الأرض في أدبنا الفلسطيني
بقلم: شاكر فريد حسن
تاريخ النشر: 30/03/22 | 9:10هناك علاقة جدلية ورباط وثيق بين الانسان الفلسطيني والأرض إلى درجة العبادة والتقديس والالتصاق بكل حبة تراب من وطننا الجميل الغالي، المجبول بعرق الفلاحين والكادحين ودمائهم ودموعهم. والأرض هي رمز لبقائنا ووجودنا وصمودنا ووحدتنا، ومنبع الشوق والحنين اللاهب للمشردين والمغتربين في الشتات والمنافي القسرية.
وتشكل الأرض إحدى الملامح والصور الرائعة شديدة الحضور في دفتر الأدب والعشق الفلسطيني، ويكفي أنها جسدت وعكست وحدة وتلاحم جماهيرنا العربية وشعبنا الفلسطيني بأروع وأبهى صورة في يوم الأرض الخالد العام 1976، عندما انتفضت هذه الجماهير مع قواها النضالية الوطنية ضد غول النهب والمصادرة،
فسقط الشهداء والجرحى في عرابة وسخنين والطيبة وغيرها من المدن والقرى العربية.
وقد عالج كتابنا وشعراؤنا في الداخل الفلسطيني قضية الأرض في نصوصهم الأدبية، الشعرية والنثرية، وعبّروا بصدق عن الشعور والاحساس الوطني، وحذروا من السماسرة، ونبهوا الى المشاريع والمخططات المرسومة، التي تستهدف مصادرة الأرض الفلسطينية وتهويدها. فصاغوا ونسجوا قصص وقصائد الحب والعشق والمقاومة، الداعية الى التمسك والانغراس في الأرض والانزراع فيها والدفاع عنها، والتصدي لعمليات المصادرة واغتصاب الأرض باسم القانون والديمقراطية، وملاحقة الفلاحين وتخريب حقولهم ومزروعاتهم تمهيداً للاستيلاء على الأرض.
ويتجلى العشق للأرض والطبيعة الفلسطينية في أشعار توفيق زياد وراشد حسين وسميح القاسم ومحمود درويش وسالم جبران وعصام العباسي وحنا ابو حنا وسعود الأسدي وفوزي عبداللـه وجمال قعوار وشفيق حبيب وحسين مهنا وسميح صباغ وفاروق مواسي وهايل عساقلة وسهام داود ومفلح الطبعوني وسواهم، وفي قصص وروايات اميل حبيبي ومحمد نفاع ومحمد علي طه ومصطفى مرار وعيسى لوباني وسليم خوري وزكي درويش وحنا ابراهيم وسلمان ناطور واحمد حسين ونبيه القاسم واحمد درويش وسهيل كيوان وغيرهم.
وما يميز أدبنا الفلسطيني بأنه يتمحور حول القضية الوطنية الأساسية، وهي حماية الأرض والحفاظ عليها والبقاء في الوطن ويصور بلادنا في جمالها الزاهي المتجلي في فصل الربيع، وذكر أسماء الأشجار والنباتات والأزهار التي تنمو وتنبت في روابي هذا الوطن، مثل الزيتون والسنديان والبرتقال والخروب والعبهر والبلوط والطيون والعكوب والزعتر والزعيتمان والشومر والمردقوش والهليون والسناب والخردله والعلت والخبيزة والقمح والشعير والعدس والسمسم..الخ. وأيضًا ذكر الجبال والوديان والهضاب والتلال والمروج والسهول كمرج بن عامر والمل والروحه والكرمل والجرمق وحيدر والجليل والخطاف، والتذكير بقرانا العربية الفلسطينية الهجرة على امتداد الوطن والساحل الفلسطيني.
كما أن أدبنا ينقل أغاني الرعاة وشدوهم في المراعي، ويسجل الحضور المباشر الواعي للشخصية الوطنية الفلسطينية وصرخاتهم المليئة بالمرارة والصدق والعفوية، ويرسم الدفء الانساني والحب الفاعل والمؤثر للأرض الحبيبة ومغازلة الحقول والمواسم الخضراء والمقاومة الشعبية الصلبة الواعية الملتزمة، والتحدي البطولي، والقامة المنتصبة، والهامة المرفوعة دفاعاً عن الارض والوطن، والذود عن الحق والكرامة الوطنية والطبقية والهوية الكنعانية، وصد الهجمة السلطوية الشرسة على الارض والمسكن وهدم البيوت. كذلك يلتقط الهموم والأنفاس والهواجس العميقة والقلق على مستقبل شعبنا، ويطفح بالحكايات والأمثال والخرافات والقصص الشعبية والتراثية، التي تتحدث وتحكي عن الحجارة والصخور والارض المتوقدة شوقاً للحرية.
إن موضوعة الأرض في أدبنا الفلسطيني عميقة الجذور، ومرتبطة بالأصالة الوطنية الحقيقية، التي تجعل كتابنا وشعراءنا ينحازون وينتصرون للجماهير الفلاحية الفقيرة الجائعة والمستضعفة، وللقيم الابداعية الانسانية الأصيلة والمثل العظيمة السامية، وتعرية المواقف والممارسات الانهزامية والخنوعة للقيادات والزعامات التقليدية الرجعية المنتفخة ولسماسرة وتجار الارض.
يبقى في النهاية القول، الأرض هي رمز وتجسيد حي وملموس للوطن، الذي نناضل ونقاوم لحمايته وصيانته، ومواجهة مشاريع الاقتلاع والترحيل الترانسفيرية، وهي تكتسب أبعادًا كثيرة في أدبنا وثقافتنا الفلسطينية المعاصرة، وقد نجح المبدع الفلسطيني في استلهام الوطن بتفاصيله اليومية الدقيقة ما جعل الوطن يتحول الى معنى رائع وجميل في العقل الفلسطيني والذهن الانساني.