قصة عِيد الأُمّ!
محمد يونس
تاريخ النشر: 19/03/22 | 6:30يَعودُ أَصْلُ الْعِيدِ إِلى الإِغْريقِ، الذِينَ احْتَفَلُوا بَعيدَ “رِيئا” أُمِّ الآلِهَةِ. وَمَعَ انْتِشارِ النَّصْرانيَّةِ احْتَفَلُوا بيَوْمِ أُمِّ الكَنيسَةِ، ثُمَّ امْتَزَجَ هذانِ اليَوْمَانِ لِيَكُونَا “يَوْمَ الأُمِّ”. وَفِي سَنَةِ 1600 ميلاديَّةٍ كَانُوا فِي بَرِيطَانْيَا يَحْتَفِلُونَ بِهِ أَيّامَ الأَحَدِ.
أَمَّا عِيدُ الأُمِّ بِشَكْلِهِ الحاليِّ الذِي نَعْرِفُهُ اليَوْمَ، فَقَدْ بَدَأَ قَبْلَ نَحْوِ مِائَةِ سَنَةٍ، عِنْدَمَا وَجَدَتِ الفَتاةُ الأَمْريكيَّةُ آنَا جَارْفِيسْ أَنَّ الأَبْناءَ عِنْدَمَا يَكْبُرونَ غَالِبًا مَا يَنْسَوْنَ أُمَّهَاتِهِمْ بِسَبَبِ الانْشِغالِ فِي الحَياةِ اليَوْميَّةِ. بَعْدَ وَفاةِ والِدِها وَوالِدَتِها، أَقَامَتْ سَنَةَ 1907م احْتِفالًا فِي ذِكْرَى والِدِها الذِي يُصَادِفُ يَوْمَ الأَحَدِ الثَّانِي عَشَرَ مِنْ شَهْرِ أَيَّارَ. دَعَتْ مَعارِفَها وَاحْتَفَلَتْ بِعيدِ الأُمِّ، وَنَشَرَتِ الفِكْرَةَ بَيْنَهُمْ. وَفِي سَنَةِ 1908م كَتَبَتْ لِإِحْدَى الكَنَائِسِ فِي مَدينَةِ جرافتَاون حَيْثُ كَانَتْ والِدَتُها تُعَلِّمُ هُنَاكَ لِمُدَّةِ 20 سَنَةً، وَاقْتَرَحَتْ أَنْ تَكونَ الكَنيسَةُ هِيَ المركز المِثاليّ لِلِاحْتِفَالِ بِالْعِيدِ. وَبِالْفِعْلِ، أُقيمَ أَوَّلُ قُدَّاسٍ لِعِيدِ الأُمِّ فِي العاشِرِ مِنْ أَيَّارَ سَنَةَ 1908م فِي الكَنيسَةِ، وَأَهْدَتِ الآنِسَةُ آنَا جَارْفِيسْ لِكُلِّ أُمٍّ زَهْرَةَ قُرُنفُلٍ لِأَنَّهَا كَانَتِ الزَّهْرَةَ المفَضَّلَةَ عِنْدَ أُمِّها. وَانْتَشَرَتِ الفِكْرَةُ فِي الوِلاياتِ المتَّحِدَةِ الأَمْريكيَّةِ، وَقَامَ الرَّئيسُ الأَمْريكيُّ سَنَةَ 1914م بِتَحْدِيدِ مَوْعِدِ عِيدِ الأُمِّ لِيَكُونَ ثَانِيَ يَوْمِ أَحَدٍ مِنْ أَيَّارَ كُلَّ سَنَةٍ.
