حكايتي مع المثل: “إن لم تكن ذئبًا أكلتك الذئاب”
د. محمود أبو فنّه
تاريخ النشر: 31/01/22 | 15:05(من سيرتي الذاتيّة)
د. محمود أبو فنّه
سمعتُ ذلك المثل وباللهجة المحكيّة قبل أكثر من خمسة عقود، كنتُ حينها حديث التخرّج من الجامعة في القدس في موضوعَي اللغة العربيّة وآدابها، وموضوع تاريخ العالم الإسلاميّ ومزوّدًا بشهادة تدريس للمرحلة فوق الابتدائيّة، وأقوم بمحاولات جادّة وأطرق الأبواب للحصول على وظيفة مدرّس في إحدى المدارس الثانويّة.
وشاءت الظروف أن التقيت بأحد المسنّين في بلدتنا العامرة كفر قرع، ودار بيننا الحديث حول محاولاتي للوصول إلى تحقيق غايتي، فوجّه لي نصيحة نابعة من تجربته في الحياة قائلًا:
يا بنيّ، اسمع نصيحتي: “كون ذيب وإلّا أكلتك الذياب!”.
فاجأتني النصيحة، ورحتُ أردّدها لنفسي وأتساءل عن دلالتها وأبعادها، وتدريجيًّا وضحت لي الصورة:
الرجل الناصح يريدُني أن أتنازل عن آدميّتي وإنسانيّتي ومبادئي، وينصحني أن ألجأ إلى الاستئذاب، يريدُني أن أتشبّه بسلوكي بالذئاب المراوغة المخادعة المفترسة لأحصل على مبتغاي، وإلّا رحتُ ضحيّة سهلة للشرّيرين فاقدي المبادئ والقيم النبيلة!
وعدتُ للوراء لأتذكّر مشوار حياتي حتّى ذلك اللقاء وتساءلتُ: هل عليّ أن أقبل تلك النصيحة الغريبة؟!
تذكّرتُ كيف رضعتُ قيم الاستقامة والخير والصدق والعصاميّة والعطاء والتعاون من والديّ المكافحَين الأبيّين، فمنهما اكتسبتُ قيم الطموح وتحمّل المشاقّ والمثابرة والصبر ومحبّة الناس.
وبفضل تربية الوالدين، تسلّحتُ بالعزيمة والإرادة والاعتماد على النفس لتحقيق أهدافي وغاياتي.
وفي طفولتي ساعدت الوالدَين في أعمال الفلاحة لتوفير حياة كريمة لأسرتنا الكبيرة. وأذكر كيف خرجتُ، وأنا يافع، للعمل خارج قريتي في الأعمال الزراعيّة
وغيرها لأدعم أسرتنا كثيرة العيال (الحمد لله، رُزِق الوالدان بسبعة أولاد وثلاث بنات)
في مجال التعلّم والدراسة: في المدرسة الابتدائيّة اجتهدت وثابرتُ لأحصل على علامات عالية ولأنجح في امتحان الثوامن الذي فتح الطريق أمامي لمواصلة الدراسة في المرحلة الثانويّة ولأنهي تلك المرحلة بالنجاح في جميع المواضيع المقرّرة والحصول على شهادة البجروت/التوجيهيّ!
ثمّ التحقتُ بالجامعة مباشرةً بعد التخرّج من الثانويّة، وحصلتُ على شهادة البكالوريوس “B. A” بعلامة جيّدة أتاحت لي مواصلة الدراسة لشهادَتَي الماجستير والدكتوراه لاحقًا بعد ذلك!
وأثناء دراستي الجامعيّة لم أتقاعس عن العمل الصعب، فقمتُ بالحراسة الليليّة، أو العمل في حديقة الجامعة، أو في تفريغ حمولة شاحنات تنقل الفواكه لخزنها في برّادات مقابل أجر لتوفير أقساط الجامعة وتكاليف ما أحتاجه من طعام وملبس ومسكن!
بعد استعراض سجلّ حياتي وقيمي ومبادئي قررتُ وأعلنتُ:
مستحيل أن أتشبّه بالذئاب، ولن أعطيَ فرصة للذئاب لتفتك بي وتلتهمني!
لن أقبل بشريعة الغاب، ولن أتنازل عن إنسانيّتي!
وسأعمل جاهدًا لأكون قويًّا جسديًّا ومعنويًّا، وسأحصّن نفسي بالحكمة والعقل، وسأتسلّح بالوعي وبالانتماء لقيم الخير والعطاء. وسأظلّ متمسكًا بمبدأ:
“صاحبُ الغاية النبيلة الشريفة يجبُ أن لا يرضى بوسائل غير نبيلة وشريفة لتحقيق غايته!”.