اللهم انك الحق وقولك الحق ووعدك الحق- فتن آخر الزمان ج1
تاريخ النشر: 04/05/14 | 16:34بقلم: المربي محمد حبايب، أبو شادي
إنها فتن آخر الزمان وما أشدها وما أثقلها على أهل هذا الزمان، يا عباد الله فاثبتوا، اللهم انك الحق وقولك الحق ووعدك الحق، اللهم اجعلنا من أهل الحق وثبتنا على الحق المبين، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه واجعلنا ممّن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصّالحين.
أيها الناس.. أدعوكم بقلب مشفق بكم يعتصره الألم ويتفطر حزناً وأسى لما آلت إليه أمور حياتنا
اللهم ردنا إليك رداًً جميلاً.. اللهم ردنا إليك رداًً جميلاً..
الله البر الرحيم، مشفق بكم مما هو آت، ويريد بكم الخير
الله جل جلاله يناديكم ويدعوكم وينتظركم أن تتوبوا إليه
فاستجيبوا له وعودوا إلى الله قبل فوات الأوان
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)
(وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَىٰ دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)
ولا يخدعنكم الشيطان بأن الأوان بعيد، فيد المنية قد تخطف أياً كان كبيراً أو صغيراً مريضاً أم معافى في لحظة خاطفة، وهكذا يفوت الأوان فجأة وبلا إنذار، ويكون الشيطان قد فرغ منكم وانتصر عليكم، واذكروا أن الله حذرنا من الشيطان ووساوسه ومزالقه فلا تقعوا فيها، إذ قال عز من قائل: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ).
واعلموا أن الشيطان لا يملك أي سلطة على الإنسان، إنما يملك شيئاً واحداً، أن يوسوس له، قوله تعالى: {إن كيد الشيطان كان ضعيفا}، لكن الخطورة البالغة أن يستجيب الإنسان للشيطان، وهذا وللأسف ما هو كائن في هذه الأمة، فالإنسان بين طريقين إما أن يستجيب للرحمن أو أن يستجيب للشيطان، وعدم استجابته للرحمن يعني بالتأكيد أنه استجاب للشيطان.
وانظروا هداكم الله كيف يسخر لعنه الله ممن اتبعوه يوم القيامة كما نبأنا يه الله تبارك وتعالى: (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ۖ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ). ويكون ذلك في يوم القيامة عندما يتشفع المؤمنون بسيد الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ليشفع لهم عند الله، فيتوجه أتباع الشيطان إليه قائلين “ونحن من سيشفع لنا ؟” فيقوم إبليس مخاطباً إياهم بما ورد في الآية الكريمة.
ولقد نبأنا الصادق الوعد الأمين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بما هو كائن في آخر الزمان، وعن الفتن التي تكون فيه، واخبرنا أيضا عن أوضاع الأمة وأحوالها ووقوعها في الفتن والضلالات على الصعيدين الفردي الخاص والعام الذي يشمل غالبية الأمة، وعن علامات الساعة الصغرى والكبرى، التي تحققت منها الصغرى وغالبيتها منذ زمن طويل، وهذا من علامات نبوته صلى الله عليه وسلم، وان الفساد سيفشو في الأرض وفي جميع الأمم، وفي أمة الإسلام، وسينتشر الشرك والكفر بالله وبدينه، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أوّلها، أعاذنا الله وإياكم من كل هذا، ومن جميع الفتن ما ظهر منها وما بطن.
والفتنة أنواعها كثيرة منها فتنة المال، وفتنة النساء، وفتنة الهوى وحب الدنيا وحب التسلي، وفتنة الشهوات، وفتنة الشبهات، وفتنة الولد والأهل وعقوق الوالدين، وفتنة الجور والبغي والظلم والعدوان وظلم الجار لجاره وظلم ذوي القربى في الأسرة نفسها، وغيرها من الفتن التي تتلبس بأزياء مختلفة، والأقوال في الظلم والجور كثيرة جداً في الكتاب والسنة، ولقد توعد الله تبارك وتعالى الظالمين كثيراً بقوله: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء (43)).
