فضائل قراءة القرأن جماعة – معمر حبار
تاريخ النشر: 20/12/21 | 13:15اتّصل بي عبر الخاص معقّبا على منشوري[1] قائلا: “في آخر منشور لكم تحدثتم عن قراءة سورة الكهف جماعة. وفقط أردت أن أوضح لكم سيدي أن قراءة القرآن جماعة في مذهب بلادنا الجزائر المالكية. وأستسمحكم عذرا على إبداء ملحوظتي و تقبل مني فائق الاحترام و التقدير سيدي. ثمّ عرض مطوية تحمل أقوال من علماء المالكية، يزعم أنّهم يكرّهون قراءة القرآن جماعة، وبصوت واحد، ويرونها من البدع؟! .
قرأت الأقوال، فأجبت على الفور، ودون تردّد: أعلم هذه الأقوال منذ صغري. وأجبرتني أن أضيف، وأتطرّق لموضوع تطرقت إليه[2] في شبابي، ولا أحب أن أتطرّق إليه.
كلّ الأقوال التي نقلتها، -والتي لم تنقلها- لاتتحدّث عن كراهية قراءة القرآن جماعة، إنّما تتطرق لكراهية القرآن في حالات كـ: قراءة القرآن في المقاهي، والفوضى، والضحك، والاستهتار، والأكل، والشرب، والاختلاط، وغير ذلك.
مايعني أنّهم لم يقولوا بكراهية قراءة القرآن جماعة، إنّما قالوا يكره قراءة القرآن -جماعة أوفردا-، إذا أحيطت بالعادات السيّئة المذكورة، وغيرها في السّوء.
هناك تزوير للحقائق، ويتمثّل في أنّ الذين نقلوا أنّ علماء المالكية -وغيرهم- قالوا بكراهية قراءة القرآن جماعة، تعمّدوا -أقول تعمّدوا- أن يحذفوا الأسباب التي جعلتهم يقولون بكراهية قراءة القرآن جماعة، حتّى يظهروا عمدا قول كراهية قراءة القرآن جماعة، دون ذكر الأسباب.
سمعت لجزائريين، وقرأت لهم كيف أنّهم ينقلون حديثهم مع شيوخ السعودية، وهم يزوّرون الواقع في الجزائر: فيقولون لشيوخهم في السعودية -مثلا-: ماحكم من يقرأ القرآن جماعة وهو في المقهى، وشرب الشاي، والضحك، والاستلقاء؟! فيجيبه شيخه السعودي: هذه بدعة، ولا يجوز. فينقل عنه الجزائري عن أنّ قراءة القرآن جماعة مكروه؟! والحقيقة التي تعمّد الجزائري إخفاءها هي: قراءة القرآن جماعة ليست بدعة، ولا مكروه، إنّما الظروف السيّئة التي أحاطت بقراءة القرآن -فردا أو جماعة- جعلت قراءته مكروه، لأنّه وضمن تلك العادات السيّئة التي لاتليق بحرمة وعظمة القرآن، جعلت من قراءته أن يكون مكروها.
خلاصة، قراءة القرآن جماعة وسيلة كغيرها من وسائل حفظ الله تعالى لكتابه العزيز. ولا يقال عن الوسيلة أنّها بدعة، ولا مكروه.
كتبت عبر صفحتي بتاريخ: السبت 23 شوال 1439 هـ الموافق لـ 7 جويلية 2017 ، وتحت عنوان: “محمد متولي الشعراوي – قراءة القرآن جماعة في الجزائر” : “قال العالم المفسّر محمد متولي الشعراوي رحمة الله عليه: لم أعرف معنى قوله تعالى: “إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ” الحجر9، إلاّ بعد أن مكثت في الجزائر واستمعت للقراءة الجماعية، فعلمت حينها أنّ القراءة الجماعية من أسباب حفظ كتاب الله تعالى”.
من ناحيتي أقول: من أراد أن يحفظ القرآن الكريم بمفرده فله ذلك، ولا نقف في وجهه. والمجتمعات الأخرى -كإخواننا السّعوديين حفظهم الله ورعاهم- الذين اختاروا لأنفسهم القراءة الفردية للقرآن الكريم، فلهم ذلك. ونظلّ نحترم خصوصيات، وعادات المجتمع السّعودي، ولا نتدخل في شأنهم الداخلي.