وَيَخْتَلِفُ مَوْعِدُ هَذَا الْعِيدِ بِاخْتِلَافِ الدّوَلِ، حَيْثُ تَحْتَفِلُ فِيه أَرْمِينْيَا مَثَلًا فِي السّابِعِ مِنْ نِيسَانَ، وَتَحْتَفِلُ بِهِ المَكْسيكُ فِي العاشِرِ مِنْ أَيَّارَ، وَهُنَاكَ دوَلٌ مِثْلُ فَرَنْسَا والسّويدِ تَحْتَفِلُ بِهِ فِي آخِرِ يَوْمِ أَحَدٍ مِنْ شَهْرِ أَيَّارَ. كَمَا أَنَّ قِصَّةَ عِيدِ الأُمِّ تَخْتَلِفُ مِنْ دَوْلَةٍ لِأُخْرَى، وَبَعْضُها تُسَمِّيهِ عِيدَ الأُسْرَةِ. أَمَّا فِي مُعْظَمِ العالَمِ العَرَبيِّ فَيَتِمُّ الِاحْتِفالُ بِعيدِ الأُمِّ فِي الْحَادِي وَالعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ آذَارَ، وَيَعُودُ ذَلِكَ لِفِكْرَةٍ اقْتَرَحَهَا الصُّحُفيُّ المِصْريُّ عَليّ أَمين فِي جَريدَةِ “الْأَخْبارِ” التِي كَانَتْ وَلَا تَزَالُ تَصْدُرُ عَنْ دَارِ أَخْبارِ اليَوْمِ المِصْريَّةِ كَاتِبًا: “لِمَاذَا لَا نَتَّفِقُ عَلَى يَوْمٍ مِنْ أَيّامِ السَّنَةِ نُطْلِقُ عَلَيْهُ “يَوْمَ الأُمِّ” وَنجعَلَهُ عِيدًا قَوْمِيًّا فِي بِلادِنا، بِلادِ الشَّرْقِ”؟ ثُمَّ عَادَ فِي مَقالٍ آخَرَ وَاقْتَرَحَ: “مَا رَأْيُكُمْ أَنْ يَكونَ هَذَا الْعِيدُ يَوْمَ 21 آذَارَ، إِنَّهُ اليَوْمُ الذِي يَبْدَأُ بِهِ الرَّبيعُ وَتَتَفَتَّحُ فِيه الزُّهورُ وَتَتَفَتَّحُ فِيه القُلوبُ”؟ وَهَكَذَا بَدَأَ الاحْتِفالُ بِهِ فِي مِصْرَ ثُمَّ سُوريَا ثُمَّ مُعْظَمِ الدُّوَلِ العَرَبيَّةِ.
عِيدانِ لَنا لَيسَ أَكثَر!
إِذا كُنّا مُسلمين، وَنُؤمنُ باللهِ ورسولِه، عَلَينا أَنْ نتّبعَ سُنّةَ الرَّسولِ صَلّى الله عليهِ وسَلَّم الذي عَلَّمَنا أَنَّ لِلمُسلمينَ عِيدانِ فَقط: عيدُ الفِطرِ ويومُ النَّحر. ومِنَ المهمِّ أَن نَعلَمَ أَنَّ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ وصحابَتَهُ الكِرامَ ومَن جاءَ بَعدَهُم لم يحتفِلوا بِتَواريخِ مِيلادِهم، فهَلْ نحنُ أَفضلُ مِنهم حتى نبتكِرَ هذِهِ العادات؟! وهل دينُنا ناقِصٌ حَتى نُكمِّلَهُ بمثلِ هذه المواعيدِ السَّنَوِية؟! إِنَّ دينَنا كامِلٌ شامِلٌ لِكُلِّ نَواحِي الحَياة، وليسَ هُناكَ أَيُّ داعٍ لأَن نُضيفَ عليهِ أَيَّ إِضافَةٍ بَشَرِيّة، فَقد جاءَ في القرآنِ الكَريمِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ، فمَن نحنُ حَتى نُضيفَ عَلَيه؟! إنَّ للمُسلِمِ بَرنامَجٌ يَومِيٌّ كامِلٌ يَبدَأُ مِن صَلاةِ الفَجْرِ حَتى اللَّيل، فيهِ صَلَواتٌ
————————–
– “قصة العادات والتقاليد وأصل الأشياء”، تأليف تشارلز باناتي، ترجمة مروان مسلوب، إصدار الدار الوطنية الجديدة للنشر والتوزيع (الخُبر، السعودية)، ودار الخيّال (بيروت، لبنان)، الطبعة الأولى 2003، ص 70-72.
– عيد الأم، في موقع معرفة: https://www.marefa.org
– العيدُ اسمٌ لكلّ ما يُعتادُ ويعودُ ويُكرَّر.
– سورة المائدة، الآية 3.
