مراجعة لكتاب “الحركة الوطنية والثقافية في الناصرة” للباحث والمؤرخ خالد عوض
بقلم: شاكر فريد حسن
تاريخ النشر: 23/01/22 | 14:31أهداني مشكورًا المؤرخ والباحث في التراث خالد عوض كتابه التوثيقي الجديد “الحركة الوطنية والثقافية في الناصرة- من خلال أوراق خوري البلد سمعان نصار، الصادر عن جمعية السباط للحفاظ على التراث، والمطبوع في مطبعة الحكيم العريقة في الناصرة.
جاء الكتاب في 172 من الحجم الكبير والورق الأبيض الصقيل وغلاف مقوى وطباعة فاخرة، وهو من تصميم وإخراج سامر عيساوي، وخطّ الغلاف ريحان تيتي، ومراجعة الأستاذ فتحي فوراني، ودققه لغويًا الأستاذ عطاللـه جبر، وأهداه إلى أولئك النصراويين الذين حملوا هموم مدينتهم المقدسة عندما دعاهم الواجب الوطني والمسؤولية التاريخية للحفاظ على تراثها وتثبيت هويتها الوطنية.
في مستهل الكتاب نقرأ كلمة مجلس الطائفة الارثوذكسية في الناصرة، وكلمة الأديب فتحي فوراني، الذي يشيد بالكتاب ومؤلفه خالد عوض، ويعرفنا على سمعان نصار، حيث يذكر انه كان كاهنًا دينيًا ومثقفًا علمانيًا وقائدًا وطنيًا تقدميًا وزعيمًا سياسيًا وخطيبًا مفوهًا وحارسًا لمدينة البشارة، يزين صفحة وطنية مكتوبة بماء الذهب في السجل التاريخي لوطن الآباء والأجداد.
ثم تأتي مقدمة الباحث صاحب الكتاب خالد عوض، الذي يشير إلى أن سمعان نصار كان إبان الانتداب البريطاني شخصية تميزت بحضورها الاجتماعي الوطني والثقافي، في مرحلة كانت الناصرة تعيش واقعًا سياسيًا مريرًا وبغيضًا. ويذكر عوض انه في ظل هذه الأوضاع والظروف المضطربة كان سمعان نصار يعمل وكيلًا لأهم صحيفتين في البلاد، هما “فلسطين” و”الدفاع”، ومما يثبت ذلك وجود مجموعة من الرسائل والمراسلات الخطية بين أوراق نصار، التي يثبتها في الكتاب، وهي مراسلات بينه وبين إدارة الجريدة ممثلة بمديرها شوكت حمّاد.
والرسالة الأولى التي اعتمدها عوض في بحثه مؤرخة العام 1934، وهو العام الذي صدر فيه العدد الأول من صحيفة “الدفاع” القريبة فكريًا وسياسيًا من معسكر الحاج أمين الحسيني.
ومن خلال مسيرة الخوري سمعان نصار، يحاول خالد عوض تقديم صورة حقيقية بلا زيف عن شخصية نصراوية أحبها كلّ من عرفها، إذ أنه لم يرث عن أبيه سوى العلم والكرامة وعزة النفس.
يقسم خالد عوض كتابه إلى خمسة فصول، الفصل الأول ويتحدث فيه عن الجذور التاريخية لعائلة نصار، ويستعرض السيرة الذاتية للأب سمعان نصار، الوطني الصادق.
وفي الفصل الثاني يتطرق للصحافة الفلسطينية إبان الانتداب البريطاني ودورها في نشر الوعي الوطني والسياسي والفكري وبلورة الحركة الوطنية الفلسطينية، ويشير إلى جريدة الدفاع كنموذج، ويقدم رسائل سمعان نصار لإدارة الدفاع وردها عليه.
في حين يتحدث الفصل الثالث عن الصراع الفلسطيني الصهيوني، وتشكيل اللجان القومية والنقابات العمالية، وعلى رأسها جمعية العمال العربية الفلسطينية، التي تعتبر من أبرز النقابات التي ظهرت في فلسطين قبل العام 1948، فيشير إلى أن النهضة الثقافية والأدبية في الناصرة جاءت متأخرة بعض الشيء، إذا ما قارناها بالمدن الرئيسية الأخرى، مثل يافا وحيفا والقدس ونابلس، موضحًا أن غالبية المؤسسات الثقافية لمدينة الناصرة كانت قد تبلورت في أواخر الثلاثينات واوائل الأربعينات، وتم تأسيس الأندية الثقافية والترفيهية والمؤسسات والجمعيات الخيرية والأطر السياسية كنوع من أنواع التمدن والوعي السياسي، ويقدم ملحقًا من أوراق خوري البلد سمعان نصار المتعلقة بصندوق الأمة، اللجنة القومية وجمعية العمال العرب في الناصرة.
أما الفصل الرابع فيتناول الحركة التعليمية والثقافية في الناصرة، ويحكي عن المدارس والأندية الثقافية ودور السينما في عهد الانتداب في فلسطين.
والفصل الخامس والأخير فيضم مقتطفات من كراسة تأبين طيب الذكر الايقونوس سمعان نصار، وملحق الصور الفوتوغرافية، وقائمة المراجع والمصادر التي اعتمدها في اعداد وتحقيق هذا البحث.
تجدر الإشارة إلى أن مؤلف الكتاب خالد عوض كاتب وباحث ومؤرخ نصراوي، له عدة إصدارات في مجالي التراث والتاريخ، أسس متحف التراث الفلسطيني في الناصرة- البلدة القديمة، وشرع في تأسيس الأرشيف الفلسطيني في الداخل، وهو من مؤسس جمعية السباط المسجلة الساعية للحفاظ على الثقافة والتراث، ويعكف منذ سنوات على إنجاز الموسوعة الفلسطينية المصورة لمدن فلسطين التاريخية.
نرحب بكتاب خالد عوض عن “الحركة الوطنية والثقافية في الناصرة”، الذي يكتسب أهمية بالغة، كونه وثيقة تاريخية ومنجز بحثي وعمل توثيقي وطني هام ومجهود متميز ومبارك عن شخصية دينية وأيقونة ثقافية وإعلامية ورمز من رموز الناصرة المناضلة والمكافحة دفاعًا عن الهوية القومية، وضد عمليات التطهير العرقي والتاريخي والحضاري. إنه كتاب يسجل ويوثق سيرة ومسيرة سمعان نصار وغيره من الشخصيات الوطنية والاعتبارية، الذين قادوا العمل الوطني وحافظوا على نسيجها الاجتماعي متماسكًا متراصًا، وساهموا في تأسيس وتطوير الحركة الوطنية والثقافية في الناصرة.
أجمل تحيات التقدير للأخ الباحث خالد عوض، ونرجو له دوام العطاء وسبر أغوار تاريخ مدينته المقدسة، الناصرة، وبانتظار المزيد من الإصدارات والمنجزات البحثية.