الماركسيون العرب وأحلامهم المجهضة
بقلم: شاكر فريد حسن
تاريخ النشر: 27/01/22 | 8:25ظهرت في العالم العربي العديد من الأجندات والحلقات والمنتديات الماركسية، التي وقف من ورائها مثقفون ومفكرون ونخبويون ارتبطوا بأحزاب ثورية وماركسية مختلفة أو كانوا خارجها أو مستقلين عنها، وساهموا بشكل كبير في تعميق وترسيخ الاتجاه الماركسي في الفكر العربي المعاصر والحياة السياسية والفكرية العربية، ونشر الأفكار التقدمية اليسارية والعقلانية والمبادئ الثورية النقيّة والقيم الجمالية والديمقراطية بين صفوف الطبقة العاملة العربية والجماهير العمالية، والكادحين والفلاحين في الأرياف، وبين فقراء المدن.
ومن أبرز ممثلي التوجه الماركسي في الفكر العربي الحديث بتلويناتها المختلفة، من الأموات والأحياء نذكر كلاً من: رئيف خوري والياس مرقص وياسين الحافظ وحسين مروة وحسن حمدان(مهدي عامل) وهادي العلوي وميشال كامل وأميل توما وأميل حبيبي ومحمود أمين العالم وعبد العظيم أنيس وعزيز العظمة والطيب تيزيني وكريم مروة وفخري كريم وجورج حاوي ومحمد دكروب وحسين عبد الرازق ورفعت السعيد ولطيفة الزيات وفريدة النقاش وفواز طرابلسي وفالح عبد الجبار وسمير أمين وصادق جلال العظم وفيصل دراج وبشير البرغوثي وجورج حبش ونايف حواتمه وغيرهم.
أما أهم المجلات والأدبيات الفكرية التي عملت ودأبت على نشر اسهامات الماركسيين العرب فكانت مجلة” الطريق” اللبنانية التي أسسها انطون سعادة، ومجلة” النهج” دفاتر الماركسية في العالم العربي.
وفي واقع الأمر أن الماركسية العربية ازدهرت وسطع نجمها وألقها في ستينيات القرن الماضي وغدت موضة العصر آنذاك، حيث انخرطت في الحركة الماركسية العديد من المجموعات والمنظمات والتيارات القومية والايديولوجية، وقد واجه الماركسيون العرب وجابهوا معضلات كثيرة بسبب آرائهم ومواقفهم وكتاباتهم الحادة وتبنيهم أيديولوجيا مغايرة لما هو سائد، فكرًا عملاقًا وخلاّقًا، في ظروف غياب وانعدام الحريات الديمقراطية وتفاقم القمع الفكري والمؤسساتي وتضييق الخناق على الهامش الديمقراطي وعلى حرية الفكر والابداع، وكذلك استبداد السلطة السياسية بالعقل الحر المتنور والمبدع وزجها بمجموعة كبيرة من الماركسيين واليساريين والقوميين العرب المناهضين لسياستها، في غياهب السجون والزنازين.
وعالج الماركسيون العرب القضايا المحورية والمسائل المصيرية والرئيسية لعصرنا، التي يتوقف عليها مستقبل الحضارة الانسانية، بوحي التعاليم الماركسية وحسموا موقفهم من مسألة الانحياز الى الحداثة والمعاصرة والعلمانية وترسيخ مفهوم الديمقراطية الاجتماعية الحقة، والتصدي للأفكار السلفية المتزمتة المتعصبة والمتحجرة والمساهمة في نشر الدعوة لوقف الحروب وارساء التعايش السلمي بين شعوب العالم قاطبة، كما وقدموا الأجوبة الشافية لأسئلة العصر الكبرى واشكاليات الواقع.
ولا جدال في أن تهادي المشروع النهضوي والنكسة الحضارية التي خلقت فراغاً ثقافياً وفكرياً مقروناً بنفسية محبطة استسلمت للهزيمة، ناهيك عن انهيار الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية، وركود الواقع العربي ازاء التغيرات والتبدلات البالغة الأثر، وضعف التقاليد الديمقراطية في الحياة الحزبية العربية، وفي مقدمتها مبدأ النقد والنقد الذاتي، وعدم تمكن أحزاب اليسار الديمقراطي من أيجاد حلول لقضايا الجماهير المطحونة والجائعة.
كل ذلك أدى الى اهتزاز القناعات وانحسار وتراجع الفكر الماركسي واجهاض أحلام المثقفين والمبدعين والماركسيين على امتداد الساحة العربية، وكان باعثاً على حالات الاحباط والقنوط لدى النخب المثقفة والعامة على حد سواء، واجترارهم اللوعة والحسرة على أيام الصبا العربي والماضي الجميل، والحزن والأسى على الصورة التراجيدية الحالكة للحالة العربية الراهنة، وانقطاع الرجاء في الوصول، من واقع يتردى ولا يبعث بصيص أمل لديهم.
ومن نافل القول في النهاية، ان الماركسيين العرب أشهروا سلاح العلم والمعرفة والحضارة وامنوا بأن المعرفة والوعي هما ثروة الانسان، وقدموا للثقافة والحياة السياسية والفكرية العربية ارثاً فكرياً وعلمياً وثقافياً وحضارياً، وانتهجوا السياسة العلمية المدروسة والممنهجة. ولا ريب أن هناك ضرورة لبلورة فكرية جديدة للاتجاه الماركسي العربي، وصياغة المفاهيم السياسية من جديد وملاءمتها للواقع المتغيّر وبلورة المفاهيم الاجتماعية للحاضر الدينامي ورؤية المستقبل المؤكد بالانطلاق من الحقائق الراسخة والثابتة في مجال الفكر والسياسة والايديولوجيا، وآن الأوان لكي يعيش المثقف الايديولوجي في أوطان غير مزيفة ونظم ديمقراطية حقيقية.