قصة فدوى طوقان…

تاريخ النشر: 28/10/11 | 4:54

صفحات من مأساة الوطن الفلسطيني وثقتها الشاعرة الكبيرة فدوى طوقان في كتابها “رحلة جبلية .. رحلة صعبة” وفيه تروي قصة طفولتها حتى عام 1967 مآسي متعددة حملها الكتاب ؛ مأساة المراة التي تتعرض للقهر والضغط ويرفض المحيطون بها أن تكتب شعرا عاطفيا، ويرفضون أن تلبس فستانا جميلا، ويرفضون أن تكون لها علاقة عن طريق الرسائل بالأدباء والشعراء والمفكرين.

عاشت فدوى طفولتها وصباها الأول في جو عنيف من القهر الاجتماعي، ومنعها أهلها من الاستمرار في التعليم وأخرجوها من المدرسة الابتدائية وحكموا أن تكون سجينة البيت، بعد أن اكتشفوا أن هناك صبيا من صبيان مدرستها نابلس يتابعها في ذهابها إلى المدرسة وأنه أرسل إليها زهرة فل تعبيرا عن عواطفه الصامتة نحوها، وهكذا أصبحت ممنوعة من التعليم والحب والخروج من البيت..!

تصور فدوى متاعبها في ذلك الجو القاسي فتقول: ” هذا العالم الذي كنت أعيش فيه ظل شديد الوطأة على نفسي، حتى لقد سيطر عليّ الشعور بالعبودية والقسر، أخذت أحس أن المساعدات المستأجرات في البيت “الخادمات” أكثر حرية وسعادة مني، وظللت أعجز وأضعف من أن أفرض نفسي على الشياء والأمور التي كانت تجري من حولي، كنت على وعي بمهانة هذا الوضع وبعجزي عن تحطيمه ، وهكذا قام خصام لا هدنة فيه بين نفسي المقهوة بلاكبت وبين الواقع المتجهم الذي احياه، مما أوجد في نفسي انقساما شقها نصفين: نصف كان يبدو للأعين مستسلما خاضعا، ونصف كان يبرق ويرعد تحت السطح ويكاد يدمر نفسه”.

كان لفدوى أخ أكبر اسمه “إبراهيم طوقان” وكان شاعرا موهوبا ويكبرها باثنتي عشرة سنة، وكان واسع الثقافة ، طيب العقل، أحب فدوى وأحس بشكلتها واقتنع أن من حقها أن تتعلم، فقال لها ذات يوم: سأعلمك نظم الشعر، وكانت فدوى حينها في الثالثة عشرة من العمر ، وبذلك قيض الله لفدوى من ينقذها من التعاسة والجهل..!

حفظت فدوى آلاف الأبيات من الشعر فأحست بالسكينة . تقول “بالرغم من أنني كنت لا أزال تحت الإقامة الجبرية ، فإن الدراسة وحفظ آلاف الأبيات من الشعر العربي القديم قد غسلت نفسي من العذاب واجترار مشاعر الشفقة على الذات والإحساس بالظلم. أصبح الشعراء الجاهليون والأمويون والعباسيون يعيشون معي، يأكلون ويشربون ويقومون بأعمال المنزل ويتحدثون إلي وأتحدث إليهم. لم أحبهم كلهم في وقت واحد، بل كنت أستغرق في حب شاعر واحد كل مرة، حتى إذا استنفدت ما عنده شعرت بالاكتفاء والحاجة إلى شاعر آخر واكتشاف عالم جديد ، وهكذا..”.

تقدمت فدوى وبدأت تكتب الشعر، ولكنها كانت تخاف من نشر شعرها في الصحف بتوقيعها ، ففي ذلك نوع من الفضيحة في نظر أهلها وبيئتها المحافظة، فنشرت قصائدها تحت اسم مستعار هو “دنانير”، واسم أخر هو “المطوقة”.. شيئا فشيئا أصبحت معروفة ومشهورة في الحياة الأدبية، فأعطاها النجاح نوعا من الحرية والحصانة وبدأت تنشر باسمها الحقيقي، ووجد أهلها ما يفخرون به خاصة تلك الأشعار الوطنية التي تعبر عن هموم الفلسطينيين.

ظل الحب في حياة فدوى نوعا من المتاعب ، فلم تكن تستطيع الاتصال بشكل مباشر مع الآخرين، وكانت تصر أن يكون زواجها قائما على الحب والاختيار، وكان أهلها يرفضون كل الرفض أن تتزوج من خارج أسرتها أو طبقتها الاجتماعية ، ويرفضون أن تتزوج بعد قصة حب يعرفها الجميع، وظل أهلها حتى بعد نجاحها وشهرتها يراقبون تصرفاتها ويفرضون عليها قطع أي اتصال بشخص غريب.

قرأت فدوى بعض قصائد الشاعر المصري الكبير علي محمود طه، فكتبت إليه تعبيرا عن إعجابها بشعره، فرد عليها الشاعر وأرسل لها نسخة من ديوانه “ليالي الملاح التائه” وكان الشاعر في ذلك الوقت نجما ساطعا، واستمرت المراسلات لفترة قصيرة وكانت فدوى سعيدة بها سعادة كبيرة، ثم فجأة تلقت أوامر بقطع تلك المراسلات التي لم تكن إلا أدبية خالصة، فانقطعت فدوى رغما عنها ولم ترد على مراسلات محمود طه دون أن تشرح له سبب التوقف.

نشات بين فدوى وشاعر مصري أخر هو إبراهيم نجا علاقة عن طريق الرسائل دون أي لقاء بينهما، وتحولت إلى عاطفة رومانسية مشتعلة في قلبيهما، ومع ذلك وبعد فترة كتبت فدوى إليه ” ماذا أقول؟ أنا خائفة، إن قلبي يكاد ينفجر في صدري مما يملؤه، أنا لا استطيع أن أقوم بكل هذا العبء، فخذ أنت بيدي ناشدتك الله، وأعني على مقاومة هذه العواطف الجامحة، أتوسل اليك أن تقطع رسائلك عني”.

وهكذا انتهت العلاقة العاطفية بينهما وهي علاقة بدأت على الورق وانتهت عليه، وتكررت القصة نفسها عدة مرات مع بعض الشعراء والأدباء، لذلك ظل الحب مطلبا روحيا عميقا من مطالبها لم يتحقق لذلك اتخذت قرارها النهائي بألا تتزوج، وأن تعيش وحيدة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة