في يوم التضامن مع فلسطين.. لنتضامن مع انفسنا اولا
تاريخ النشر: 29/11/21 | 13:17فتحي كليب / عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
يوم (29) من شهر تشرين الثاني هو يوم فلسطين وحقوق شعبها على المستوى العالمي. فلم يكن صدفة او صدقة من الامم المتحدة ان تخصص يوما من كل عام للتضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية.. فهذا اليوم هو اشبه بـ “يوم الضمير العالمي”، الذي ارتكب خطيئة كبرى حين صوتت الجمعية العامة على القرار رقم (181) عام 1947 وقضى بتقسيم فلسطين الى دولتين يهودية وعربية، بسطت الاولى سيادتها بقوة القتل والارهاب وتم اغتيال الدولة الثانية قبل ولادتها.
بعد اكثر من ثلاثة عقود، وفي نفس التاريخ من العام 1977، عادت الامم المتحدة وأصدرت قرارها الشهير باعلان يوم 29 من كل عام يوما عالميا، اقله على المستوى النظري والدعاوي، يكرس للنضال من اجل انهاء الظلم التاريخي الذي لحق بالشعب الفلسطيني جراء ما تعرض له من تشريد وتبديد لوجوده الوطني.
ما يزيد عن سبعة عقود انهارت معها اساطير الاعداء بفعل نضال الشعب الفلسطيني، وسقطت رواية صهيون واسطورة “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”، كما سقطت تلك النظريات العنصرية القادمة من رحم المشروع الصهيوني والتي كانت تقول بأربعة دول وخمسة شعوب ويجب التخلص من الشعب الزائد. عقود مضت، وما زال امر تثبيت دعائم الدولة الصهيونية يشغل بال زعماء الدم والارهاب في اسرائيل والحركة الصهيونية والاستعمارية، فها هو “قانون الدولة القومية” يطل من الباب الاوسع لعنصرية تفوح رائحة كريهة ازكمت انوف حرية ما زالت تبحث عن حق تائه بين شوارع المستوطنات المنتشرة في طول الارض الفلسطينية وعرضها، عن حق ضائع في ادراج التمييز الصهيوني المقيت لدولة الابارتهايد والترانسفير الصهيوني، التي لا تسرق الحق من اصحابه فقط، بل وتعيد تقديم الرواية التاريخية بشكل مقلوب.. فالارض يهودية لا مكان فيها لغير اليهودي حتى اولئك الذين يحملون جنسية اسرائيل. والفلسطيني في هذه الارض ليس سوى عابر سبيل، رغم تأصله فيها لأكثر من خمسة آلاف سنة من التاريخ المعلوم.. انها العنصرية الصهيونية المتحالفة مع عقلية استعمارية واجرامية ما انبتت سوى جرائم انسانية اعتقدت بأنها قادرة على مسح الذاكرة الجماعية لشعب ما زال صامدا يواجه صهيون بلحمه الحي وبارادة صلبة لا تضاهيها ارادة..
على اهمية ما درجت عليه الامم المتحدة سنويا بإحياء يوم التضامن، فإن المجتمع الدولي مطالب اليوم بما هو أكثر من التضامن المعنوي والاعلامي المتكرر. لأن ما يحتاجه الشعب الفلسطيني هو دعم فعلي وملموس على مستوى تطبيق عشرات القرارات الدولية التي تعبت منها ادراج الامم المتحدة ومؤسساتها المختلفة، حتى لا تكون مصداقية هذه المؤسسة الدولية موضع شك، خاصة ونحن نرى كيفية تعاطي العالم مع القضايا الدولية كصيف وشتاء تحت سقف واحد..
ما كان لهذا اليوم ان يكون لولا سببين اثنين: اولهما واهمهما مقاومة الشعب الفلسطيني الذي رفض التسليم بواقع اراد الاحتلال ان يفرضه، وهو الاحتلال والتهجير، فاطلق مقاومة اجبرت العالم على التعاطي معه ودعمه خاصة حركات التحرر الوطنية العربية والدولية، التي دعمت المقاومة الفلسطينية وقدمت لها كل عون واسناد.. وثانيهما برنامج سياسي عرف كيف يقرا الواقع ويقدمه الى العالم باعتباره برنامجا توحد حوله كل الشعب الفلسطيني، وهو البرنامج الذي ما زلنا نفتقده في نضالنا الراهن منذ التوقيع على اتفاق اوسلو الذي شكل انقلابا على المشروع الوطني الفلسطيني..
على هذين العاملين كان الرهان في تغيير صورة اعتقد البعض انها اصبحت حقيقة بالانتهاء من الشعب الفلسطيني، وها هي الرواية الصهيونية ما زالت تصارع لفرض منطقها على العالم، فيما يواصل شعب فلسطين صموده الاسطوري وتجذره بحقه وارضه التي ارتوت بدماء الشهداء الذين وبفعل تضحياتهم، ونهوض الشعب ومقاومته، استعاد قضيته بيده واجبر العالم على تخصيص يوم للتضامن مع حقوقه الوطنية، في محطة دولية هامة تذكر العالم بمسؤولياته تجاه القضية الفلسطينية..