ليس من اللاّئق للجزائري أن يستورد طريقة لحفظ القرآن الكريم ومراجعته، وهو يملك أعظم وسيلة -أقول وسيلة- لحفظ القرآن ومراجعته. ولم يشكو منها أحد منذ 15 قرنا، بل أعجب بها العالم أجمع.
تدخل قائلا: “هل فعل ذلك الرسول محمد صلى الله عليه و سلم ؟ أو الصحابة ؟ أو القرن الأول ؟ و هو خير القرون ؟ والله عز وجل يقول لقد كان لكم في رسول إسوة حسنة”.
أجبت: إنّ الله تعالى حين تعهد بحفظ القرآن الكريم، لم يذكر الطريقة، ولم يلزمنا بطريقة بعينها، ولم يلزم سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بطريقة معيّنة. هذا من جهة. من جهة ثانية كان سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم يراجع القرآن الكريم مع سيّدنا جبريل عليه السّلام. ضف لها، أنّ الله تعالى أمر سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن لايتعب نفسه في مراجعة القرآن الكريم، وأخبره أنّ الله تعالى هو الذي تكفّل بحفظه، وتثبيته، ودون أن يتعب نفسه بقراءة فردية، أو جماعية، حين طمأنه قائلا: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ}، القيامة : 16-17. وهذه خاصية تخصّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم لوحده دون غيره. فلا يقال أبدا: لم يفعلها سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
إذن، قراءة القرآن جماعة، وسيلة من وسائل الحفظ، والتثبيت، والمراجعة. ولا يقال عن الوسيلة أنّها مكروه، وبدعة.
نعيد، سيّدنا الإمام مالك رحمة الله ورضوان الله عليه، لم يقل قراءة القرآن الكريم جماعة بدعة ولا مكروه. إنّما قال الطريقة التي يتلى بها القرآن في البلد الفلاني -وقد ذكروا له اسم البلد- مكروهة، مادامت بهذه الأوصاف الشنيعة، وقلّة الأدب، والمنكرات. مايعني أنّها حسنة، ومطلوبة مادامت قراءة القرآن -جماعة أو فردا- ضمن القواعد التي تحترم قداسة، وهيبة، ورهبة القرآن الكريم. والإمام مالك لم يقل، أنّ قراءة القرآن جماعة مكروهة، إنّما تحدّث عن الجو المحيط بها.
لو قرأ المرء قراءة القرآن الكريم بمفرده وهو في جوّ يمسّ بهيبة، وقداسة، وآداب القرآن، فإنّ هذا من سوء الأدب، وقلّة الأدب التي لاتليق بعظمة القرآن الكريم. إذن، المسألة تتعلّق بالجو المحيط بالوسيلة، وليس بالوسيلة بحدّ ذاتها.
قراءة القرآن جماعة وسيلة[3]، شأنها في ذلك شأن الوسائل القديمة، والمعاصرة. وتعامل معاملة الوسيلة من حيث القبول، أو الرفص. وما دامت أثبتت نجاحها منذ 15 قرنا، وما زالت، فهي وسيلة فاعلة، وناجحة، ومثمرة تستحقّ التشجيع، والتمسّك بها، لمن يراها كذلك.
قلت في الأخير: أشكرك، لأنّك استطعت أن تدفعني للحديث عن موضوع، تحدثت عنه في مراهقتي وشبابي، ولا أحب أن أتطرّق إليه، إلاّ إذا اضطرني أحدهم، كما فعلت أنت الآن بالتطرّق إليه.
أسعد الله أيّامك، ومتّعك بالصّحة والعافية، ووفّقك الله لخدمة الجزائر، والعرب، والمسلمين، والأمّة.
[1] منشورنا عبر صفحتنا بعنوان: #تبنى_الأمم_بتواضع_الكبير_والعالم_والمتخصّص ،وبتاريخ: السبت 14 جمادى الأولى 1443، الموافق لـ: 18 ديسمبر 2021. [2] راجع من فضلك مقالنا بعنوان: فضل قراءة القرآن جماعة ،وبتاريخ: الإثنين: 29 جمادى الأولى 1435هجري الموافق لـ 31 مارس 2014. [3] للزيادة، راجع من فضلك كتاب: ” تبشير أهل الطاعة بمشروعية الذكر وقراءة القرآن جماعة”، العالم الفقيه عبد الوهاب مهيّة.—
الشلف – الجزائر
معمر حبار