هل يملك حوار الجزائر فرصة للنجاح؟
تاريخ النشر: 18/01/22 | 15:41بقلم هاني المصري
الجواب على هذا السؤال: لا كبيرة، لسبب بسيط جدًا، وهو أن الأسباب والعراقيل التي حالت دون نجاح الحوارات والاتفاقات السابقة لا تزال قائمة، بل ازدادت تجذرًا كما يلاحظ أي مراقب، ولو من بعيد.
ونظرًا للمكانة التي تحتلها الجزائر لدى الفلسطينيين يجب تجنيبها الفشل، وإذا لم يقدم طرفا الانقسام ما يكفي لإنجاحه، وهذا أكثر من واضح، فيجب الاقتصار على جولة الاستكشاف الحالية، وتنظيم حوار غير رسمي بمشاركة ممثلين عن الفصائل لإنضاج شروط النجاح، وإذا نضجت تتم الدعوة للحوار الرسمي.
يكفي للبرهنة على فقدان الفرصة للنجاح الإشارة إلى أن فريق الرئيس وحركة فتح يطرح وجهة نظر تعكس التنكر لما توصلت إليه الحوارات الاتفاقات السابقة، والدليل أنه يطالب بالموافقة على تشكيل حكومة وحدة وطنية تلتزم بالشرعية الدولية، وبما يتضمن شروط اللجنة الرباعية، وهذا ما مستحيل قبوله. ودعا – وهذا هو الأهم – من طرف واحد إلى إجراء انتخابات محلية على مرحلتين (خلافًا للقانون) من دون تشاور أو اهتمام بحركة حماس بوصفها سلطة الأمر الواقع في قطاع غزة، وبالفعل جرت المرحلة الأولى، وجاري العمل على تنفيذ المرحلة الثانية من دون مشاركة قطاع غزة، ومن دون إقدام “حماس”، ولو منفردة، على إجراء انتخابات محلية مرة واحدة في جميع القطاع.
كما دعا هذا الفريق بشكل منفرد، لعقد جلسة للمجلس المركزي لمنظمة التحرير من دون دعوة حركتي حماس والجهاد الإسلامي على غرار ما كان يفعل سابقًا، مع أنه يعرف بأن جلسة المجلس الوطني السابقة، وما نتج عنها، خصوصًا تفويض المجلس المركزي بكل صلاحيات المجلس الوطني من دون تحديد موعد لنهاية هذا التفويض، مرفوض حتى من بعض فصائل المنظمة، فهي أدت إلى تعميق الانقسام، وتقزيم المنظمة وتهميشها بصورة أكبر، ولو عقدت الجلسة قبل الاتفاق فهي إشارة سلبية للغاية.
ولا نستطيع فصل ما سبق عن انتعاش الأوهام والرهانات السابقة عن إمكانية استئناف المفاوضات وإحياء ما سمي عملية السلام بعد فوز جو بايدن، رغم الصدمات التي تلقتها القيادة المتنفذة طوال العام الماضي، والتي أثبتت أن المطروح حاليًا هو “السلام الاقتصادي” لا أكثر ولا أقل، واختارت التعاطي معه كما يظهر في قبولها بخطة بناء الثقة، ودعوتها إلى العودة للالتزامات والاتفاقات السابقة، واللقاءات التي عقدها الرئيس ومعاونوه مع وزير الحرب الإسرائيلي وغيره، والتي انتهت ببعض التسهيلات والإجراءات التي صبت في الإجمال في خدمة بعض الأفراد والشرائح ضمن معادلة بقاء السلطة ومنعها من الانهيار، مقابل مزيد من التعاون والتنسيق الأمني للحؤول دون تواصل وتعاظم المقاومة في الضفة إلى مستويات لا يمكن السيطرة عليها.
في المقابل، نرى أن “حماس” رغم بداية نزولها عن رأس الشجرة العالية التي صعدت إليها بعد معركة سيف القدس واعتقادها أنه حان أوان قيادتها للسفينة الفلسطينية ، وطرحت مقاربة تتجاوز الاتفاقات السابقة والبدء من منظمة التحرير وتحقيق الشراكة فيها، عبر تشكيل قيادة مؤقتة، وتعيين مجلس وطني بالتوافق والمحاصصة لمدة سنتين، إلى أن انتهت بطرح وجهة نظر متناقضة تتبنى من جهة مقاربة إجراء الانتخابات الشاملة، ورفضت على هذا الأساس السماح بإجراء الانتخابات المحلية في القطاع، مع أنها سمحت لأعضائها بالمشاركة في الانتخابات المحلية في الضفة.
وتطالب من جهة أخرى بالاتفاق على كيفية تحقيق الشراكة في منظمة التحرير، وتتجاهل مسألة سيطرتها الانفرادية على قطاع غزة.
