في رحيل الأعلام والعـلمــاء
تاريخ النشر: 25/10/11 | 7:19في شهر أكتوبر من هذا العام 2011 ( ذو القعدة 1432 هـ) غيَّب عنا الموت ثلاثة من أعلام اللغة العربية والذين إن كانوا قد رحلوا بأجسادهم إلا أنهم خلفوا لنا من إنتاجهم ومساهماتهم ما سيبقيهم بيننا بآثارهم لأن المرء ينقطع عمله بموته ويبقى من بين من يبقى من ترك علماً نافعاً ينتفع به ويستفاد منه.
لقد فقدت اللغة العربية من رجالها وعلمائها في شهر واحد ثلاثة ممن عملوا وضحوا وبذلوا جل حياتهم لخدمتها وإعلاء شأنها والإبحار في محيطاتها والغوص في مكنوناتها واستخراج بعض من صدفاتها ودررها .
حنا الفاخوري الذي كان كاتباً ومؤرخاً وأديباً وباحثاً وعلاّمة من علماء اللغة العربية المعاصرين والذي ولد في زحلة بلبنان عام 1916 والذي كتـب أكثـر من مئـة كـتاب في اللغة والأصول والإنشاء والأدب والفلسفـة والدين، واشتـهر بكتابه “تاريـخ الأدب العربي” الذي صدر سنـة 1951 وأصبـح مقرونـاً باسمه في كل أنحـاء العالم العربـي، وترجم إلى الفارسية والروسية, وكذلك كتاب “تاريخ الفلسفة العربية” , ووضع سلاسل مدرسية عديدة حول الأدب واللغة، كما حقق في الكثير من مؤلفات التراث شارحاً ومعلّقاً وعمل محاضراً في جامعات أوروبية عدة وفي مؤسسات تونسية ومغربية , ويحمل أوسمة عديدة من دول مختلفة تقديراً على إنتاجه وعطائه .
عاش متواضعاً بسيطاً بعيداً عن الشهرة والأضواء وآمن أن بين الدين والأدب خيط متين وأن الصلاة لا تنتهي والكتابة لا تزول .
رحل حنا الفاخوري عن الدنيا في 9 أكتوبر2011 عن عمر يناهز 59 عاما ودفن في بلدته زحلة في لبنان .
د. تمام حسان الذي يعتبر أمير ومجدد النحو العربي والدراسات اللغوية الحديثة وهو أحد أكبر العلماء اللغويين في العصر الحديث والذي ولد في 27 يناير عام 1918 بالكرنك بمحافظة قنا بصعيد مصر وحفظ القرآن الكريم وهو في الحادية عشرة من عمره وأسس الجمعية اللغوية المصرية عام 1972 وانتخب عضوًا بمجمع اللغة العربية عام 1980م
على مدى السنوات الطويلة لم ينقطع العطاء العلمي من تأليفٍ وترجمةٍ فألف أهم كتبه “مناهج البحث في اللغة”، و”اللغة العربية بين المعيارية والوصفية”، و”اللغة العربية معناها ومبناها”، و”الأصول والتمهيد لاكتساب اللغة العربية لغير الناطقين بها” و”مقالات في اللغة والأدب”، و”البيان في روائع القرآن” و”الخلاصة النحوية” ” اجتهادات لغوية ” “خواطر من تأمل لغة القرآن الكريم” و” مفاهيم ومواقف في اللغة والقرآن (2010)” إضافةً إلى عشرات المقالات والبحوث التي نشرت في الدوريات العربية.
كما ترجم العديد من الكتب ومنها “مسالك الثقافة الإغريقية إلى العرب” و”الفكر العربي ومكانته في التاريخ” و”اللغة في المجتمع” “أثر العلم في المجتمع” و”النص والخطاب والإجراء”.
سعت إليه الجوائز ولم يسع إليها بل ظل عاكفا في محراب علمه مستصغرا ما دونه، وكان لا يكاد يظهر في الحياة العامة إلا نادرا ولا تكاد تعرف وسائل الإعلام طريقها إليه.
توفي د. تمام حسان رحمه الله في 01 أكتوبر 2011 عن عمر يناهز 93 عاما ودفن في القاهرة .
أنيس منصور الذي كان كاتباً وأديباً وصحفياً ومفكراً وفيلسوفاً والذي ولد في قرية صغيرة بجوار مدينة المنصورة بمصر في 18 أغسطس عام 1924 وحفظ القرآن الكريم في سن صغيرة في كُتّاب القرية .
التحق بكلية الآداب جامعة القاهرة برغبته الشخصية، دخل قسم الفلسفة الذي تفوق فيه وحصل على ليسانس آداب عام 1947، وعمل أستاذا في القسم ذاته، وفي جامعة عين شمس ثم تفرغ للكتابة والعمل الصحفي في مؤسسة أخبار اليوم والإبداع الأدبي في شتى صوره. كان يجيد عدة لغات منها: العربية والإنجليزية والألمانية والإيطالية , سافر ودار الدنيا في كل اتجاه، وكتب الكثير في أدب الرحلات وله مؤلفات عديدة تزيد على 60 كتاباً بالإضافة إلى العديد من الأعمال الدرامية وبجانب تأليفه باللغة العربيّة ترجم العديد من الكتب والأعمال الأدبية إلى العربيّة. فقد ترجم أكثر من 9 مسرحيات بلغات مختلفة و 5 روايات مترجمة، و12 كتاباً لفلاسفة أوروبيين. كما ألف أكثر من 13 مسرحية باللغة العربية. حصل على العديد من الجوائز وكما حصل على الدكتوراة الفخرية من جامعة المنصورة .
أسس مجله أكتوبر وهى مجله عربيه سياسية اجتماعيه شامله كما وعمل كرئيس تحرير العديد من المجلات والصحف منها: الجيل، الأهرام , أخبار اليوم , هي، آخر ساعة، أكتوبر العروة الوثقى، مايو، كاريكاتير، الكاتب .
ظل يعمل في أخبار اليوم حتى تركها في عام 1976 ليكون رئيسا لمجلس إدارة دار المعارف ثم أصدر مجلة الكواكب. عاصر فترة جمال عبد الناصر وكان صديقا مقربا للرئيس أنور السادات .
من أشهر كتبه ومؤلفاته ” حول العالم في 200 يوم ” و” أعجب الرحلات في التاريخ ” ” اليمن ذلك المجهول ” و ” الخالدون مائة أعظمهم محمد “مترجم و” عاشوا في حياتي” و ” قالوا ” 3 مجلدات و ” الذين هبطوا من السماء ” و” في صالون العقاد ” ” أرواح وأشباح ” وغيرها العديد من الكتب والتراجم .
توفي أنيس منصور صباح يوم الجمعة 21 أكتوبر 2011 عن عمر يناهز 87 عاما ودفن في مصر الجديدة بالقاهرة .
ثلاثة من الأعلام قضوا في محراب اللغة العربية ولغة القران الكريم،أسدوا للمكتبة اللغوية والقرآنية والأدبية أمهات المؤلفات التي أصبحت مراجع ومصادر معتمدة في شتى أبوابها ومواضيعها،ولا شك أن غيابهم عن الساحة سيكون له الأثر البالغ في تاريخ العربية،ومن الصعوبة بمكان أن نجد في وقتنا الحاضر من يستطيع سد فراغهم،وعزاؤنا أن مؤلفاتهم وإسهاماتهم ستكون حاضرة في المشهد الثقافي اليوم وربما إلى زمن طويل.
نعم رحلوا بأجسادهم ولكنهم سيبقون في قلوبنا !!