مع الشاعر الفلسطيني مهيب البرغوثي
تاريخ النشر: 03/01/22 | 18:00بقلم: شاكر فريد حسن
مهيب البرغوثي شاعر وكاتب فلسطيني، ومن أبرز شعراء جيل الثمانينات من الشعراء الفلسطينيين في الوطن المحتل. جاء إلى الدنيا العام 1964 في قرية كوبر قضاء رام اللـه، وبعد حرب حزيران هاجر مع عائلته إلى الأردن، وهناك عاش وعمل وبقي حتى العام 2000 ثم عاد إلى وطنه المحتل، ويعمل حاليًا في مجال الصحافة محررًا للملحق الثقافي لصحيفة الحياة الجديدة الفلسطينية.
مهيب غزير العطاء وله العديد من النصوص الشعرية والنثرية التي نشرها في الصحف والمواقع الالكترونية. وصدر له: “مختبر الموت، عتم، كأني أشبهني، شهادات كتاب ومبدعين حول مدينة رام اللـه بالاشتراك مع الكاتب زياد خداش، وحقوق موتٍ محفوظة”.
والقارئ لأشعار وقصائد مهيب البرغوثي لا يستشف أي ملامح أو نزعات تضعها في سماء الشعر الفلسطيني، فهو لا يصور بيارات البرتقال أو حقول الزيتون أو أزقة المخيم، كما هو الحال في قصائد شعراء الوطن الفلسطيني، في براز هذه الصور، فهمّه بالأساس هو همّ جماعي إنساني عام، وانحياز للمهمشين والفقراء وأبناء الأرصفة والشوارع وبسطاء الشعب والناس. وكثيرًا ما يلعن ويلفظ التعصب الديني ويمقت التيارات الدينية المتشددة المتعصبة، وكل المظاهر الفاشية الخانقة لحياة الجماهير الشعبية المسحوقة.
إنه يمتاز بنزعته وروحه الإنسانية وذاته المعذبة المسكونة بالهموم العامة، ويقول عنه الشاعر زهير أبو شايب: ” مهيب البرغوثي لا يكتب بوصفه شاعرًا ذا سلطة، بل بوصفه ذلك المخلوق البدائي الضالّ الذي يجوس في ليله الشخصيّ ويدخل إلى العبارة على هيئة الزّوبعة، مسببًا الفوضى في اللغة والوجدان، ومحملًا بالغبار والعواء والشتائم والروائح البرية”.
أما صديقه الكاتب زياد خدّاش فيرى “أن البرغوثي يواصل مشروعه التمهيديّ لكلّ ما يقف على قدمين من شعر يختنق به الوطن، شعر من بلاستيك محروق وأسنان مسوّسة. لا يرضى مهيب بأقل انهيار شامل لكلّ المنظومات الشعرية والتربوية والأصولية والثقافية”.
مهيب البرغوثي يركض بين بسطات الخضار، يوزع الورد على قبور من مضوا دون المحبة، وكما يقول هو “مجنون” وما الأعراف والتقاليد والدين والبطولة سوى تذكرة لتحطيم الروح وسجن القلب بالنسبة له.
وتتضافر في نصوص مهيب البرغوثي أساليب لغوية وفنية متعددة تجعل منها كشفًا عن خبايا الذات في أصواتها المرادفة، أو يجعل منها استنباطًا ذاتيًا وبوحًا واقعيًا يساعد على التدفق الشعري ويتيح التعبير عن الأفكار والرؤى الجمعية لا الفردية فحسب، في إطار شامل عميق الأغوار، موظفًا الاساطير الدالة على الانبعاث والتجدد.
ويحضر الموت في كتابات البرغوثي، كما تحضر الطبيعة، لكنه لا يبدو رومانسيًا تجاهها بصورة دائمة، وهو يرى أن الرومانسية هي مشروع بناء وتعليم لجيل كامل من معنى المرجعية في أمور كثيرة، ومن ضمنها الرومانسية نفسها، ويعترف بأن هذه الرومانسية قتلت في روحه مواضع كثيرة للفرح، ولكن ما زالت في الروح مشرعة للغياب.
ولنقرأ النص الأخير المنشور له، فيقول:
للشبابيك أيدٍ طويلة
للحياة صور مثيرة
هذا الصوت العذب الجميل وأنتِ تصعدين درجات البيت، ما هو سوى صوت
موسيقى فيفالدي “الفصول الأربعة”
ما المهم أن تكوني جميلة جداً في مرآتك الصغيرة ؟
هل جمالك سيدمر العالم ؟
تلك الكذبة التي قالها لكِ ذات مساء
صديق أرادك على العتمة وصوت المطر المثير من نافذة الحمام
حقاً
إنه جمال أخاذ
الجمال المعجون بالرغبة والحب
لأنكِ في يومٍ ما ستختبرين
الفرح والنشوة معاً
أما الآن ستنامين وحدك وفي الصباح سيكون
هناك وقت مستقطع للموت
مهيب البرغوثي ينتمي لفئة قليلة من الشعراء الفلسطينيين المحدثين الذين وسعوا أفق النص الشعري- النثري الفلسطيني وجعلوه مختبرًا للأصوات والألوان والمعرفة والصمت كامتداد عميق لعذابات الإنسان ولطبيعة الحياة اليومية المعاصرة في تعددها وتلاقحها وزخمها، وقارئ تجربته يكتشف حجم الثراء الشعري واللغوي الذي تنضح به أعماله، فله الحياة وتحية محبة وتقدير.