وتتعاطى من جهة ثالثة، بدلًا من طرح رؤية شاملة وتشكيل جبهة وطنية عريضة تقدم نموذجًا على الشراكة ونزاهة الحكم، مع معادلة تهدئة مقابل اقتصاد وتخفيف الحصار، ما يفتح الطريق بقصد أو من دون قصد لقيام كيان منفصل، وليس دولة في القطاع.
أما الفصائل الأخرى فهي مشتتة، ولا تسمح لها أوزانها بشكل منفرد بأن تكون قطبًا ثالثًا مهمًا، فتوافق على ما يتفق عليه طرفا الانقسام إذا اتفقا، وتطرح عند الخلاف بخجل وجهات نظر تتقاطع إما مع وجهة نظر “حماس” في بعض البنود، مثل البدء في ملف منظمة التحرير، أو تتقاطع مع وجهة نظر الرئيس و”فتح” بالدعوة إلى عقد المجلس المركزي المختلف عليه، مع دعوة حركتي حماس والجهاد للمشاركة فيه كفصائل معترف بها.
أسباب ودلالات تأجيل المجلس المركزي
لقد أُجّل عقد المجلس المركزي إلى موعد غير محدد، وهذا يعود إلى أسباب عدة:
أولًا: أن الإدارة الأميركية نصحت بتأجيل جلسة المركزي، لأن عقدها سيزيد الموقف تعقيدًا، ويضرّ بالعلاقات الجديدة بين السلطة وحكومة نفتالي بينيت، وذلك ردًا على رسالة من الرئيس لإدارة بايدن يخبرها فيها عن عزمه عقد المجلس المركزي، وإقرار الخيارات الجديدة في ضوء خطابه بالأمم المتحدة في أيلول الماضي، وهذا الرد الأميركي متوقع جدًا، وحال مرسل الرسالة يشبه من يهدد بالانتحار، أو يهدد بالدخول إلى المواجهة ويستنجد بالآخرين لمنعه، بمن فيهم من يقف في صف عدوه.
ثانيًا: أن السبب المباشر والأهم الذي يقف وراء الدعوة هو سد الشواغر التي حصلت بعد وفاة صائب عريقات واستقالة حنان عشراوي، وستحصل بعد تقديم سليم الزعنون لاستقالته من رئاسة المجلس الوطني، وعلى خلفية التنافس الكبير المشتعل بين قيادة “فتح” على من يشغل هذه المناصب، والتنافس على هيئة مكتب رئاسة المجلس، خصوصًا بين الفصائل الأخرى على منصب نائب رئيس المجلس في حال مقاطعة الجبهة الشعبية التي تشغل هذا المنصب.
ثالثًا: أن جولة وفد “فتح” في سوريا ولبنان لم تنجح، ليس إلى حد – كما روّج – بأن الفصائل أبلغت رفضها المشاركة كما تردد في الإعلام، بل لم تحسم موقفها مفضلة الانتظار قبل اتخاذ القرار مع ميل بعضها إذا لم يظهر جديد غير متوقع للمقاطعة، وميل البعض الآخر للمشاركة.
مبادئ لوضع خطة عمل
لا بد من وضع مبادئ ومنطلقات عدة إذا أردنا النجاح في إنجاز الوحدة:
المبدأ الأول: يجب أن تقوم الوحدة الوطنية المطلوبة على أسس وطنية وديمقراطية توافقية وشراكة حقيقية، على أساس توازن القوى والمصالح والمبادئ، وخروج الجميع منتصرًا بصيغة “لا غالب أو مغلوب”.
وبناء على ما سبق، من يتصور أنه قادر على الاستحواذ بالقيادة والمؤسسات والقرار والوظائف والمكاسب وحده، وأنه قادر على إقصاء الآخرين أو منحهم حصة صغيرة لا تتناسب مع وزنهم الحقيقي لا يريد وحدة، بل يشكل عقبة كأداء في طريقها، وهدفه الانفراد والتفرد بحصته في المنظمة والسلطة بالضفة أو بغزة على طريق السيطرة عليهما معًا.
المبدأ الثاني: يجب أن تتحقق الوحدة استنادًا إلى رؤية شاملة تنطلق من وحدة القضية والشعب والأرض، وتنهي حالة التقزيم والتجزئة التي أوصلنا إليها أوسلو والتزاماته.
المبدأ الثالث: من المستحيل إقامة الوحدة على أساس المسارات القديمة، خصوصًا مسار أوسلو، الذي تجري محاولات فاشلة حتمًا لإعادة إنتاجه باستمرار؛ مسار المفاوضات والتسوية رغم عدم وجود شريك إسرائيلي من دون مقاومة ولا تغيير في موازين القوى، ومن يحاول ذلك إما واهم، أو مخادع، والنتيجة واحدة، فهو لا يريد وحدة، والأهم لا يريد شراكة.
ومن يتصور أن إستراتيجية المقاومة، خصوصًا المسلحة الأحادية من دون برنامج سياسي وأهداف يمكن تحقيقها، قادرة على إنجاز الوحدة، إما واهم، أو مخادع، وهو لا يريد وحدة ولا شراكة.
