متنفَّس عبرَ القضبان (45)
تاريخ النشر: 14/12/21 | 7:03حسن عبادي/ حيفا
بدأت مشواري التواصليّ مع أسرى أحرار يكتبون رغم عتمة السجون في شهر حزيران 2019؛ تبيّن لي أنّ الكتابة خلف القضبان متنفّس للأسير، ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة بعد كلّ زيارة؛ عقّبت القاصّة زهرة عبد الجليل الكوسى من مخيّمات الشتات: “يا وجع الروح والقلب… أسرى ينتظرون إعدامهم، بطريقة القتل البطيء، بمنتهى الوحشية، والعالم اللا إنساني وأولي الأمر، أصابهم الصمم، وضرب قلوبهم العماء…! الله يكون معهم، ويحميهم، ويشفي كل المرضى.. الحرية لهم والحياة التي تليق بهم … يا رب”.
وعقّبت الإعلاميّة هناء فياض: “يا الله أستاذ حسن، أنا كأني معك حاضرة في حضرة القامات. سلامنا لهم وقل لهم نحن بخير طالما هم بخير”.
“بحث عن النفق”
التقيت ظهر يوم الخميس 9 كانون أوّل 2021 في سجن الدامون في أعالي الكرمل بالأسيرة منى حسين قعدان، وبعد التحيّة وإيصال السلامات بدأت تحدّثني عن بحثها الجديد عن النفق ومقارنته بالهروب من سجن غزّة المركزي، وشغفها بالأبحاث، فأتمّت دراسة الماجستير، ولها عدّة أبحاث حول المرأة في الإعلام، دور المرأة في السياسة، الوضع الصحّي للمرأة في السجون، والمساندة الاجتماعية ودورها على صمود زوجات الشهداء وغيرها.
تحدّثنا عن “ترانيم اليمامة” والكتابة الجماعيّة ودور ابتسام أبو ميالة (خلّتنا نطلّع أشياء صعب تطلع لحالها) والندوة حوله ضمن مبادرة “أسرى يكتبون”.
تحدّثنا عن التظاهرة الشبابيّة (نشطاء من أجل أسيرات الدامون) يوم السبت بجانب السجن، كان الصوت واضحًا جدًا وكلّ أسيرة سمعت اسمها عبر مكبّرات الصوت والزمامير وانبسطن جدًا (ويا ريت تلفزيون فلسطين يتابع ويوثّق) ورفع الأمر من معنويّاتهن، فهناك من يذكرهن ويخرجهن من عالم النسيان.
حدّثتني عن طقوس طبخ صينيّة الباذنجان (أكلة اليوم)، وكيفيّة تحويل الملوخيّة الناشفة لخضرة، ونكهتها الخاصّة.
حدّثتني عن القراءة داخل السجن وأهميّة مبادرة “لكلّ أسير كتاب”، فالأسيرة تنبسط لدخول كتاب أكثر من الزيارة، واهتمامها بالكتابة، فكلّ اعتقال بدّو كتاب وله ظروفه وخصوصيّته (هذا الاعتقال السادس لها).
“وقفة جانب الدامون”
بعد لقائي بمنى أطلّت الأسيرة تسنيم محمد الأسد بابتسامة طفوليّة عريضة رغم الكمّامة الكورونيّة التي ترافقها، أوصلتني سلامات رحمة وبادرت بسؤالها عن سرّ تلك الابتسامة فأجابت بعفويّة: “يوم السبت سمعت زمامير وأصوات ناس عبر مكبّرات الصوت بتنادي باسمي وانبسطت كثير، أنا والصبايا” فأخبرتها أنّ مصدر هذه الأصوات وقفة شبابيّة (نشطاء من أجل أسيرات الدامون) جانب السجن، شملت كعكة عيد ميلاد لروان أبو زيادة، رحمة الأسد وفدوى حمادة.
حدّثتني عن حياة الأسر قُبيل بداية تعليمها العالي، وها هي تتقوّى بالإنجليزية للالتحاق بالجامعة حين تحرّرها، تقرأ وتمارس الرياضة وتدرس الإسبانيّة، وتعلم العبريّة لمجموعة بنات.
حدّثتني عن اهتمامها بكتابات وليد الهودلي، وبحاجة لكتب تاريخ وفلسفة وعلم نفس، وعن خواطر بدأت تكتبها.
صعبت الأمور في الفترة الأخيرة (رغم الاعتقال منذ 17.12.2017) بسبب الانقطاع وعدم إمكانيّة التواصل مع العالم الخارجي ومنع الزيارات في الفترة الأخيرة، وكذبة سلطة السجون حول أعمال الصيانة المستمرّة لفترة طويلة في غرفة الزيارة، فمنع الاتصال بغيض وقاسي وهن بصدد تصعيد الاحتجاج إذا لم يفكّ المنع والحصار.
“مشتاقة رغم المسافات”
بُعيد لقائي بمُنى وتسنيم، أطلّت الأسيرة المقدسيّة شروق صلاح دويات، تلازمها ابتسامة واثقة، وبادرت قائلة: “بستنّى أكلة السمك الموعودة على البحر” مقصّرةً للمسافات ومبدّدة غبش الزجاج الفاصل بيننا.
حدّثتني عن صعوبة الأمور في الفترة الأخيرة لمنع الزيارات والمماطلة في أمر السماح بتجديدها والمحادثات المراتونيّة مع الإدارة والتهديد بخطوات تصعيديّة لفك الحصار، فالأمر لم يعُد يُطاق، وخاصّة الأمّهات، وانقطاع إمكانيّة التواصل مع العالم الخارجي وادّعاء سلطة السجون حول أعمال الصيانة المستمرّة في غرفة الزيارة فرية لا تنطلي على أحد.
معنويّاتها عالية وتعمل مع زميلاتها لتحصيل حقّهن بالاتصالات مهما كلّف الأمر، والمسافات لن تمنعها من التعبير عن اشتياقها للجميع الذي يزداد يوماً بعد يوم آملة بتحرّر قريب كي لا تحتاج لاتصالات.
أوصلتني سلامات زميلاتها وانفعالهن من الوقفة الشبابيّة (نشطاء من أجل أسيرات الدامون) جانب السجن، وسماع أسمائهن عبر مكبّرات الصوت.
تقرأ شروق وتدوّن خواطرها، وتحلم بغدٍ مشرق مضيء يبدّد عتمة الزنازين فالحريّة قريبة.
لكن عزيزاتي: منى، تسنيم، شروق، أحلى التحيّات، الحريّة لكُنّ ولجميع رفاق ورفيقات دربكُن الأحرار.
كانون أوّل 2021