النابضة.
تتطرقُ هذه القصةُ وبشكل غير مباشر وبعفويَّة إلى مواضيع وقضايا عديدة : إنسانية ووطنية وتاريخيّة ومن دون جهد وتكلف، مثل :الحث على القيم والأخلاق والمبادىء والإبتعاد عن رفاق السوء.. وَتُعلِّمُ وتعززُ قضية الإنتماءالقومي والوطني وحب الوطن ومسقط الرأس.. وتتحدثُ عن الحياة في قرانا العربية قبل عقود من الزمان وكيف أن البائعين من المدن المجاورة..(الذين يبعون الحلويات وغيرها) كانوا يجيئون إلى القرى بشكل دائم ويبيعون بضاعتهم المُحَبَّذة لسكان القرى ، وخاصة للأطفال إذا كانت كالحلويات أو البوضة وغيرها… عندها لم يكن آنذاك محلات ودكاكين للحلويات في القرى العربية. وبالنسبة للجانب والموضوع التاريخي تتحدثُ عن حملة نابليون بونبارت وحصاره لمدينة عكا ..وبناء تلة كبيرة شرقي عكا من قبل جنوده لكي يتمكنوا من قصف الاسوار والمدينة من الداخل .ثم فشل هذه الحملة ورجوع نابليون وجيشة مدحورا وبخيبة كبيرة .
إن هذه القصة ناجحة من جميع المقاييس الذوقية والنقدية.. وتضمُّ العديدَ من العناصر والأبعاد والجهات الهامة التي يجب أن تتوفر في كل قصة تُكتبُ للأطفال ، مثل :
1 – العنصر والجانب الفني
2 ) اللغة الأدبية الجميلة والمنمَّقة والسلسة فالقصة ليسن مجرد سرد أحداث وحكايات ، بل هي نسيج أدبي تقني جميل بطابع قصصي وقريب نوعا ما إلى أسلوب ولغة الشعر . وتدخل الكاتبةُ في القصةِ العديد من الكلمات الفصحى الجميلة والصعبة ، ولكن تفهم معانيها بسهوله ويفهمها حتى الطفل الصغير من خلال إدخالها وإدراجها بين الجميل وبشكل صحيح وفي مكانها الطبيعي،مثل كلمات :أشاوس ، تتضوَّع ، إستطردَ ،عينيه الكليلتين ، سجيَّته ، المكفهر، تريَّثَ …إلخ .
وتستعملُ أيضا العديد من التعابير والإستعارات البلاغية الجميلة والجمل الأدبيّة المُنمَّقة ، مثل :
( سجيَّتهُ سمراء مُتعبة وكانه يجرُّ معها عمرَهُ كله ) … و( لطالما طلَّ علينا مثلَ العيد واطربنا بصوتهِ الغرِّيد ، فكانت تزغردُ لهُ الحاراتُ وتتراقصُ معهُ الأجواء ..) و ( هل توارى في مدينة الأحلام ؟ أم أغرقهُ السُّوقُ والزّحام ؟ ) .
وَتُوَظّفُ أيضا العديدَ من العبارات والأمثال الدارجة في قرانا ، مثل : ( إذا سلم عليكَ عُدَّ أصابعَ يديكَ ) … وهذا المثل يذكرنا بشخص من إحدى القرى وقد توفي قبل فترة طويلة ، وحسب ما يُروى عنه كان إذا سلم على شخص ما في الشارع فله هدف ومصلحة عنده .. حتى لو كان غرضه بعد عدة أشهر..فيقولون : إذا سلمَ عليكَ فلان في الشارع سيكون له غاية وهدف ومصلحة عندكَ بعد ستة أشهر على الأقل )
ومثل آخر تستعملهُ الكاتبةُ وهو حكمة : (إنَّ الحياة سخيّة تأخذ بيد وتعطي بالأخرى ) .
وتستعملُ أيضا جملة كانت وما زالت تردَّد في العديد من القرى – بتصرُّف – : ( يا ذل “…. ” من بعد ” ……. ” ) – ومن دون ذكر أسماء .
3 – البناء القوي والمتين للقصة وتسلسل أحداثها بشكل تقني فنيٍّ جميل وراق مع انها كتبت بأسلوب سردي بحت ، ولا يوجدُ أُّيُّ حوار متبادل بين أبطال وشخصيات القصة .
4 – العنصر والجانب الترفيهي والمسلي للطفل .. وهذا هام جدا .
5 – عنصر المفاجأة ..وموجود في عدة مواضع في القصة
6 – الجانب التاريخي والتراثي أيضا ..
