سياسة أوروبية ازدواجية المعايير تجاه اللاجئين
بقلم: أحمد حازم
تاريخ النشر: 13/03/22 | 14:20في الثاني من شهر مارس/آذار الحالي نشر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان تقريرًا بعنوان “تعامل أوروبا الرسمي والإعلامي مع الحرب في أوكرانيا يعرّي سياسة عنصرية متجذرة تجاه غير الأوروبيين” كشف فيه عن عنصرية الموقف الأوروبي والإعلام الغربي مع قضية اللاجئين الأوكرانيين التي اتسمت بالمرونة على النقيض من سياسة التعامل مع طالبي اللجوء القادمين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.وفي الثامن من الشهر نفسه نشر موقع “المكلا نت” تقريراً بعنوان ” التعاطي الإعلامي مع أوكرانيا يفرز ازدواجية مقيتة في المعايير الغربية” تحدث فيه عن تعامل حرس الحدود الأوروبي مع اللاجئين على أساس العرق واللون والدين. كما كشفت عدة صُحف وقنوات إخبارية دولية عن عنصرية الغرب في تغطية الأحداث في أوكرانيا بعبارات عنصرية تمييزية بحتة مُقارنة بأحداث دول الشرق الأوسط مثل العراق وسوريا وأفغانستان.اللاجئون هم أكثر الفئات التي تعاني من ظلم الشتات، ولا فرق بين لاجيء أبيض أو أسود أو حنطي اللون، ولا فرق بين يشرة لاجيء أسيوي أو أفريقي أو غيرهما من طالبي اللجوء، ولا فرق بينهم مهما اختلفت ألوانهم وأديانهم فكلهم لاجئون ومعاناتهم واحدة. لكن يبدو أن أوروبا لا تفهم هذا المقياس وتميز بين اللاجيء الأوروبي الأبيض وبين اللاجيء غير الأوروبي. وهذا المفهوم يندرج من ناحية منطقية ضمن إطار العنصرية ومظاهرها بدول أوروبا، بالرغم من أن 170 دولة في العالم ومن بينها دول القارة الأوروبية وقعت على اتفاقية دولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، إلا أن العنصرية لا تزال توجد بأشكال مختلفة من مكان لآخر، وفق أسباب تاريخية أو ثقافية أو دينية أو اقتصادية.ووفق دراسة(Eurobarometer: Discrimination in the European Union) وهي الدراسة الاستقصائية (يوروباروميتر) التي أجرتها المفوضية الأوروبية، يعتقد الأوروبيون بأن التمييز على أساس الأصل العرقي هو الشكل الأكثر شيوعا من التمييز في أوروبا،التمييز العنصري في التعامل هو من بين الأمور التي نجمت عن الحرب التي شنتها روسيا على أوكرانيا. فدول الاتحاد الأوروبي أظهر عنصرية واضحة في التعامل إزاء اللاجئين من أوكرانيا على اعتبار أنها أوروبية ولاجئين من أسيا وأفريقيا. ويرى بعض المحللين السياسيين “أن التمييز العنصري الغربي بالقول والفعل، كما طفا على السطح عقب مأساة اللاجئين الأوكرانيين على الحدود، ليس طارئاً أو استثناءً في الغرب، فهو ضاربٌ بجذوره في عمق التاريخ الأوروبي منذ بدايته، ومنسجمٌ مع سياق الحضارة الغربية منذ نشأتها، بما حملته من فكرة تفوّق العرق الأوروبي وسموّ الحضارة الغربية”.
التمييز العنصري الغربي ظهر بكل وضوح في أحداث الحرب الروسية – الأوكرانية، وما أنتجته من كارثة الهجرة واللجوء الإنسانية للشعب الأوكراني. وقد لمسنا هذه العنصرية في أقوال سياسيين وتعليقات وسائل إعلامية وحتى في تصرفات رجال الشرطة وحرس الحدود، والتي لا تعترف بأن أصحاب البشرة البيضاء والعيون الزرق هم مثل أصحاب البشرة السوداء والعيون غير الزرق.هذه التصرفات العنصرية ليست جديدة على أوروبا، وتعود جذورها إلى إلى الحضارتين اليونانية والرومانية وهما مهد الحضارة الأوروبية . فالحضارة اليونانية كما يقول التاريخ هي الحضارة المتفوقة على غيرها من الحضارات البشرية الأُخرى، التي هي مجرد مجتمعات بشرية بدائية وهمجية بنظر الأوروبيين.الفيلسوف اليوناني أرسطو، أباح لليونانيين في فلسفته استعباد الآخرين. وأفلاطون في روايته (المدينة الفاضلة)، شكر الآلهة لأنها خلقته يونانياً، وجاءت فلسفة عمانويل كانت حول التمييز العنصري والتي تقول إن أصحاب البشرة البيضاء هم أكثر الأنواع البشرية ذكاءً وفاعلية وقدرة على بناء الحضارات. الروائي الفرنسي جان راسبيل بنى روايته (معسكر القديسين) عام 1973 على التحريض العنصري ضد المهاجرين غير الأوروبيين. والفيلسوف الفرنسي رونو كامي تأثر برواية (معسكر القديسين)، وأصدر كتاب (الاستبدال العظيم) عام 2011، ومضمونه أن الفرنسيين وكل الأوروبيين المسيحيين البيض يجري استبدالهم بشكل منتظم بغير الأوروبيين من الأفارقة والآسيويين بواسطة الهجرة والولادة، ما يؤدي إلى نهاية الحضارة الأوروبية المتقدّمة، وإحلال حضارات مُتخلّفة مكانها.إذاً التمييز العنصري الغربي الذي تلمسه في الحرب الروسية الأكرانية، ليس جديداً على أوروبا، المليء تاريخها بكل أنواع العنصرية والتمييز بين إنسان وآخر.