وَفاءً وَلَيْسَ رِثاءً- شِعْرُ: الشَّاعِرُ العَروضِيُّ مَحْمودُ مَرْعي
تاريخ النشر: 31/01/22 | 7:44{وَفاءً لِحارِسِ الذَّاكِرَةِ الفِلَسْطينِيَّةِ وَحامِلِ الرِّوايَةِ الشَّفَهِيَّةِ لِنَكْبَةِ شَعْبِنا، الباحِثِ
وَالـمُؤَرِّخِ الفِلَسْطينِيِّ جِنْسِيَّةً، الـمَشْهَدِيِّ وِلادَةً وَإِقامَةً وَوَفاةً، الخالِ جَميلِ قاسِمِ
عَرَفات/تَغَمَّدَهُ اللهُ بِواسِعِ رَحْمَتِهِ، وَجَعَلَ الجَنَّةَ مُسْتَقَرَّهُ وَمَثْواهُ}
هَزَّ النَّعِيُّ نِياطَ القَلْبِ إِذْ هَتَفَا.. وَالحُزْنُ فارَ وَدَمْعُ العَيْنِ قَدْ وَكَفَا
وَزُلْزِلَ الصَّبْرُ مِنْ أَرْكانِهِ وَغَدَتْ.. مِنْهُ القَواعِدُ آثارًا، فَقَدْ نُسِفَا
وَالخَطْبُ طَمَّ، وَلَيْلٌ عَمَّ مَشْهَدَنا.. قَدْ حَطَّ بَعْدَ أَذانِ العَصْرِ وَاعْتَكَفَا
وَالكُلُّ تَفْزَعُ لِلتَّشْكيكِ أَنْفُسُهُمْ.. رَغْمَ اليَقينِ بَأَنَّ الـمَوْتَ دونَ شِفَا
وَالـمَوْتُ ضَيْفٌ عَلى الدُّنْيا إِقامَتُهُ.. مِنْ بَدْئِها لِنُشورِ الخَلْقِ، ما اخْتَلَفَا
لـَمْ يَنْجُ مِنْ أَزَلٍ مِنْ ضَمِّهِ سَلَفٌ.. وَلا إِلى أَبَدٍ يُبْقي بِها خَلَفَا
أَبو الجَميعِ مَضى، لَبَّى النِّداءَ، ثَوى.. في بَطْنِ مُوحِشَةٍ، فَرْدًا كَمَنْ سَلَفَا
لٰكِنْ تَظَلُّ وَراءَ الـمَيْتِ سيرَتُهُ.. تُحَدِّثُ الخَلْقَ عَمَّا حازَ وَاقْتَطَفَا
إِنْ كانَ خَيْرًا، يُعَظَّمْ ذِكْرُهُ شَرَفًا.. أَوْ كانَ شَرًّا نَبَتْ عَنْ ذِكْرِهِ الشُّرَفَا
لٰكِنَّ خالي زَكا فَرْعًا، زَكا ثَمَرًا.. مَنْ حازَ رُتْبَتَهُ، فَوْقَ النُّجومِ غَفَا
وَهْوَ الجَميلُ، وَلَنْ نُوفي جَمائِلَهُ.. شُكْرًا، فَذو السَّبْقِ لَمْ يُدْرِكْهُ مَنْ خَلَفَا
قَدْ كانَ مَنْزِلُهُ بَيْتًا لِزائِرِهِ.. لَـمْ يُغْلِقِ البابَ في وَجْهٍ وَلا صَدَفَا
زُوَّارُهُ مِنْ بِقاعِ الأَرْضِ قَدْ وَفَدوا.. ذو الشَّيْبِ قَبْلَ شَبابٍ عِلْمَهُ غَرَفَا
كانَتْ أَحاديثُهُ عِلْمًا وَمَعْرِفَةً.. يَشْتارُ مِنْها الجَميعُ الشَّهْدَ ما نَطَفَا
يَشيعُ بَيْنَهُما ضَحْكٌ وَتَسْلِيَةٌ.. فَلا يَمَلُّ جَليسٌ مِنْهُ ما رَشَفَا
إِذا تَحَدَّثَ في التَّاريخِ تَحْسَبُهُ.. قَدْ حازَ أَطْرافَهُ، لَـمْ يَخْتَصِرْ طَرَفَا
وَإِنْ تَحَدَّثَ عَنْ عِلَّاتِ مُجْتَمَعٍ.. فَهْوَ الخَبيرُ بِها حَلًّا، وَكَمْ وَصَفَا