وما أخبرنا به صلى الله عليه وسلم عن حال الأمة وفتن آخر الزمان كثيرة جداً لا يمكن ذكره كله، لكني سآتي على ذكر بعضه، لقد وصفها بأنها كقطع الليل المظلم.. ومما قاله صلى الله عليه وسلم: (مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ)، وقال أيضاً: “وَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ وَلَكِنْ أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا، كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، فَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ “، وقال أيضاً: (ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً، وهوىً متبعاً، ودنيا مؤثرةً، وإعجاب كل ذي رأيٍ برأيه، فعليك بخاصة نفسك ودع عنك أمر العامة فإن مِن ورائكم أياماً الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عملكم، قيل يا رسول الله: أجر خمسين منا أو منهم؟ قال: بل أجر خمسين منكم)، فهنيئا للعاملين الذين لهم أجر خمسين رجلاً من الصحابة !!! ما سآتي على ذكره لاحقاً إن شاء الله، وجميع هذه الظواهر وخاصة هذه الظاهرة التي أشار إليها النبي عليه الصلاة والسلام قبل ما يزيد عن 1400 عام “إعجاب كل ذي رأيٍ برأيه” هي من أشد الفتن التي ابتليت فيها الأمة، إذ تعتبر اختلاطاً للحق والباطل، فلا تكاد تجد أحياناً اثنين متفقين على رأي واحد كما يقول المثل العامي (كلهم روس قش فيهم ولا قنارة، والقنارة هي رأس البصل الصغير)، والحديث ومثله الكثير من الأحاديث يشير بشدة إلى الوقوع بفتن كثيرة، ومنها انتشار ظاهرة تكفير الناس بعضهم بعضاً على صعيد الأفراد والطوائف والأمة، والنميمة ونشر الفساد والوقوع في أعراض الناس، ولقد توعد الله تبارك تعالى ناشري الفتن والداعين إليها بقوله: (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ).
وأخبرنا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن حال الواقعين في أعراض الناس بقوله: (لَمَّا عَرَجَ بِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ، يَخْمُشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلاءِ يَا جِبْرِيلُ ؟ قَالَ: هَؤُلاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ)، وفي رواية أخرى: “ليلة أسري به إلى السماء مررت بقوم يقطع اللحم من جنوبهم ثم يلقمونه، ثم يقال لهم كلوا ما كنتم تأكلون من لحم أخيكم، فقلت: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: هؤلاء من أمتك الهمازون اللمازون” يعني المغتابون، يقطعون أجسادهم بأيديهم ويأكلون لحوم أنفسهم، وهذا عذابهم في حياة البرزخ (عذاب القبر) وفي الآخرة لهم أشد العذاب، وقال أيضاً: ” كفى بالمرء كذبا أن يحدّث بكل ما سمع”، وحتى لو كان يظن بأنه صحيحاً، فإن من اعتاد ان يحكي كلّ ما يسمع، كان في غالب الأمر حديثه مخلوط بكذب ولا محالة، فالناس بحكم العادة “يتوسعون” في كثير من الأحيان، فيما يروون.
وقال من لا ينطق عن الهوى وما أكثر ما قال في هذا السياق: “يا معشر من آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه في جوف بيته”.
وقال الله جل ذكره: “ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه”.
ووصف الله تعالى ناشر الإشاعة بالفاسق إذ قال جل ذكره: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾.
فجعل الله من نقل الخبر دون تثبت من الفاسقين، فمجرد نقل الأخبار دون التأكد من صحتها موجب للفسق؛ و ذلك لان هذه الأخبار ليس كلها صحيح، بل فيها الصحيح المختلط بالكذب وفيها الكاذب، فكان من نقل كل خبر وأشاعه، داخل في نقل الكذب، لذا جعله الله من الفاسقين.
