استقالة قرداحي هزيمة لحرية الرأي في لبنان- أحمد حازم
تاريخ النشر: 05/12/21 | 9:22لم أكن يوماً ما في حياتي الإعلامية من مؤيدي النهج السعودي سابقاً وحالياً، ولم أكن يوماً من الراغبين في العمل في دولة خليجية رغم تعدد العروض والإغراءات المالية التي تلقيتها في حياتي المهنية. فالصحفي لذي يعيش ويعمل في لبنان بلد النور والثقافة والحرية وخصوصاً حرية الكلمة، لا يستطيع العيش في بلاد المتخلفين فكرياً واجتماعياً، والأغنياء بأموالهم ونفطهم وليس بعقولهم.
جورج قرداحي كان “الإبن المدلل” للقيادة السعودية وخصوصاً للملك عبدالله زظل سنوات طويلة تحت الرعاية السعودية، الدولة التي صنعت منه نجماً في عالم الإعلام. لكن “ما في شي بدوم”. فقد ذهبت هذه العلاقة في مهب الريح بعد حدوث ما يسمى “الربيع العربي” وإعلان قراحي تأييده التام للنظام السوري ضد الثورة السورية التي كانت السعودية داعماً لها أو لبعض قادتها. ومن تلك اللحظة حدث “الطلاق” وبدأ العداء بين قرداحي والسعودية.
كنت ضد مواقف جورج قرداحي (النفاقية) بالإذلال للسعودية التي كانت ولسنوات طويلة ولي نعمته ومصدر رزقه، وكان يضرب يسيفها إعلامياً، وإعلامها هو الذي رفعه إلى القمة بعد أن كان صحفياً أقل من عادي إن كان ذلك في تلفزيون لبنان أو قي إذاعة مونتي كارلو الفرنسية حيت عمل سنوات في باريس.
لكني من جهة ثانية، مع حرية الكلمة ومع حرية الرأي ومع كسر اليد التي ترفع السوط في وجه الإعلامي. والإعلام الحر الجريء يعكس طبيعة المجتمع المتحرر. ومن وجهة النظر هذه، فأنا مع جورج قرداحي الوزير الذي رفض الاستقالة من منصبه ليس لأنه أساء أو “سرق ونهب” خزينة الدولة اللبنانية كما فعل غيره ولم يسألهم أحد، بل لأنه أبدى رأيه بالحرب الدائرة بين السعودية والحوثيين، قبل تعيينه بمنصب وزير الإعلام. السعودية اعتبرت رأي قرداحي إهانة لها لأنه وصف تلك الحرب بـ “العبثية”.
غضبت السعودية وغضب معها كل عربان الخليج (بما فيهم عربان إسرائيل) وسحبوا سفرائهم وموظفي سفاراتهم من العاصمة بيروت، بسبب تصريح. كلهم توحدوا ضد جورج قرداحي والضغوطات انهالت عليه من كل حدب وصوب من أجل الاستقالة حتى أنه لم يستطع الصمود في وجه أعداء الحرية والكلمة والمنافقين والسماسرة السياسيين، واضطر إلى تقديم الاستقالة من أجل لبنان.
جورج قرداحي وحّدهم في رأي انتقادي اعتبروه إهانة رغم صحته، ولم توحدهم القضية الفلسطينية، التي بفضلهم تمكنت إسرائيل من فعل ما تريد وبفضل اتفاقات إبراهيم المعلنة واتفاقات أخرى شبيهة مع المغرب والسودان صاحب اللاءات الثلاث سابقأ، واستبدل الـ “لاء” بـ “نعم”، بفضل كل ذلك تجرأت إسرائيل على الفلسطينيين وحكام دويلات الخليج ينظرون دون أن يفعلوا شيئاً.
دول خليجية “استأسدت” على قرداحي وجبنت أمام إسرائيل. استفزها رأي إعلامي ولم تستفزها ممارسات التطبيع الخياني. ما جرى مع جورج قرداحي يعني أن لا سيادة في لبنان على نفسه، ولا حرية بعد اليوم في لبنان الذي وصفوه ذات يوم بأنه “سويسرا الشرق”. استقالة قرداحي مرغت الكرامة اللبنانية بروث الجٍمال السعودية وحكام لبنان ينظرون بابتسامة إلى الإهانة السعودية لبلدهم، لأن “الإستقالة” هي مطلب سعودي وليس مطلباً خليجياً.
ولذلك، فإن ما جرى مع قرداحي يؤكد ما قاله الزعيم اللبناني الراحل أنطوان سعادة: أن لبنان لم ينل استقلاله وأن يوم الاستقلال في الثاني والعشرين من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر ليس أكثر من كذبة.
تصوروا العنجهية السعودية: عند تقديم الوزير قرداحي استقالته من بيروت، خرجَ أحد الإعلاميين السعوديين ليقول: إليكم خبراً عاجلاً من بيروت، ولكنه “غير مهم”!!، الأمر الذي يدل بكل وضوح على أن السعودية تتخذ نهج اللامبالاة تجاه لبنان .