وأَذكارٌ، وَعَملٌ وبِناءٌ، فيهِ طاعاتٌ وَفيهِ مُعاملاتٌ، وكُلُّ ذلكَ يملأُ حياتَهُ اليَومِيَّة وَلا يُبقي فيهِ أَيَّ مجالٍ لأَيِّ زِيادَة. بلْ إِنَّ الإسلامَ يُعلِّمُنا كُلَّ شيء، بَدءًا من وِلادَةِ الطِّفلِ ورَفعِ الأَذان في أُذنه، وتَسمِيَتِه، وذبحِ العَقيقَةِ عَنهُ، وتَعليمِه الصَّلاةَ، ومُرورًا بكلِّ مراحلِ الحياةِ من بُلوغٍ وزواجٍ وتَأسيسِ أُسرَةٍ، حَتى الموت. ولم يُغفِلِ الإسلامُ أَيَّ لحظةٍ مِن لحظاتِ عُمر الإنْسانِ دونَ أَن يعلّمَهُ كيفَ يَتعامَلُ مَعَها، بَل إِنَّ دُخولَ الخَلاءِ لَهُ أَحكامٌ وَضَّحها لَنا الإِسلامُ، فهَل يُعقَلُ أَن يَكونَ موضوعُ تاريخِ الميلادِ سقطَ سهوًا منَ الشَّريعةِ حتّى نأخذَهُ منَ الغَرب ونُكمِلُ بهِ دينَنا؟! حاشا للهِ. لهذا، لم يبقَ لَنا سِوى السَّيرِ عَلى خُطى الرَّسولِ وسُنّته حتى نَنالَ رِضا اللهِ ونفوزَ بجنَّته ونَسعَدَ في الدّارَين.
لَهُم أَعيادُهُم وَلَنا أَعْيادُنا
أَعيادُ المسلمينَ لها مِيزتها الخاصَّة، وهِيَ تُخالِفُ أَعيادَ غَيرِهِم مِنَ الكُفّار، سَواءً كانوا وَثنيّينَ أَو أَهلَ كِتابٍ أَو غَيرِهم، في كَثيرٍ مِنَ الأُمور. وهَذا التَّمايُزُ مَقصودٌ، لأَنَّنا عندما نُخالِفُ الكُفّارَ فَإنَّنا نُقَدِّمُ دَليلًا عَلى تَعبُّدِنا للهِ تَعالى وَأَنّنا نَكرَهُ الكُفرَ ونَتبرّأُ مِنه ومِن أَهْلِه. أَمّا التشبُّهُ بهم فَدَليلٌ عَلى ضَعْفِ الدِّينِ في قَلبِ العَبْد، ولهذا صارَ يُوالي الكُفَّارَ عَن طَريقِ مُشابهتِهِم.
تختلفُ أَعيادُ المسلمينَ عَن أَعيادِ غَيرهِم في كَثيرٍ من الصُّوَر، مِنها:
1. أَعيادُ الكُفّارِ تَثبُتُ بالحِساب، بينَما أَعيادُ المسلمينَ تثبُتُ بِالرُّؤيا.
2. تَرتَبِطُ أَعيادُ المسلمينَ بِعباداتٍ عَظيمَةٍ تُقرّبُ إلى الله تَعالى. فعيدُ الفِطر يَأْتي تَتويجًا للصِّيامِ والقِيام، وعيدُ الأَضحى يَتخَلَّلُ شعيرَة الحجِّ ويَأتي بعدَ يومِ عرفَة أَفضلِ الأَيّام. أَما أَعيادُ الكُفّارِ فترتبطُ بأَوثانهم أَو بمفاهيمَ خاطِئَةٍ وَفاسِدَة.
3. شَعائِرُ الأَعيادِ في الإِسلامِ قُربةٌ إلى الله تَعالى، كَالسَّعيِ إِلى صَلاة الجُمُعَة، والتَّكبيرِ في العِيدَينِ وحُضور صَلاةِ العِيد. أَمّا أَعيادُ الكُفّارِ فَفيها كُفرٌ للنِّعمَة، وانغِماسٌ في الرَّذيلَةِ وَإِطلاقُ العَنانِ للشَّهَواتِ والغَرائِز.
4. لَدى المسلمينَ عِيدانِ حَوليّانِ هُما الفِطر والأَضحى، وهذا يدلُّ عَلى أَنَّ أُمَّةَ الإِسلامِ أُمَّةُ عَمَلٍ وجِدٍّ وَإِنتاج، تحملُ رِسالةً خالدةً لا بُدّ مِن تَبليغِها، ولا تخلُدُ إِلى الرّاحَةِ كَثيرًا إِلا في الأَعيادِ، بل حَتى في هذِهِ الأَعيادِ هُناكَ عِبادات. أَمّا الأُمَمُ الأُخرى فقَدِ اتخذَت كُلُّ أُمّةٍ أَعيادًا كَثيرةً ما أَنزَلَ بها مِن سُلطان، قَد تَصِلُ إلى عِشرينَ وَثلاثينَ وَأَكْثر.