7 – الجانب الوطني وحب الإنسان لبلده ومسقط رأسه .
هذه القصَّةُ واقعية من الدرجة الأولى وحدث كثيرا مثلها وما يشابهها في قرانا العربية ..ولكنها تفتقر إلى عنصر هام جدا ومحبَّذ أن يكون موجودا في قصص الاطفال ، وهو العنصر الفاتنتازي ( الخيالي ) والذي يحبُّهُ كلُّ طفل ويشوِّقهُ ويشدُهُ أكثر للإستماع إلى قراءة القصة .
من إيجابيات هذه القصّة : إنها ليست طويلة ومملة ومساحتها الجغرافية جيدة وملائمة لنفسية الطفل وعقليته وذوقه وقدرة استيعابه للتأقلم مع جوهرها وفحواها وتفهُّم أحداثها. ولا يصابُ بالملل أو الإرهاق إذا قرأها أو استمع لقراءتها ..وهي ملائمة لجميع أجيال الطفولة ( المبكرة ولجيل الطفولة المتقدم ) .
لا يوجدُ تكثيفٌ في شخصياتِ القصة ومحاورها فالقصة تقتصر فقط على ثلاثة أشخاص هم محورها : الطفلة (بطلة القصة التي تروي بلسانها أحداث القصة بشكل سردي ) ..وبائع الكعكبان أبو يوسف من مدينة عكا.. والطفل العاق واللص..وأب الطفلة وأمها اللذان لهما دورصغير وخاطف في أحداث القصة .وكان بإمكان الكاتبة أن تدخلَ شخصيات محورية أخرى في القصة كأخوةِ الطفلة مثلا وبعض الأصدقاء والأقارب.. إلخ . وهذه القصة فيها الجانب الإنساني والإجتماعي والسلوكي كما ذكرت وتحثّ على السلوك الحسن وتعلم الأخلاق والقيم والمثل والفضيلة وتنتقدُ وَتُنَدِّدُ ببعض الصفات السلبية التي يجب أن يبتعد عنها كل شخص وبالذات الأطفال الصغار الذين في بداية حياتهم ولا يعرفون ان يميزوا جيدا بين الصح والخطأ وكيفيَّة السلوك في الطرق القويم والإيجابي دون إرشاد وتنوير من أهلهم وذويهم ، مثل : صفة السرقة والنصب والإحتيال .. ويظهر هذا الجانبُ والموضوع جليًّا في الحديث عن الطفل العاق ابن الجيران الذي ينبذهُ ويبتعدُ عنهُ الجميع لأجل سلوكه الخاطىء والمكروه… هذه القصة تعلمُ الأخلاق والقيم ..ولكن نهايتها جاءت مفاجئة وكانت نهاية شبه مفتوحة.. وبقي الطفلُ السارق وصاحب الجرم حُرًّا طليقا يصولُ ويجولُ ويمرح على هواه ولم ينلْ عقابه ..ونال هذا العقابَ بدلا عنه الطفلةُ البريئة (بطلة القصة ) التي لم يكن لها أيُّ ذنب . ويظهرُ في هذه القصة قساوةُ قلب الأب وشدته.. وكان بإمكان الكاتبة أن تعطي صورة أجمل ووديعة وحنونة أكثر للأب ، وانه يحب إبنته وجميع أولاده ولا يعاملهم بهذه القسوة كما جاء في القصة((حيث قبض على ابنتهِ من ذراعها وهي تهرب.. وكيف كان شعورُ الطفلة وخوفها الشديد وحالتها النفسية )) فكان من المفروض أن ينالَ الطفلُ العاق والنشَّال ابن الجيران ذلك العقاب بدل الطفل البريئة..وليس من المفروض أن يكون عقابا جسديا .. بل ممكن عن طريق التوبيخ واللوم الشديد والقاسي..ولكي يُحِسَّ ويدرك كلُّ طفل يقرأ هذه القصة أن هنالك عدالة إجتماعيَّة وعدالة سماويَّة أيضا .. وان الله لا يحبُّ السارقين والذين ينشرون الفساد والفوضى في المجتمع .. ولا توجدُ فوضى وتسيب في حياتنا وفي مجتمعنا ولا يوجدُ ظلمٌ وإجحاف ، والشخص المذنب فقط هو الذي ينالُ العقاب والجزاء .. وليس الأشخاص الأبرياء .