فالمؤمن لابد له من الحذر في أن يكون عند الله من الفاسقين (الكاذبين)، وكفى بذلك كبيرة عظيمة من كبائر الذنوب، فالعاقل يعلم أنه ليس كل ما يسمع يقال، ولا كل ما يعلم يصلح للإشاعة والنشر، لأنه مليء بالأكاذيب المختلقة، وفي نشره كل الشر المستطير والفساد وارتكاب الكبائر، ولا مصلحة في نشره أبداً، بل الضرر كله وارتكاب الكبائر والآثام.
وقد قال نور السماوات والأرض في سورة النور: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ}. لأن ذلك يعبر عن نية خبيثة لنشر الفاحشة بين المؤمنين وفي المجتمع ككل، وأن شأن المؤمن أن لا يحب لإخوانه المؤمنين إلا ما يحب لنفسه، فكما أنه لا يحب أن يشيع عن نفسه خبر سوء، كذلك عليه أن لا يحب إشاعة السوء عن إخوانه المؤمنين.
فيا أيها المغتابون، لا تكونوا كالذباب لا يقع إلا على الجرح، وإياكم والوقوع في أعراض الناس وذكر مثالبهم والفرح بعثراتهم وطلب زلاتهم.
وكونوا مثل النحل لا يحط إلا على الزهر وعلى كل جميل.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتوب علينا من كثير الكلام وسخط الكلام ولغو الكلام إن ربنا على ما يشاء قدير.
يقول الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى: (إلزم طريق الهدى ولا يضرك قلة السالكين، وإياك وطريق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين).
ولا يكن لديك شك أخي القارئ الكريم بأننا نعيش فتن وأحداث آخر الزمان بكل تفاصيلها، ولن أخوض في إثباتها فهي حقيقة ثابتة كما نبأنا بها الذي لا ينطق عن الهوى، وقد حدث وللأسف جميع ما نبأنا به بكل تفاصيله من علامات الساعة وآخر الزمان وما سيكون عليه أهل هذا الزمان، بل حدث وللأسف أكثر منه بكثير، مما لم يكن ليتخيله أو يتحمل سماعه عقل بشر، مما تقشعر له الأبدان وتشمئز منه النفوس وتهتز له الجبال قبل القلوب.
وواقع ما تعيشه هذه الأمة اليوم شديد جدا، فلم يبق نوع من الذنوب المعاصي والضلالات والمنكرات والفواحش والموبقات إلا وهو منتشر بشدة، بل وأصبحنا نسمع عن فواحش لم تكن لتخطر على بال أحد، بل وأشد بكثير مما نبأنا به صلى الله عليه وسلم عن أهل آخر الزمان، وما قاله كثير جداً، منه ما هو لهم ومنه ما هو عليهم، فلقد مدح صلى الله عليه وسلم وأثنى كثيراً على المؤمنين المتمسكين في دينهم في آخر الزمان، رغم الصعوبة البالغة لذلك، “يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر”، وسنأتي على ذكر ذلك لاحقاً إن شاء الله.
إليك المشتكى يا رب العالمين إلى ما صار إليه حالنا وحال أمتنا وأبنائنا، ووصل إليه مآلنا (إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ)، إليك نرفع أكف الضراعة ونذرف الدموع مدراراً بل أنهاراً شاكين حزننا وشدة كربنا في أنفسنا وأهلنا وأبنائنا وأمتنا.
قَالَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا.
يا عباد الله فاثبتوا، يبيع دينه بعرض قليل من الدنيا الفانية، خسر الدنيا والآخرة: (إِنَّ هَٰؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلا).
والذي نفسي بيده لقد أصبحنا نسمع من الكبار قبل الصغار، بل منهم السبعيني الذي حج البيت، قائلين جهاراً نهاراً: “أنا لا أريد الآخرة، أريد أن أتمتع بالدنيا”، وقائل هذا حتماً لا يؤمن بالآخرة ولا بربها، بات يؤمن بأن الحياة فقط في الدنيا وللدنيا، ويريد أن يلحق منها بقسط من “التمتع” قبل أن يفوته قطارها، ولو كان مؤمناً لما باعها بعرض قليل حقير من الدنيا، وخسر الدنيا والآخرة.
