متنفَّس عبرَ القضبان (51)
حسن عبادي| حيفا
تاريخ النشر: 04/04/22 | 12:52بدأت مشواري التواصليّ مع أسرى أحرار يكتبون رغم عتمة السجون في شهر حزيران 2019؛ تبيّن لي أنّ الكتابة خلف القضبان متنفّس للأسير، ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة بعد كلّ زيارة؛
عيد ميلاد آخر خلف القضبان
كنت شاهدًا على محكمة القرن يوم الثلاثاء 15.02.2022 في المحكمة العليا في مدينة القدس للجلسة رقم 168 وبطلها الأسير المعتقل محمد خليل محمد الحلبي [1]، إنّ تمديد اعتقاله منذ 15.06.2016 ولم يصدر حكمٌ بحقه مشهد ما زال يلاحقني مذّاك، ويطلّ على شاشة هاتفي وصفحتي كلّ صباح منشور آخر من والده فكان لا بدّ من ترتيب لقاء آخر معه.
غادرت حيفا السادسة صباح الأحد 20.03.2022، برٍفقة الصديق مصطفى نفاع، لزيارته في سجن ريمون الصحراويّ. بعد مشقّة سفر طال أربع ساعات أطلّ عبر الممّر الطويل مبتسمًا تلك الابتسامة الواثقة ليصافحني عبر الحاجز الزجاجيّ الفاصل المقيت.
حدّثني عن القسم “المختلط”، شكلّ لقاء الكلّ الفلسطيني بتعدّديّته الجغرافيّة والفكريّة والدينيّة، وتعليم الماجستير والنقاش بين الطلّاب الأسرى حول الفترة العثمانيّة، هل هو احتلال أم خلافة أم وجود تركي كحلّ وسط؟
حدّثني عن بداية الاعتقال، لم يهتم حينه بشئون الأسرى، سيناريو السجن صفر، والتقى قبيل اعتقاله بكمال الشرافي وأشرف العجرمي وسفيان أبو زايدة وأحاديثهم حول الأسرى والسجون كانت بالنسبة له طلاسم لأنّ جلّ اهتمامه كان يصبّ في تجنيد الموارد والمساعدات الماليّة للأهالي المنكوبين في غزة.
تحدّثنا عن الإهمال الطبّي في السجون والمماطلة في العلاج ورفض الأطبّاء تسجيل ما يقوله المريض وما يشتكي منه جاعلًا ملفّه “أبيض”.
هناك ضرورة ملحّة لأنسنة قضيّة أسرانا وهذا ما سيقوم به حال تحرّره، ومحاولات ابتزاز اعترافٍ ما لتحريره والصفقات المشبوهة مرفوضة لأنّ هدفها تبييض وجه الاحتلال وجهازه القضائي.
لو عادت عجلة الزمن عبر (re start) وفرمتة ليوم الاعتقال لاختار نفس الطريق والموقف لإيمانه بعدالة قضيّته.
يثمّن محمد دور التحالف الأوروبي لمناصرة أسرى فلسطين ووقفتهم إلى جانبه، وكذلك كلّ المناصرين له ولملفّه من كلّ من أرجاء المعمورة، ممّا يمدّه بالقوة ويرفع معنويّاته.
تحدثنا عن إهمال ملف الأسرى وأهميّة الدور الذي يقوم به والده وحبّذا لو يحذو أهالي الأسرى حذوه ليبقى ملف الأسرى الحارق على المحكّ، في كلّ المحافل وكلّ الوقت.
عيد ميلاد آخر (02.04)، والمتضامنون في استراليا، وريتال وإخوتها، يستعدّون للاحتفال به ومحمد خلف القضبان.
“نافذة للحياة”
التقيت الأسير أسامة محمد علي الأشقر [2] مباشرة بعد لقائي بمحمد الحلبي.
تحدّثنا بدايةً عن نشاط التحالف الأوروبي لمناصرة أسرى فلسطين والحراك الثقافي لأدب الحريّة ومستجدّاته وأثرها، وسولفنا عن الأصدقاء صلاح أبو لاوي، أحمد أبو سليم، عبد السلام صالح، محمد مشّة، نسب حسين وغيرهم ومبادرة أسرى يكتبون ولكلّ أسير كتاب وغيرها، فهو متابع نهم للمشهد الثقافي وخاصّة بما يخصّ أدب السجون.
تناولنا أهميّة الدور الذي تقوم به خطيبته منار، مثلها مثل نسيم، كمال، يوسف، نضال وغيرهم لتبقى حروف الأسرى وكلماتهم محلّقة في فضاء الحريّة.
تداولنا فكرة لكلّ أسير قصّة وحكاية، وأهميّة نشرها لتكتمل الفسيفساء، وضرورة “مُحاسبة” الأسير الكاتب بعد الإصدار الأوّل، ومشروعه القادم (مقالات وخواطر)، وغيرها.
ناقشنا فكرة كتاب الرسائل وما يقوم به الصديق الكاتب محمود شقير لتحريره؛ تلك الرسائل التي بعثها أسامة لتحريك قضيّة الأسرى والاهتمام بها، وردود الفعل ممّن راسلهم وكاتبهم.
كان عصفًا ذهنيًا مثيرًا، وباغتني حين وصفه ساعة حان موعد الفراق “نافذة للحياة”.
في طريقه أخبرني بأنّ أحد زملائه الأسرى يرفض اللقاء بي.
لكم أعزائي: محمد وأسامة أحلى التحيّات، وعلى أمل بحريّة قريبة لكم ولكافّة أسرى الحريّة.
حيفا آذار 2022
============
الهوامش:
[1] الأسير محمد خليل محمد الحلبي، من مواليد 1978، أُعتقل يوم 15.06.2016 ولم يصدر حكمٌ بقضيّته بعد.
[2] الأسير أسامة محمد علي الأشقر من مواليد 1982، أُعتقل يوم 14.11.2002، حكمت المحكمة العسكريّة الإسرائيليّة بحقّه حكماً بالسجن المؤبد 8 مرّات و 50 عامًا.