وأخيرا وليس آخرا : أريد القول : إن هذه القصة ناجحة وتستحقُّ أن تحظى باهتمام الكتاب والنقاد وَتُكتبَ عنها المقالاتُ الدراسات.. وأن توضع في المكتبات وتدرس أيضا للأطفال الصغار ، وهي من أحسن وأفضل القصص التي كتبت محليا للأطفال حتى الآن .. ويكفيها الجانب الترفيهي والفني والأدبي الراقي ، لان هنالك العديد من القصص التي تُكتَبُ للأطفال محليا تفتقر إلى هذه العناصر والأسس ، وخاصة الأسلوب الأدبي الرفيع والجذاب . وفي النهاية أهنىءُ الكاتبة والأديبة القديرة والمتألقة ( شهربان معدي ) على هذا الإصدار الجديد والقيم وعقبال إصدارات أخرى لها في جميع المجالات الأدبية.
( بقلم : الدكتور حاتم جوعيه – المغار – الجليل -)
– في ضيافةِ الكاتبة زينا الغاهوم –
( خبر ثقافي للنشر من : الشاعر والإعلامي الدكتور حاتم جوعيه – المغار – الجليل )
أثناء وجودي في مدينة الناصرة يوم الجمعة ( 22 / 10 / 2021 ) قمتُ بزيارةٍ للكاتبة والأديبة زينا الفاهوم في منزلها العامر ، ودارَ الحديثُ بيننا في مواضيع أدبيَّة وثقافيَّة عامَّة ، وتطرَّقنا إلى أزمة النقد المحلي وظاهرة التسيُّب والفوضى الموجودة على الساحة الأدبيَّة والثقافيَّة المحليَّة وتكريم كل من هبَّ ودبّ حيث تقام بشكل مُكثَّف الأمسيات والندوات التكريميَّة لأشخاص لا توجد لهم أيةُّ صلة أو مع الشعر والادب والثقافة والإبداع من قبل بعض المنتديات والمؤسسات المأجورة والمشبوهة التي تدعي خدمة الثقافة والمبدعين.. وفي نفس الوقت تتجاهل بل تُعتّمُ على أهمِّ القامات الأدبيّة والثقافيَّة الوطنيَّة الإبداعيَّة الباسقة محليًّا . وكان التطرُّق أيضا إلى ظاهرة ما يُسمَّى بالإسهال الادبي .. أي أنَّ هناك بعض الدخيلين والمتطفلين على الأدب يصدرون كل عدة أسابيع كتابا جديدا يكون دون المستوى المطلوب ويكون مجرَّد تكرار واجترار لأمورمستهلكة ومواضيع تافهة .
هذا وأهدتني الكاتبة زينا الفاهوم مجموعةً من كتبها وهي قصص للأطفال صدرت مؤخَّرا وقريبا سأكتب دراسات تحليليَّة لهذه القصص القيِّمة، وأهديتها أنا أيضا مجموعة من كتبي الصادرة – الأدبيَّة والشعريَّة – وكتابي دراسات في الفلسفة وعلم النفس واللاهوت .
وقد أجريت لقاء صحفيًّا معها سينشرُ في وسائل الإعلام في فترة قريبة.
خبر ثقافي للنشر من : الشاعر والإعلامي الدكتور حاتم جوعيه – المغار – الجليل )
( ما كنت أومن بالعيون وسحرها حتى دهتني في الهوى عيناكِ )
أنتِ الحبيبةُ لن أحبَّ سواكِ يومُ الهنا والسَّعدِ يومُ لقاكِ
أصبحتُ أومنُ بالعيون وسحرها العينُ تنطق إن لم تقل شفتاكِ
إن لم تبحْ بالحبِّ من خجلٍ ولم تعطي كلاما ساحرًا كسناكِ
(( ما أروعَ العينينِ ..سحر سهامِها = لمَّا رمتني بالهوى عيناكِ // أنتِ الحبيبةُ نبضُ قلبي والمنى = إنّي سأبقى للمدى أهواكِ //
في الروح أنت وفي الفؤاد حبيبتي = قلبي وروحي يا حياتي فداكِ
الحُبُّ عمَّدني إلهً ثائرًا = فوق النجومِ .. أحلّقُ في الأفلاكِ
الطيرُ يشدوُ باسمًا لغرامنا = والوردُ ضُمّخَ من أريجِ شذاك
أنت التألّقُ و السَّناءُ والبها = والوردُ ضمّخَ من أريجِ شذاكِ
فيكِ الجمالُ لقد تجمّع شملهُ = يا منيتي سبحانَ من سوَّاكِ