انظروا أيها الناس كم بلغت شدة الغواية الفتنة، وانظروا إلى دقة الوصف في قول الله ورسوله الآنف الذكر، يا عباد الله فاثبتوا.. يا عباد الله فاثبتوا.. يا عباد الله فاثبتوا..
وقال صلى الله عليه وسلم (لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي المشركين).
وقال صلى الله عليه وسلم (لا تقوم الساعة حتى يلعن آخر الأمة أولها).
وقال أيضاً: (جعل الله في أول هذه الأمة عافيتها و في آخرها بلاءها).
انفضوا عنكم جميع أرجاس هذه الدنيا وأهوائها وشهواتها، فالإنسان إذا دعاه الله عز وجل من أجل أن يكون حياً فهذه حياة النفس والقلب، حياة الصلة بالله ومعرفة الله، حياة الخضوع لله والقرب من الله، حياة السعادة بطاعة الله، حياة طاهرة نقية من الآثام والذنوب المهلكة في الدنيا والآخرة.
إن بعد الناس عن الدين وعن الله هو سبب جميع مآسي هذه الأمة..أفراداً ومجتمعات، لقد ابتعدوا كثيراً حتى أصبح وكأن هوة سحيقة تفصل بينهم وبين الدين، وحتى أصبح الإنسان يخال نفسه يعيش في مجتمع غربي بكل ما له وما عليه، حتى أن الأجانب الذين يزورون المجتمعات الإسلامية، منهم حديثي الإسلام، يكونون في حيرة من أمرهم، ويتساءلون: (هل هؤلاء هم المسلمون ؟؟؟ إنهم لا يختلفون عنا !!! بل إننا خير منهم في كثير من أمور الحياة) !!!.
ومن هدي رسول الله قال علياً كرم الله وجهه: (يأتي على الناس زمان لا يبق من الإسلام إلا اسمه، ولا من القرآن إلا رسمه).
من هان أمر الله عليه هان على الله
لقد هان أمر الله على هذه الأمة فهانت على الله، فأصبحت لا شأن لها ولا وزن عند الله، وقد قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيكُمْ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا، فقال قائل: ومِن قلَّةٍ نحن يومئذٍ ؟! قال: بَلْ أَنتُمْ يَومَئِذٍ كَثِيرٌ (1.6 مليار تقريباً)، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزِعَنَّ اللهُ مِنْ صُدُورِ الأمم المَهَابَةَ مِنكُمْ، وَلَيَقذِفَنَّ اللهُ فِي قُلُوبِكُمُ الوَهَنَ، فقال قائل: يا رسول الله ! وما الوَهَن ؟ قال: حُبُّ الدُّنيَا وَكَرَاهِيَةُ المَوتِ». وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله).
ولا عجب ان يحدث ذلك في بلدان ومجتمعات تعيش للدنيا فقط، ولتحقيق جميع ما تصبو إليه أنفسهم من أهواء وشهوات، دون الاهتمام أمن حلال هذا أم من حرام، لا يعرفون معروفاً ولا يأمرون به، ولا ينكرون منكراً والعياذ بالله.
وقال النبي عليه الصلاة والسلام:
(كيف بكم إذا لمْ تأمروا بالمعروفِ ولم تَنْهَوْا عن المنكر؟ قالوا: أو كائن ذلك يا رسول الله؟ قال: وأشدُ منه سيكون، قالوا: وما أشدُ منه؟ قال: كيف بكم إذا أمرتُم بالمنكر ونهيُتم عن المعروف ؟ قالوا: أو كائن ذلك يا رسول الله ؟ قال: وأشد منه سيكون ـ الآن ما الذي هو أشد منه ـ قال: كيف بكم إذا أصبح المعروفُ منكراً والمنكر معروفاً) ؟.