ماذا نُحَدِّثُ عَمَّنْ كانَ والِدَنا.. مُنْذُ الطُّفولَةِ، يَرْعانا وَما جَنَفَا
كَمْ ضاقَ مِنْ نَزَقٍ تُمْلي شَقاوَتُنا.. وَعادَ بَعْدُ، عَلى رَغْمِ الأَذى، عَطَفَا
قَدْ كانَ يَرْعى لَنا أَحْلامَنا كَأَبٍ.. يُريدُ أَبْناءَهُ أَرْقى الَّذي عَرَفَا
لَمْ يَأْلُ جُهْدًا وَلَمْ يَبْخَلْ بِحِكْمَتِهِ.. وَالنُّصْحِ، وَالوَعْظِ، وَالتَّحْفيزِ مُؤْتَلِفَا
وَهَلْ نُحَدِّثُ عَنْ أُسْتاذِ مَدْرَسَةٍ.. وَالكُلُّ مِنْ كَوْثَرٍ أَجْرى قَدِ اغْتَرَفَا
أَمْ عَنْ مُديرٍ يَقودُ النَّشْءَ في ثِقَةٍ.. يُمَهِّدُ الدَّرْبَ يَجْلو الـمَنْهَلَ الأُنُفَا
أَمِ الـمُؤَرِّخِ يُحْيي ذِكْرَ نَكْبَتِنا.. يُعيدُ مِنْ صُحُفِ التَّاريخِ ما اخْتُطِفَا
يَمْحو الـمُزَيَّفَ ما بَيْنَ السُّطورِ كَما.. يَخُطُّ ما أَمْلَتِ الأَحْداثُ مُنْتَصِفَا
لِشَعْبِهِ وَقُرًى قَدْ هُجِّرَتْ وَغَدَتْ.. أَطْلالَ رَسْمٍ، مَحَتْ كَفَّا مَنِ اقْتَرَفَا
عَنِ الـمَجازِرِ لَمْ تَبْرُدْ حَرارَتُها.. وَعَنْ دَمِ الأَهْلِ فَوَّارًا، وَما نَشَفَا
في كُلِّ رُكْنٍ مِنَ الأَوْطانِ مَجْزَرَةٌ.. ما كانَ آخِرُها ما سَتْرُهُ انْكَشَفَا
كَمْ في الـمَرابِعِ مِنْ طَنْطورَةٍ خَفِيَتْ.. وَلَمْ تَزَلْ يَجْهَلُ الأَبْناءُ رُكْنَ خَفَا
عَنِ الرِّوايَةِ تَدْوينًا يُخَلِّدُها.. رَغْمَ الأَثيمِ الَّذي إِخْفاءَها احْتَرَفَا
وَلِلرِّوايَةِ سِفْرٌ طَيَّ أَرْشَفَةٍ.. وَآخَرٌ بِصُدورٍ فَوْقَ ما عُرِفَا
رَواهُ مَنْ عايَشَ الأَهْوالَ، كابَدَها.. وَذاقَ طَعْنَتَها غَدْرًا، وَكَمْ نَزَفَا
أَوِ الـمُهَجَّرُ أَمْسى غَيْرَ ذي وَطَنٍ.. وَعادَ في الأَرْضِ ضَيْفًا حَيْثُما وَقَفَا
يَرْنو لِـماضٍ وَأَوْطانٍ غَدَتْ أَثَرًا.. مِنْ بَعْدِ عَيْنٍ، وَلَمْ يُسْعِفْهُ ما ذَرَفَا
أَمامَهُ التِّيهُ وَالأَعْداءُ تَطْلُبُهُ.. أَمْسى عَلى سَفَرٍ ما جَفْنُهُ طَرَفَا
تَدَرَّعَ الصَّبْرَ وَاسْتَجْلى صَلابَتَهُ.. وَاسْتَطْلَعَ الفَجْرَ يُنْهي التِّيهَ وَاللَّهَفَا
لَـمْ يَأْتِهِ نَبَأٌ عَنْ فَجْرِ عَوْدَتِهِ.. وَكَمْ أَتَتْهُ وُعودٌ ساقَها العُرَفَا
إِنَّ الحَديثَ شُجونٌ في تَشَعُّبِهِ.. وَفي الجِميلِ شِعابُ القَوْلِ شِعْبُ صَفا
