في ذكرى الكاتب والناقد الفلسطيني محمد البطراوي
بقلم: شاكر فريد حسن
تاريخ النشر: 13/03/22 | 10:21تصادف اليوم الذكرى التاسعة لرحيل الكاتب وشيخ النقاد والمثقفين الفلسطينيين، محمد البطراوي (أبو خالد). وشاءت الأقدار أن يغادرنا البطراوي في يوم ميلاد الشاعر الفلسطيني الكبير خالد الذكر محمود درويش، وفي اليوم الوطني للثقافة الفلسطينية، وفي ذلك دلالة كبيرة ورسالة واضحة.
عرفت المرحوم محمد البطراوي قبل حوالي اربعين عامًا، عندما كنت شابًا يافعًا يانعًا، يعشق الأدب، ويهوى القراءة والكتابة، يرتاد المكتبات ومعارض الكتب في نابلس ورام اللـه وجنين والقدس، بحثًا عن المعرفة وعن عناوين جديدة، وكانت آنذاك دار صلاح الدين في القدس تؤدي دورًا ثقافيا مهمًا في اثراء وتنمية الوعي القرائي ونشر الأدب والفكر الوطني الفلسطيني الملتزم.
في تلك الفترة كنت أبعث بواكير نتاجي الأدبي إلى الصحف والمجلات الفلسطينية التي كانت تصدر في الضفة الغربية وقطاع غزة، مثل: الشعب، الفجر، القدس، الكاتب، الشراع، الحصاد، العهد، الميثاق، البيادر الأدبي، البيادر السياسي، الفجر الأدبي، الطليعة، العودة، الشروق وسواها.
وكان الناقد المرحوم محمد البطراوي يشرف على الزاوية الأدبية في مجلة ” الكاتب ” المحتجبة التي كان يحررها ويشرف عليها مؤسسها الصديق الشاعر أسعد الأسعد، وكنت أبعث كتاباتي للمجلة وسواها بالبريد المسجل او العادي، في مرحلة لم نعرف فيها لا الناسوخ والحاسوب ولا البريد الالكتروني ولا الماسنجر والواتس أب، وكان أبو خالد البطراوي يراجع مقالاتي الأدبية والفكرية وينقحها وينشرها بكل ترحاب، واحيانًا كان يعتذر عن النشر لأسباب خارجة عن ارادة المجلة، ويعني بذلك الرقيب العسكري الاحتلالي. وتتوالى الأيام وتجمعنا بأبي خالد فالتقيته وتعرفت عليه في رام اللـه وفي مهرجانات الأدب الفلسطيني في القدس.
محمد البطراوي ناشط سياسي وعلم نقدي بارز وشامخ من أعلام الحركة الثقافية والفكرية الفلسطينية ومن أعلامها الأفذاذ، ورائد من روادها المعاصرين، وناقد حصيف رعى الكتاب والناشئة وأخذ بأيديهم، وإنسان بكل المقاييس، وطنًيًا ومتواضعًا وهادئًا صاحب قيم ومواقف ورؤى، ومثقف نقدي عضوي حقيقي كرس حياته وجنّد قلمه للثقافة، التي آمن بها وبدورها العظيم، وبرسالتها الثورية في الحياة الاجتماعية والنضال الحقيقي والعمالي والكفاح الوطني التحرري للشعوب المقهورة المظلومة الواقعة تحت حراب الاحتلال.
محمد البطراوي رمز ثقافي أرسى عماد الثقافة الوطنية الفلسطينية، وظل بيته على الدوام بيتًا مفتوحًا على مصراعيه امام عشاق الأدب والثقافة والمعرفة، وشكل فضاءً للثقافة والإبداع والسجال الثقافي المعرفي الإبداعي، وكان له الدور البارز في التأسيس لحركة ثقافية شعبية واقعية ديمقراطية ملتزمة، ووقف بشدة ضد الانقسام والتشرذم في الشارع الفلسطيني، وعمل على رأب الصدع بين القوى الفصائلية الفلسطينية، وإعادة لحمة الكتاب والمبدعين الفلسطينيين في إطار اتحاد الكتاب الفلسطينيين بعد انقسامه إلى اتحادين، داعيًا إلى اقامة وتشكيل رابطة للمبدعين والمثقفين الفلسطينيين ليكون بمثابة برلمان ضاغط للدفاع عن قضايا الوطن المصيرية، والاستفادة من تجربة المثقفين الفلسطينيين في اربعينيات وخمسينيات القرن الماضي.
أبو خالد محمد البطراوي هو حارس الثقافة الوطنية والمقاومة والأدب المناهض للقهر والظلم والطغيان، ترك بصمات كبيرة وواضحة في المشهد الثقافي الفلسطيني المعاصر، وهو نجم اختفى عن الأنظار، لكنه لن يختفِ أبدًا، وسيبقى في الذاكرة الثقافية والوجدان الشعبي الفلسطيني، فسلامًا لروحه.