هذه مصيبة المصائب أن تتبدل القيم، أن يصبح الكاذب صادقاً، والصادق كاذباً، أن يؤتمن الخائن ويخون الأمين ويصبح المعروف منكراً، والمنكر معروفاً.
(الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ۚ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ۗ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ).
ولكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل اجتاز كل الحدود، فمن الناس من يسخرون من الدين ومن أهله.. ويتخذون الدين هزواً ووسيلة للنكات ولإضحاك الناس، تعالى الله ودينه عما يقولون وعما يفعلون، ومنهم من لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة ويتخذون أهل الدين هزواً وسخرية دون وجه حق، واصفين إياهم بالسفاهة والتخلف وبصفات لا تليق بالإنسان السوي، ولا تليق بأحد من الناس.
وسواء جاءت جرثومة هذا المرض من خارج هذه الأمة أو من داخلها – وكلا الأمرين واقع – فالنتيجة واحدة في خطورته إذ يكفي فيه أنه مخرج من الملة بالكلية.
والمستهزئ بالدين لا يعقل ان يستهزئ بما هو مؤمن به، فغالب الظن أنه كافر بالدين الذي يهزئ به، أو متشكك ولديه ريبة في الإيمان بالله ورسوله.
إن السفاهة وسوء الخلق صفات موجودة وللأسف في جميع أطياف المجتمعات، وفي المتدينين وغيرهم، ولكن ليس “بكل” هذه أو تلك من الفئات، فلا تعمموا هداكم الله في أقوالكم، لأن حالات التعميم تؤدي إلى الظلم، واعلموا أن التمسك بالدين ليس مقروناً بالضرورة بإطلاق اللحى أو لبس العمامة أو أي لباس آخر بالنسبة للرجال، أما النساء، فإن اللباس الساتر المتناسب مع ما أمر به الله ورسوله فهو مُلزم. وويل لهؤلاء المتسترين بالدين متخذينه وسيلة لعصيان الله والتظاهر بالطهر والعفاف أمام الناس، أو لقضاء مآربهم المالية الدنيوية.
* أَلَم تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَىَ عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذّبُونَ * قَالُواْ رَبّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنّا قَوْماً ضَآلّينَ * رَبّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلّمُونِ * إِنّهُ كَانَ فَرِيقٌ مّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبّنَآ آمَنّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرّاحِمِينَ * فَاتّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتّىَ أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مّنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوَاْ أَنّهُمْ هُمُ الْفَآئِزُونَ *.
ومن فئات الساخرين من هذا الدين، والعياذ بالله، فئة ممن يعتبرون أنفسهم من “المثقفين” ويتهمون الدين وأهله بالتخلف، عشش في قلوبهم السواد والكبر وانتفخت أوداجهم بالكبرياء، ويعتبرون أنفسهم “بثقافتهم” فوق الدين بل فوق كل البشر، ومنهم بعض الكتاب المرموقين من سبوا الدين ورسوله، بل وتجرئوا وتطاولوا على الذات الإلهية وقالوا أقوالاً عظيمة تقشعر منها الأبدان وتهتز منها الجبال، وإمعاناً في الكفر والإلحاد قال كاتب مصري في أحد كتبه التي تم نشرها “فليأخذ محمداً أوراقه الصفراء ويعود الى الصحراء”، وهذا فيض من غيض مما ينعق به هؤلاء الملاحدة فتعالى الله عما يقولون، ولا أستطيع أن أكرر ما قالوه لأنه شديد جداً.
ولست ممن هم ضد الثقافة والعلم، بل بالعكس، فالعلم هو نبراس الحياة، والعلم نور والجهل ظلام، وكل الاحترام والتبجيل للعلم وأهله الطيبون الذين يتعاملون مع الناس بالتواضع والإحسان، وإنما يخشى الله من عباده العلماءُ، لكن هؤلاء المتفيهقون المتشدقون بالعلم كالحمار يحمل أسفاراً، فالأسفار كريمة مقدسة ولكن أنى للحمار أن يدرك شيئاً منها، ولو كانوا حقاً أهل ثقافة وعلم لهداهم علمهم هذا إلى الله، لكن علمهم المزيف هداهم إلى الضلال وإتباع الشيطان. (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَـكِن لاَّ يَعْلَمُونَ).