5. لا تَرتَبِطُ أَعيادُ المسلمينَ بمواقيتَ تُشبِهُ مَواقيتَ أَعيادِ الأُمَمِ الأُخرى، فهيَ لا تَرتبطُ بِرَأسِ السَّنةِ مِثلَ النَّصارى في عيدِ رَأسِ السَّنَةِ الميلادِيَّةِ أَو اليهودِ في رَأسِ السَّنَةِ العِبرِيَّة، وَلا تَرتَبطُ بِالكواكِب، ولا بالذِّكرَياتِ وَتَقديسِ الأَشخاص، وذلكَ حَتى يَبقى التَّوحيدُ صافيًا للهِ تَعالى. وهذه الأَعيادُ لا تَرتَبِطُ بالأُمورِ المادِيّة، ولا بِالقَومِيّاتِ العِرقيّة وَالوَطَنِيّة لِأَنَّ الأُخوَّةَ بينَ المسلمينَ هِيَ الرَّابِطُ بَينَهُم.
وقَد يحتجُّ بَعضُ النّاسِ فَيقولون إِنَّ عِيدَ الميلادَ الشَّخْصِيّ عادَةٌ اجتِماعِيَّة، وَبِالتّالي لا بَأسَ مِنَ الاحتفالِ به، بينَما لَو كانَ عِبادةً يُتقرَّبُ بها إِلى اللهِ لكانَتْ ضِمنَ البِدَعِ التي دَخَلَت عَلى الدِّين، وَالتي نُهينا عَن إِحداثها. وَحولَ هذا الادِّعاءِ تَرُدُّ الفَتوى التّالِيَةُ فَتُوضِّحُ الدَّليلَ الذي استندَ إليهِ العلماءُ الذين مَنعوا عيدَ الميلادِ: “فَمُستندُ مَن مَنعَ الاحتفالَ
—————————————
– هذه المقارنة بين أعياد المسلمين وبين أعياد الكفار مُستقاةٌ بتصرّف من كتاب “أعياد الكفار وموقف المسلم منها”، إبراهيم بن محمد الحقيل، إصدار مجلة “البيان”، ص 56.
بمثلِ هذهِ الأَعياد، ليسَ لأنها عِبادةٌ يَتقرَّب بها المحتفِلُ إِلى اللهِ تَعالى! وَإنما أَصلُ ذلكَ هُو المنعُ منَ اتخاذِ أَعيادٍ غَيرِ واردةٍ في الشَّرعِ أَصلًا، حَتى وَلَو كانَت عَلى سَبيلِ العادَة، لا العِبادَة. فقَد كانَ لأَهلِ المدينَةِ عادَةٌ في اتخاذِ يَومَينِ يَلْعَبونَ فيهِما، ولم يُقرُّهُم عَليها رَسولُ اللهِ صَلّى الله عَليهِ وَسَلَّم، وَمعلومٌ أَنهم لم يَتِّخذوا ذلكَ دِينًا يَتقربونَ فيهِ إِلى الله، وَإنما هِي مجرَّدُ عادَةٍ تَعوَّدوا عَليها قَبل مجيءِ الإسلام. قالَ الشَّيخُ ابن عثيمين -رَحمهُ الله-: تخصيصُ الأَيّامِ أَوِ الشُهورِ أَوِ السَّنواتِ بِعِيد، مَرجِعُهُ إلى الشَّرع، وَليسَ إِلى العادَة؛ ولهذا لما قَدِم النّبي صلى الله عليه وعَلى آلهِ وسَلَّمَ المدينةَ ولهم يومانِ يَلعبونَ فيهِما، فقال: «ما هذانِ اليَومان؟»، قالوا: كُنّا نلعَبُ فيهِما في الجاهِلِيَّة، فقالَ رسولُ الله صَلّى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وسَلَّم: «إنَّ الله قد أَبدَلَكُم بهما خَيرًا منهما: يومَ الأَضحى، ويومَ الفِطر». ولو أَنَّ الأَعيادَ في الإسلامِ كانَت تابِعةً للعاداتِ لأَحدَثَ النّاسُ لِكلِّ حَدَثٍ عِيدًا، ولم يَكُن للأَعيادِ الشَّرعِيَّةِ كَبيرُ فائِدَة”.
—————————————–
– فتوى على موقع إسلام ويب https://www.islamweb.net/ar/fatwa/404506