وقفة مع كتاب “معجم الأطباء والصيادلة الفلسطينيين” للمؤرخ د. محمد عقل
بقلم: شاكر فريد حسن
تاريخ النشر: 17/02/22 | 11:57أهدانا مشكورًا المؤرخ الدكتور محمد عقل ابن قرية عرعرة في المثلث، كتابه الجديد “معجم الأطباء والصيادلة الفلسطينيين (1748- 1948) في ثلاثة أجزاء، ويقع الجزء الأول في 366 من الورق الصقيل والحجم الكبير، والجزء الثاني في 264، والجزء الثالث في 290 صفحة.
وكما يقول عقل أن الكتاب “يسرد حكايا الأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان الفلسطينيين، الذين عملوا في فلسطين في العهد العثماني والبريطاني”. ويوضح “أن معظم هؤلاء كانوا من أبناء الذوات والأثرياء ما مكنهم من الالتحاق بالجامعات ومعاهد الطب في إسطنبول وبيروت وبعض الدول الأوروبية”. ويضيف قائلًا: ” لقد بذل هؤلاء جهودًا مباركة في معالجة مرضاهم، ولكن أكثرهم لم يتخصص في فرع واحد من الطب، كما فعل الطبيب اليهودي المهاجر القادم من ألمانيا. أكثرهم خصص يومًا واحدًا في الأسبوع لمعاينة الفقراء والمحتاجين ومعالجتهم، وإعطائهم الدواء بلا مقابل لكنهم ابتعدوا عن الوصول إلى القرى البعيدة، ما اضطر أهلها إلى التوجه إلى الأطباء اليهود الذين يعيشون في المستعمرات اليهودية القريبة من محل سكناهم”.
ويشير عقل أن الأطباء كانوا من الرجال، باستثناء بعض النساء كالدكتورة سلوى حبيب خوري العتقي ابنة كفر ياسيف في الجليل، والدكتورة شارلوت سابا ابنة يافا، وهي أول طبيبة تخصصت في الأمراض النسائية.
وهو يتطرق في الكتاب إلى مشاركة الأطباء والصيادلة الفلسطينيين في الحياة السياسية والاجتماعية العامة وإصدارهم مجلة سياسية أدبية، وينوه إلى أن د. حسين الخالدي أصبح رئيسًا لبلدية القدس سنة 1934، والدكتور عزت طنوس رئيسًا للمكتب العربي في لندن في ثلاثينات القرن الماضي، والدكتور جورج حبش رئيسًا للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وعضوًا فاعلًا في منظمة التحرير الفلسطينية، وتوجه الصيدلي نجيب نصار للصحافة وتأسيسه صحيفة “الكرمل” بحيفا، والصيدلي نقولا شحادة عمل مع أخيه في “مرآة الشرق”.
ويذكر عقل أن الصيدلي في تلك الأيام كان يعد الدواء بنفسه وليس كما هو الحال اليوم، لذا برزت أهمية مهنته، وبعض الأدوية المهمة اكتشفت في بداية الأربعينات من القرن المنصرم مثل البنسلين.
في الجزء الأول من المعجم يتحدث عقل عن الطب العربي والطب الافرنجي في فترة الحروب الصليبية ويجري مقارنة بينهما، رابطًا بين تاريخ الطب عند العرب وبين ما كان في عهد الانتداب، ويعرض للطب الشعبي والأوبئة في فلسطين، ويتطرق للحجر الصحي في فلسطين عبر العصور، وللصيدليات والصيادلة قبل 1948، ولدائرة الصحة في عهد الانتداب البريطاني، ويتناول تأثير قانون الجنسية الفلسطينية على الأطباء والحصول على رخصة مزاولة مهنة الطب، ويتوقف مع مؤتمر الجمعية الطبية المصرية في القدس، ومؤتمر الأطباء الوطنيين في حيفا. كذلك يتحدث عن الجمعية الطبية العربية الفلسطينية، وجمعية الهلال الأحمر في فلسطين، ومعاهد تعليم الطب والصيدلة في الشرق الأوسط، والمستشفيات في فلسطين في العهدين العثماني والبريطاني، وغير ذلك من الموضوعات التي يكتب عنها بالتفصيل.
وفي الجزئين الثاني والثالث يقدم تراجم وسير للأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان الذين عملوا في فلسطين تم ترتيبها حسب اسم العائلة ثم الاسم الشخصي.
ومن نافلة القول ان كتاب محمد عقل يشكل موسوعة شاملة ومرجعًا هامًا ووثيقة تاريخية عن الطب والأطباء والصيادلة الفلسطينيين ورصد لسيرتهم، جاءت بأسلوب واضح ولغة بسيطة، واعتمد في اعداد وكتابة معجمه على مصادر ارشيفية ومطبوعة متعددة، وعلى ما جاء وذكر في الكثير من الصحف العربية القديمة.
ومن الجدير بالذكر أن مؤلف الكتاب الدكتور محمد عقل من مواليد بلدة عرعرة المتربعة على جبل الخطاف العام 1948، وهو أستاذ في اللغة العربية والحضارة الإسلامية وباحث ومؤرخ يشار له البنان، لم تمنعه الإعاقة من الدراسة والتحصيل العلمي والبحث والتأليف، عمل محاضرًا ومرشدًا تربويًا في دار المعلمين العرب بكلية بيت بيرل وجامعة بار إيلان، وله العديد من الإصدارات والمؤلفات والمنجزات التاريخية، وهي: “المفصل في تاريخ وادي عارة في جزئين، وثائق محلية من فلسطين التاريخية، طيبة بني سعب بين الماضي والحاضر، غزوة وادي السيسبان- مخطوطة من الأدب الشعبي، نقود إسلامية من فلسطين، قاموس القرى والمدن في المثلث، قاموس القرى والمدن في مرج بني عامر، بلاد الروحا، مخطوطات من وادي عارة ودراسات في اللغة المحكية، سجل المحكومين بالإعدام في فلسطين في عهد الانتداب البريطاني، الدولة العباسية في عهد المتوكل- رسالة الدكتوراة.
نهنئ ونبارك للمؤرخ والباحث الأستاذ د. محمد عقل بصدور هذا الكتاب الهام الذي يوثق للأطباء والصيادلة الفلسطينيين في الفترة الممتدة ما بين السنوات 1748- 1948، وله التحية والتقدير، ونرجو له العمر المديد والصحة والعافية ومواصلة مشروعه الثقافي التاريخي، ودراسة جوانب أخرى من تاريخنا الفلسطيني لم تدرس ولم يكتب عنها من قبل، والشكر على هديته.