لكن أمر هؤلاء المستهزئين غريب أياً كانوا، ألا تخافون الله ؟ ما هذا الاستهتار بالإسلام والمسلمين ؟ وما هذه الجرأة على خلق الله وعباده ؟ وما هذه الجرأة على هذا الدين ؟ بل ما هذه الجرأة على الله ورسوله ؟ أأمنتم مكر الله ؟ (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأمَن ُمَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ)، أم أمنتم عقاب الله وجبروته ؟ أم غركم حلم الله عليكم ؟ وهو الحليم العليم الرحيم، أم غركم صبر الله عليكم وهو الصبور الغفور الشكور، ألم تعلموا أم أنساكم الشيطان أنه يمهل ولا يهمل ؟
استغفروا ربكم وتوبوا إليه ولا تكونوا من أتباع الشيطان الرجيم، ” وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ۖ وَإِن تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِير”.
{وَاسْتَغْفِرُوا رَبّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيم وَدُود}
عندما يسخر الغرب منا ومن ديننا تقوم قائمتنا، ثم نعزي ذلك بكل بساطة بأنهم ليسوا مسلمين مثلنا فلا عجب مما يفعلوه، فما بالك عندما تسمع هذه السخرية ممن هم من أبناء جلدتنا من المحسوبين على الإسلام والمسلمين ؟؟؟ ألم يسمع هؤلاء السفهاء ماذا كانت عاقبة قوم نوح عليه السلام عندما سخروا منه ؟؟؟
﴿وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ ۚ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ﴾.
(قُلْ أَبالله وآياته وَرَسُولهِ كُنْتُمْ تَسْتَهزءون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم)
(وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ۚ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ ۖ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا)
تأملوا أخوتي القراء حياة وأحوال المستهزئين والساخرين وستجدون عجباَ، وتشعرون بألم وحسرة تعتصر قلوبكم الذي أشرق عليها نور الإيمان.
وانظروا إلى كلام ينشر ويقرأ لما يدعون زوراً وبهتاناً بكتاب وشعراء الحداثة (ليس كلهم)، ومن الإعلاميين وإعلامهم المزيف المسخر لخدمة الشيطان ونشر الرذيلة، تجد فيه كفراً بواحاً من خلال سخريتهم بالله واستهزائهم به وبرسوله وبدينه، وهم وللأسف متواجدون في كل مهنة وكل مكان، تعالى ربنا وتقدس عن ذلك علواً كبيراً.
اللهم اهدنا واهدي واصلح شبابنا وبناتنا ونسائنا، اللهم حبب اليهم الإيمان وزينه في قلوبهم، وكره اليهم الكفر والفسوق والعصيان انك ولي ذلك والقادر عليه، اللهم اهدنا واهد بنا واجعلنا هداة مهتدين، اللهم واكفنا وارضنا واغننا بحلالك عن حرامك وبك وبفضلك عمن سواك، وصلي اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان الى يوم الدين.
يتبـــــــــــــــــــع………..
بقلم: المربي محمد حبايب، أبو شادي.
بارك الله فيك.
اكثر من رائع. يا ريت نقرأها مع شوية جدية وخشوع يا اخواني.
يا أخي طويل كثير
بارك الله فيك أخي محمد مصاروه، شخصان بهذا الاسم عزيزان على قلبي.
وفي الأخ واحد، وفي جميع من قرأ مقالي سواء علق ام لم يعلق.
فانا ابتغي منه وجه الله، ولعلي أنير الطريق لنفس تائهة، ولو نفساً واحدة.
وأنا آسف فعلاً لطول المقال، لكن اكتمال الفكرة واكتمال عرضها اضطرني لذلك.
بارك الله لك فى علمك