بدون مؤاخذة – وأعطي نصف عمري….
جميل السلحوت
تاريخ النشر: 06/02/22 | 11:15رحم الله الطّفل المغربيّ ريّان، ونسأل الله الصّبر والسّلوان لوالديه، وكم دعونا الله كثيرا أن يتمّ انقاذه سليما معافى، لكنّ الأمنيات شيء وقدر الله شيء آخر.
وفي الواقع أنّني أنا شخصيّا ضعيف أمام أيّ طفل مهما كان جنسه أو لونه، فللطفولة حرمات يجب أن لا يخترقها أحد، وكلّما رأيت أو قرأت عن طفل في ضائقة، فإنّني أتذكّر مقولة الرّاحل الكبير توفيق زيّاد:
” وأعطي نصف عمري لمن يجعل طفلا باكيا يضحك”.
وبالتّاكيد فإنّ ملايين غيري يحملون المشاعر نفسها تجاه الأطفال، وإن كان هناك طغاة ومجرمون من البشر يقتلون الأطفال دون رحمة.
لكن ما لفت انتباهي في قضيّة الطّفل الضّحيّة “ريّان” هو هذا الزّخم الإعلامي العربيّ الهائل، الذي صاحب عمليّة انقاذ الطّفل “ريّان”، حتّى خِلْتُ أنّ الأنظمة العربيّة قد عادت إلى رشدها، وصارت تحترم حياة الإنسان من شعوبها، خصوصا ونحن ورثة حضارة غنيّة تذكّرنا بحرمة حياة الإنسان التي تتقدّم على قدسيّة الكعبة المشرّفة، وكما قال الخليفة الثّاني عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-” والله لو ضاعت شاة في شِعاب العراق لخفت أن يُسأل عنها عمر”. كما لفت انتباهي عمليّات الإنقاذ التي بُذلت في سبيل انقاذ “ريّان” وإخراجه من الجُبّ حيّا.
ورغم حزني وأحزان كثيرين غيري على “ريّان”، إلّا أنّه راودتني أسئلة كثيرة أوّلها هو: لماذا لم يتمّ الإستعانة بخبراء دوليّين في عمليّات الإنقاذ لاختصار الوقت؟
وهل كلّ هذا الحشد الإعلاميّ الهائل، الذي أثار عواطف العامّة على صفحات التّواصل الإجتماعيّ، كان من أجل الطّفل الضّحيّة البريء “ريّان”، ومن أجل والديه الثّاكلين، أم من أجل الدّعاية ” لأمير المؤمنين” في بلاده؟
وفي غمرة الأحزان على براءة “ريّان”، تذكّرت آلاف الأطفال من أبناء شعبي الذين قتلوا بدم بارد؟ فهل تذكرون كيف تمّ اصطياد الطّفل محمد الدّرة وهو يحتمي بحضن والده؟ وهل تذكرون الطفلة الرّضيعة إيمان حجّو التي اغتيلت وهي على صدر والدتها، وهل تذكرون عائلة دوابشة التي أحرقت وأطفالها هوم نيام، وهل تذكرون الطفل أبو خضير الذي أُحرق وهو حيّ؟ وهل تذكرون أطفال مدرسة بحر البقر في مصر، وضحايا قرية قانا في لبنان؟ وهل ….وهل؟ وهل تذكرون مئات آلاف الأطفال والنّساء والشّيوخ الذين سقطوا ضحايا في فلسطين، العراق، سوريا، لبنان، ليبيا، الجزائر، الصّومال، واليمن؟ وهل تذكرون ملايين الأطفال العرب المشرّدين من ديارهم، وهل تساءلنا عمّن قتل وجرح ودمّر وشرّد؟ وهل تساءلنا أيضا عن عدم تغطية وسائل الإعلام العربيّة لهكذا جرائم؟
لقد قضى الطّفل “ريّان” نحبه بسقوطه في حفرة عميقة تمّ حفرها بفعل فاعل، ولم نتساءل عن المسؤول عن عدم تغطيّة باب تلك الحفرة، والذي يتحمّل المسؤوليّة الكاملة عن سقوط الطّفل “ريّان” فيها، تماما مثلما يغفل كثيرون منّا عن قتلة أطفالنا من المحيط الذي هدر إعلاميّا على “ريّان”، إلى الخليج الذي لم يعد عربيّا! وإذا ما استهبلنا في فهم القضاء والقدر واعتبرنا وفاة الطّفل البريء “ريّان” قضاء وقدرا، فهل نستهبل أيضا ونعتبر ضحايانا من الأطفال وغيرهم قُتلوا “بالذّبح الحلال”، لأنّ القتلة يتدثّرون بعباءة الدّين مع أنّ الدّين منهم براء؟
فلنترحّم على “ريّان”، وعلى غيره من الضّحايا الأبرياء في العالم جميعه والحديث يطول.