وَسالِكوهُ عَلى الأَيَّامِ يَشْحَنُهُمْ.. سِفْرَ الصُّمودِ، عَلى رَغْمِ الَّذي حَذَفَا
يَظَلُّ دَيْدَنُهُمْ في العُمْرِ عَوْدَتَهُمْ.. لا يُخْلِفونَ وُعودًا أُسْلِفَتْ لِوَفَا
وَالسَّيْرُ في الأَثَرِ الأَعْلى لَهُمْ شَرَفٌ.. وَالسَّيْرُ في الَأَثِر الأَدْنى رَدًى رَدِفَا
وَالخالِدونَ بِما أَسْدوهُ قُدْوَتُهُمْ.. هُمُ الـمَنارُ إِذا ما الـمَوْجُ قَدْ عَصَفَا
وَالخالِدونَ وَإِنْ أَجْسامُهُمْ رَحَلَتْ.. باقونَ ما بَقِيَ العِرْفانُ أَوْ عَرُفَا
هُمُ الكَواكِبُ لِلسَّارينَ قَدْ سَطَعَتْ.. تَهْدي وَتُهْدي بَريقًا ما أَضاءَ نَفى
أَبا رِياضٍ وَكَمْ أَسْلَفْتَ خالِدَةً.. بِغُرَّةِ الدَّهْرِ، تَكْسو هامَهُ أَنَفَا
مُعَلِّمَ الجيلِ إِصْرارًا عَواقِبُهُ.. زَحْفَ الدَّياجِرِ ما واجَهْتَهُ كُسِفَا
حَمَلْتَ وَحْدَكَ أَعْباءً بِلا كَلَلٍ.. عَلى فِلَسْطينَ مِنْكَ الجُهْدُ قَدْ وُقِفَا
تُحْيي الدَّوارِسَ مِنْ رَبْعٍ وَمِنْ طَلَلٍ.. كانَ الزَّواحِفُ قَدْ أَغْروا بِها التَّلَفَا
فَأَشْرَقَتْ صُحُفًا تُزْجي مَآثِرَها.. تَنْفي مَزاعِمَ جِلْفٍ زَوَّرَ الصُّحُفَا
تَجْلو الحَقائِقَ تَنْفي زيفَ غاصِبِها.. كَالشَّمْسِ تَنْفي إِذا ما لاحَتِ السُّدَفَا
جُبْتَ البِلادَ وَزُرْتَ الأَهْلَ في وَطَنٍ.. وَفي الشَّتاتِ، كَرامٍ أَدْرَكَ الهَدَفَا
مِنْ حُرِّ مالِكَ قَدْ أَنْفَقْتَ في سَرَفٍ.. وَلَمْ تُطِعْ رَأْيَ مَنْ قَدْ أَنْكَرَ السَّرَفَا
أَنْجَزْتَ ما عَجِزَتْ عَنْ مِثْلِهِ فِرَقٌ.. شِعارُكَ البَذْلُ، لَـمْ تَنْظُرْ لِـمَنْ حُسِفَا
حَتَّى إِذا بَلَغَ التَّسْيارُ غايَتَهُ.. وَالشَّمْسُ مالَتْ وَقالَتْ: قَدْ كَفى وَوَفى
تَرَجَّلَ الفارِسُ الطَّوافُ وَانْتَحَبَتْ.. حَتَّى الحِجارُ أَسًى، وَاسْتَبْكَتِ الشُّرَفَا
فَنَمْ قَريرًا هَنِيًّا سَيِّدًا عَلَمًا.. أَدَّى الرِّسالَةَ حُرًّا، حازَ مُزْدَلَفَا
وَحَوْلَكَ النُّجُبُ الأَخْيارُ تَعْرِفُهُمْ.. عِنْدَ التَّبَسُّمِ، سِيما السَّادَةِ الحُنَفَا
ما قُمْتُ أَرْثيكَ، يا خالي، فَسيرَتُكُمْ.. فَوْقَ الرِّثاءِ، وَذِكْرُ الخالِدينَ كَفى
وَلا عَدَلْتُ بِأَفْكاري وَلا خَطَرَتْ.. في البالِ مَرْثِيَةٌ، فَالقَلْبُ ما كَلِفَا
بَلْ جِئْتُ أَسْرُدُ بَعْضًا مِنْ مَآثِرِكُمْ.. وَما تَرَكْتَ لَنا، دَوْحًا غَدا وَرِفَا