لقد اكد العالم في اكثر من مناسبة على دعمه السياسي للحقوق الفلسطينية، سواء عبر تجديد التفويض لوكالة الغوث في اللجنة الرابعة او من خلال التصويت ايجابا على عشرات القرارات السنوية والمتعلقة بتأكيد حق الشعب الفلسطيني بأرضه.. لكن من غير المنطقي ان تحوز قضية فلسطين على كل هذا الدعم السياسي، في الوقت الذي تمارس ضد الشعب الفلسطيني حرب تجويع حقيقية، وتعجز اكثر من 150 دولة على توفير دعم اقتصادي بسيط يمكّن اللاجئين مثلا من الوصول الى احتياجاتهم الاساسية من الغذاء.. ومع كل الترحيب طبعا بالمواقف السياسية الداعمة للقضية الفلسطينية، الا ان المجتمع الدولي معني بترجمة دعمه السياسي بمساهمات مالية تعالج مشكلة العجز في موازنة الوكالة لتخرجها من دائرة الابتزاز السياسي والمالي الذي تمارسه الولايات المتحدة وغيرها من الدول لتحقيق اهداف سياسية..
ان التضامن العالمي مع فلسطين سيبقى معلقا في الهواء ينتظر حدثا او موقفا او صدمة فلسطينية تعيد الاعتبار للكثير من بديهيات النضال الفلسطيني. فالمشروع الامريكي الاسرائيلي يلقي بتداعياته السلبية على القضية الفلسطينية برمتها، ومواجهة هذا المشروع تتطلب موقفا فلسطينيا حازما يتجاوز الصيغ القديمة بالرفض والاحتجاج والشكوى امام الهيئات الدولية، التي ما زالت عاجزة عن تحمل مسؤولياتها في توفير الحماية للشعب الفلسطيني، وسياسة وطنية تتصادم مع السياستين الامريكية والاسرائيلية في الميدان ودعم التحركات الشعبية بمختلف اشكالها النضالية وحمايتها، وزج كل عناصر القوة الفلسطينية في معركة الدفاع عن الحقوق الفلسطينية وفي مقدمتها سلاح الوحدة الوطنية الذي ما زال هو الغائب الاكبر.
واذا كان هذا المشروع يطال باستهدافاته جميع التجمعات الفلسطينية، فان النجاح في مواجهة وافشال هذا المشروع يتطلب خوض المعركة على مستوى كل التجمعات وبسياسة وطنية تعيد توحيد كل الشعب الفلسطيني باستراتيجية موحدة تفسح في المجال امام جميع فئاته الاجتماعية للمشاركة في معركة المصير الفلسطيني، وهذا لن يحدث الا بتوافر ارادة سياسية تعمل على تصحيح موازين القوى المحلية والاقليمية..
ما احوجنا اليوم نحن الفلسطينيون الى اعلان التضامن مع ذاتنا، حتى لا تتكرر اخطاء الماضي ومآسيه المتعددة، خاصة في ظل تزايد المخاطر على قضيتنا الوطنية بجميع عناوينها ليس المشروع الامريكي الاسرائيلي الراهن سوى احدى تداعيات حالة العجز والصمت الدولي والعربي التي ما زالت متواصلة منذ عقود. وهو ما يتطلب تغييرا وتجديدا في العقلية والذهنية النضالية الفلسطينية والتي لا زالت اسيرة لخيارات تأكد عقمها وفشلها، لذلك نحتاج الى تغيير جذري في تفاصيل عملنا الوطني اليومي والرهان على الشعب الذي ما زال يخزن قدرات نضالية هائلة وهو يثبت في كل مرة انه مضحي ومعطاء.
وتبقى مسالة الوحدة الوطنية وبناء العلاقات الوطنية على أسس من الشراكة الوطنية والديمقراطية التوافقية هي اساس الخلاص من حالة التشرذم التي تعيشها الحالة الفلسطينية، وبما يعيد تنظيم الصف الوطني، ويستنهض عناصر القوة في الحالة الفلسطينية ويفتح الأفق أمام واقع نضالي جديد، يعيد الاعتبار للمشروع الوطني التحرري الفلسطيني، وهذا ما يعني ضرورة النزول من على شجرة الاوهام والالتصاق بالجماهير وهمومها وتطلعاتها الوطنية والاجتماعية ومعالجة قضاياها بروح الوحدة والشراكة التي يجب ان تشق طريقها على مستوى كل المؤسسات الوطنية بدءا من منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية وصولا الى كافة مؤسسات شعبنا داخل فلسطين وخارجها..