المبدأ الرابع: يتمثل مدخل الوحدة في تنظيم حوار وطني شامل يشارك فيه ممثلون عن مختلف التجمعات والقطاعات والمجموعات الجديدة، خصوصًا من الشباب والمرأة، فبقاء القديم على قدمه من دون تجديد وتغيير وبلا إضافة أشخاص وأفكار ومقاربات جديدة سينتهي إلى نفس النتائج.
فالحوار الذي يستجيب للضرورة الوطنية لا يعيد إنتاج الحوارات والاتفاقات السابقة مع الأخذ بكل ما هو مفيد وصحيح بها، بل يضع على جدول أعماله المواضيع المسكوت عنها، مثل أين تقف القضية الفلسطينية اليوم، وما التحديات والمخاطر التي تواجهها والفرص المتاحة، وإلى أين نريد أن نصل، وكيف نحقق ما نريد؟ أي بأي أشكال عمل ونضال من دون استبعاد أي شكل، ومن دون تقديس أي شكل، فكلها وسائل لتحقيق الأهداف الوطنية التي يجب أن تتحدد بوضوح، فلا يكفي القول مقاومة وتحرير وعودة وتقرير المصير، ولا الحركة بركة وإنجاز شيء أفضل من لا شيء، وليس بالإمكان أبدع وأفضل مما كان، بل يجب وضع أهداف قريبة ومتوسطة وبعيدة، وتوفير مستلزمات تحقيقها.
أي حوار وطني يجب أن يخرج بخطة عملية تستند إلى بلورة رزمة شاملة تأخذ مصالح واحتياجات كل الأطراف، وتهدف أساسًا إلى تحقيق المصلحة الوطنية، وتشمل البرنامج الوطني، بما يتضمن المقاومة والمفاوضات ضمن إستراتيجية وقيادة ومؤسسة وطنية واحدة، وتوقف التعامل مع المفاوضات أو المقاومة كقطاع خاص بهذا الفرد أو ذاك الفصيل، وتعالج كيفية إعادة بناء المنظمة، وتعريف السلطة وتغييرها، والانتخابات كمعركة ضد الاحتلال، إضافة إلى معالجة آثار الانقسام، فمثلًا لا بد من وضع خطة للتخلص من أوسلو والتزاماته وليس اتخاذ قرارات لفظية بالإلغاء لا تملك أي آلية ولا نية للتنفيذ.
وهنا يجب أن تكون أهداف الشعب في هذه المرحلة تتناسب مع الواقع، وأقصى ما يمكن تحقيقه من دون التخلي عن الحقوق الطبيعية والتاريخ والقانون والهدف النهائي، والإدراك بأن تغيير البرنامج المعتمد منذ عشرات السنين ليس سهلًا، وبحاجة إلى تحضير وعملية تاريخية وهو ليس قرارًا فلسطينيًا فقط.
إن إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة هو المدخل من أجل الكفاح لإنجاز البرنامج الثلاثي الأبعاد، الذي يهدف إلى دحر الاحتلال وإنجاز الاستقلال الوطني، ورفع الحصار عن قطاع غزة، وإنجاز الحقوق المدنية والمساواة الفردية والقومية لشعبنا في الداخل، والحفاظ على الهوية الوطنية والحقوق المدنية وحق العودة لشعبنا في الخارج، إذ تكون هذه المكونات هي البرنامج الوطني للشعب في جميع أماكن تواجده، مع تركيز كل تجمع على أولويته الخاصة.
لقد برهنت التجارب الماضية على عدم إمكانية قبول “فتح” لدخول “حماس” إلى المنظمة لتكون شريكًا كاملًا فيها، وهي تواصل سيطرتها الانفرادية على قطاع غزة، ومن دون اعتماد برنامج وطني واقعي قادر على التحليق دوليًا بعيدًا عن شروط اللجنة الرباعية الدولية، كما لا يمكن للسلطة أن تعيد سيطرتها على القطاع في ظل الاستمرار في التفرد بالقرار وبالمؤسسة من الرئيس، فالقرار يجب أن يتخذ جماعيًا ويحترمه الجميع، لذلك فإن حل الرزمة الشاملة التي تطبق بالتوازي والتزامن هو الحل الذي لم يجرب، ويملك فرصة كبيرة للنجاح، ولكنه بحاجة إلى رافعة فلسطينية لا تزال مفقودة، تقوم بحشد كل الحريصين على الوحدة والضغط المتراكم على طرفي الانقسام، وتعمل لكي تسندها روافع عربية وإقليمية ودولية. فالعقبة أمام الوحدة لم تكن البلد المضيف للحوار، بل هناك أسباب داخلية وخارجية، أهمها الاحتلال.
إن الجزائر ومصر وكل من يحرص على الوحدة يستحق أن يستضيف حوارًا له فرصة حقيقية بالنجاح.