انعدام المكانة اللائقة بالأديب العربي…أين تقع المسؤولية؟- أحمد حازم
تاريخ النشر: 28/11/21 | 11:57قرأت قبل أيام قليلة معلومة بالعربية تقشعر لها الأبدان من غرابتها. لكني لم أهنز لها لأن كل شيء جائز ومتوقع في بلاد حرف الضاد أي بلا العرب. تقول المعلومة أن إحدى المدن في دول الخليج العربي أقامت معرضاً للكتب. هذا أمر عادي. لكن الأمر غير العادي والمخزي ثقافياً ،أن المعرض منذ بدايته حتى نهايته لم يبع سوى 16 كتابا. وكانت أكشاك السندويشات الأكثر استفادة خلال أيام المعرض لأنها باعت، كما تقول المعلومة، ألفي سندويشة شاورما وثلاثة آلاف هامبورغر و ألف وسبعمائة كوب قهوة.
منذ العام 1901 تم منح جائزة نوبل للأدب إلى 117 شخصاً لا يوجد بينهم سوى أديب عربي واحد وهو الأديب المصري المعروف نجيب محفوظ الذي تم منحه الجائزة في العام 1988. والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لم يصل أدباؤنا إلى العالمية؟ فهل السبب يرجع إلى اللفة نفسها أم إن القدرات الإبداعية لرجال الأدب عندنا هي قدرات ضعيفة غير جديرة بالتحليق في أجواء الأدب العالمي؟ وقد يقول قائل لا هذا ولا ذاك. يمكن أن يكون السبب قلة القراءة والاهتمام بالجانب الثقافي قياساً بالشعوب الأخرى.
ويعتقد اديب عربي بأن السبب في عدم وصول الأديب العربي إلى العالمية، هو “عدم إعطاء الأديب العربي المكانة التي يجب أن يحظى بها في مجتمعه، كما يحظى الأديب لدى الشعوب الأخرى”. ولا شك أن هذا السبب هو في محله. ففي مجتمعات مثل أوروبا واليابان فإن الأديب هناك له تأثير على المجتمع وترحب به المؤسسات الإعلامية والثقافية.
حتى على صعيد الشارع الأوروبي، فعامة الشعب يحترمون الأديب ويريد كل واحد يراه تقديم خدمة له وذلك بسبب إنتاجه الأدبي أي تقديراً لما يقدمه للناس من إبداع. يقول الكاتب السويدي هنينغ مانكل أنه حين زار مدينة “بوروس”، المدينة التي ترعرع فيه طفلاً وشاباً، استوقف ذات يوم سيّارة أجرة، فتعرّف عليه السائق وأبى أن يأخذ أجرته وظلّ السائق يقف كل صباح أمام الفندق الذي يقيم فيه مانكل لينتظره وينقله حيث يريد مجّانا, وبرغم اعتراض مانكل وبحثه عن سيّارات أجرة أخرى اكتشف أنّ جميع السائقين أمام الفندق قد اتّفقوا على نقله مجّانا، ولم يجد بدّا من الانصياع إلى رغبة ذلك السائق البسيط.
ويحكى أن شاعر شيلي الأول بابلو نيرودا، عندما كان يقوم بزيارة إلى إحدى المقاطعات ليلقي قصائده، كان عمّال المناجم يفرضون على الشركات التي يعملون بها يوم عطلة من أجل حضور أمسية نيرودا، ليستمعوا الى قصائده. نحن نفتقد لذلك الاقتناع فيبقى تأثير كتّابنا محدودا، لا نرفع لهم القبّعة هنا فكيف يعترف بهم في الخارج وهم الذين فشلوا في أوطانهم في نيل الاعتراف، حسب رأي أحج الأدباء؟
قي مجتمعاتنا العربية فإن عدد الأدباء المعروفين على مستوى النجومية المحلية قد لا يتجاوز أصابع اليد باستثناء مصر لأن عدد سكانها يفوق المائة مليون نسمة، ورغم ذلك فإن مستوى الأدب والشعر منخفض جدا نسبة لعدد السكان.
في أحد المواقع العربية، قرأت معلومة مثيرة عن كاتب نمساوي تقول: في ثلاثينات القرن الماضي حكم على طبيب إيطالي بالإعدام لمشاركته في توزيع منشورات تحريضية ضد النظام الفاشي. زوجة ذلك الطبيب لم تلجأ إلى المحامين ولا إلى السياسيين ولا إلى أصحاب الجاه لإنقاذ زوجها، بل لجأت إلى الأديب النمساوي الكبير ستيفان زفايغ، لقد كان محبوبا في إيطاليا حتى من موسيليني. سافرت الزوجة إليه لأنها آمنت به وبقدرته، ولأنها تعرف أن للأديب كلمة مسموعة. ووعدها بالمساعدة، وقد أرسل الأديب رسالة عاجلة إلى موسيليني، وطلب منه العفو عن الطبيب وإطلاق سراحه. فأجابه موسيليني، “بعظمة ما كتبت يا زفايغ سوف أسمح له بمغادرة التراب الإيطالي”.
في كتابه “السيرة الطائرة” يقول الروائي والشاعر الفلسطيني إبراهيم نصرالله : ” أن أمسية شعرية نظمت له في جامعة نابولي ألقى فيها نصرالله قصائد حول فلسطين بالعربية، الطلّاب الإيطاليون لا يفقهون العربية، كتب كلمات على ورقة ومررها إلى زملائه, وحين انتهى نصر الله تقدم منه الطالب وأعطاه الورقة كتب فيها الطالب عبارة: سلام حار لكل الفلسطينيين.
وأعتقد بأن التساؤل عن سبب غياب الأديب العربي عن النجومية العالمية، يجب أن يسبقه تساؤل أهم بكثير وهو سبب انعدام المكانة اللائقة بالأديب في مجتمعه كما هي هو الحال في المجتمعات الأوروبية أو مجتمعات أمريكا اللاتينية.