باتون الأب الحارس والجهل السياسي – احمد حازم
تاريخ النشر: 21/12/21 | 9:40مدينة القدس عاصمة فلسطين تاريخياً، وستظل في نظر شعب فلسطين عاصمة لهم، تتعرض باستمرار لاعتداءات وانتهاكات من مستوطنين همجيين وعناصر أخرى لمنظمات يمينية قومية متطرفة. صحيح أن الأقصى يشهد انتهاكات كثيرة من قيل عصابات المستوطنين الذين يريد الإسلامي الجنوبي منصور عباس تصنيفهم بين “عنيف” و”غير عنيف”، لكن الهمجيين يعتدون أيضاً على الكنائس في القدس وعلى قادتها، لدرجة أن “السيل بلغ الزبى” لدى قادة هذه الكنائس.
في الأسبوع الماضي، أصدر البطاركة ورؤساء الكنائس في القدس بيانا مشتركا يحذرون فيه من الخطر الذي تشكله الجماعات المتطرفة التي قالوا “إنها تهدف إلى تقليص الوجود المسيحي وأنها تطرد المسيحيين من الأراضي المقدسة. صحيفة “ديلي تلغراف” البريطانية نشرت يوم السبت الماضي مقال رأي للأب فرانشيسكو باتون، حارس الأراضي المقدسة في الكنيسة الكاثوليكية وحارس الأماكن المقدسة المسيحية في الأراضي المقدسة، قال فيه ان “وجودنا متزعزع ومستقبلنا في خطر وحياة العديد من المسيحيين أصبحت لا تطاق في السنوات الأخيرة بسبب الجماعات المحلية الراديكالية ذات الأيديولوجيات المتطرفة”.
نحن مع موقف الأب باتون وندعمه من أجل وضع حد لممارسات وانتهاكات الهمجيين قي الأراضي المقدسة المسيحية والإسلامية، ونحن مع الأب بكل أفكاره وآرائه المتعلقة بالأراضي المقدسة خصوصاً أن هدف المستوطنين والجماعات اليمينية المنتمية إليهم هو إخلاء البلدة القديمة ليس من الوجود المسيحي فقط بل من الوجود الإسلامي أيضاً. لكن نحن لا نوافق الأب قوله في المقال :“هذه الجماعات المتطرفة لا تمثل حكومة أو شعب إسرائيل”. كيف ذلك؟ الأب باتون ولأنه إيطالي، لا يمكن أن ينتابه شعور مثل ذلك الشعور الذي يحس به الفلسطيني (مسلماً كان أم مسيحياً). لكن على الأقل كونه في موقع حساس، من المفترض أن يكون على دراية سياسية عميقة وليس معرفة دينية فقط، وعليه أن يكون ملماً بموضوع القدس من كل جوانبه ويعرف أن الحكومة غير بريئة مما يفعله الهمجيون في مدينة القدس.
يبدو أن الأب باتون لا يعرف هوية رئيس الحكومة بينيت. فإذا كان الأمر كذلك، نذكره بأن بينيت يميني قومي متطرف يكره كل ما هو غير يهودي وتاريخه أشبه بقاموس للعنصرية. ثم يأتي الأب باتون ويدعي بأن “الجماعات المتطرفة لا تمثل الحكومة”. رغم اعتراف في المقال بأنه “تم تدنيس وتخريب مواقع مقدسة، بما في ذلك كنائس، وارتكاب جرائم ضد قساوسة ورهبان ومصلين”. وأريد هنا أن أذكر باتون بمقال نشره اسحق شامير رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق باللغة الانجليزية حتى يقرأه أكبر عدد من الناس في العالم، وأعيد نشره بالعبرية في صحيفة (هامشمار) الاسرائيلية الصادرة بتاريخ 24/12/1987 يقول فيه: ” تعالوا ننظر إلى معتقداتنا حيث لا ديننا اليهودي ولا تراثنا يمنع استعمال الوسائل الارهابية في حربنا ضد الأعداء، لذلك فليس هناك أي سبب يدعونا لوخز الضمير، في الوقت الذي يدعونا الكتاب المقدس ” اقتلوا الجميع ولا تبقوا على أي شيء يتنفس” وبناء على توجيه الكتاب المقدس، نحن نقاتل ضد أعداءنا الشريرين.
” وهنا أسال الأب باتون: هل يمكن تخريب كنائس وارتكاب جرائم بحق رجال دين مسيحيين بدون معرفة السلطات المسؤولة؟ من المؤكد ان السلطات المعنية تعرف تماما بما يجري لكنها تغض الطرف ولو كان الأمر غير ذلك لاتخذت إجراءات بحق الفاعلين. موقف أخر في سياق الموضوع نفسه لفت انتباهي: صحيفة “صنداي تايمز” البريطانية نشرت مقالاً مشتركاً لرئيس أساقفة كانتربري البريطاني جاستن ويلبي مع رئيس أساقفة القدس الأنجليكاني حسام نعوم، ذكرا فيه ” أن الزيادة في مجتمعات المستوطنين الإسرائيليين، إلى جانب القيود المفروضة على الحركة التي يفرضها الجدار الفاصل عمقت عزلة القرى المسيحية وهناك محاولة منسقة لترويع المسيحيين وطردهم”.
ما قاله الأسقفان يؤكد خطأ باتو من أن الهمجيين لا يمثلون الحكومة، ومن جهة ثانية وقعاً أيضاً في خطأ لأن الجدار الفاصل لم يعمق فقط “عزلة القرى المسيحية” بل القرى الإسلامية أيضاً وأن المسيحيين ليسوا هم وحدهم المعرضون للطرد بل المسلمين أيضاً وكل الشعب الفلسطيني.