بعلمه أو بغبائه.. هكذا يخدم بوتين الولايات المتحدة
بقلم: أحمد حازم
تاريخ النشر: 18/04/22 | 14:44الحرب الروسية التي أعلنها بوتين على أوكرانيا بدأت في الرابع والعشرين من شهر فبراير/شباط الماضي، وقد قيل وقتها، حسب مستشاري بوتين، أن هذه الحرب لن تستمر طويلاً، وسيتم حسمها على عجل لصالح روسيا بسبب تفوقها العسكري الكبير على جارتها أوكرانيا. لكن الرياح لم تجر كما أرادتها سفن بوتين و”حسابات البيدر لم تتطابق مع حسابات الحقل” وتورطت روسيا و”بوتينها” في مستنقع أوكرانيا، تماماً كما تورط الاتحاد السوفييتي السابق في مستنقع أفغانستان، وتماما كما تورطت الولايات المتحدة في مستنقع فيتنام والإثنان (أي الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة) خرجا منهزمين من الحربين.
الأيام القادمة ستظهر لنا كيف سيكون مصير روسيا بوتين في هذه الحرب، التي هي في الحقيقة ليست فقط حرباً بين روسيا وأوكرانيا إنما هي حرب بين روسيا والغرب الذي يحاول جلب أوكرانيا لجانبه سياسياً وعسكرياً لإحكام السيطرة على روسيا. على كل حال هذا صراع بين الشرق والغرب، وهو بطبيعة الحال صراع مصالح وصراع من أجل السيطرة. لكن يوجد لهذه الحرب وجه آخر لصالح الأمريكيين:
الرئيس الأمريكي السابق ترامب طلب من أوروبا دفع مبالغ مالية لتغطية نفقات القواعد العسكرية المنتشرة في الكثير من البلاد الاوروبية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945 وبرر ذلك بما أسماه الحماية العسكرية، وقد رفضت كل دول اوروبا طلبه حتى المنضوية في الحلف الاطلسي (الناتو).
مصانع الأسلحة الأمريكية تعاني من جمود في التصدير، لأن إنتاجها يعتمد بالدرجة الأولى على الأزمات والحروب في العالم، فكلما هدأ الوضع في العالم هدأ إنتاج وتصدير الأسلحة الأمريكية. لكن حرب بوتين على أوكرانيا ساهمت في تشغيل مصانع الاسلحة الاميركية بأضعاف طاقتها لتلبي حاجة دول اوروبية الى السلاح وأكبر مثال على ذلك ألمانيا: فقد أمر المستشار الألماني بتخصيص ميزانية للجيش الألماني بقيمة مائة مليار دولار ستشتري بها اسلحة وبطبيعة الحال غالبية هذه الأسلحة من الولايات المتحدة. وهنا نود الإشارة إلى أن ألمانيا وحسب المعاهدات التي تم التوقيع عليها بعد هزيمة ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية، تمنع ألمانيا من امتلاك جيش قتالي. لكن الولايات المتحدة غضت الطرف عن ميزانية الجيش الألماني لأن هذه الميزانية لصالح الإقتصاد الأمريكي وبالتحديد لصالح مصانع الأسلحة الأمريكية. وهذا يعني أن بوتين ساهم بذلك في دعم هذه المصانع. كما ساهمت بولندا في هذا لدعم أيضاً لأنها قررت شراء أسلحة أمريكية بقيمة أربعة مليارات دولار، علما بأنها دولة أوروبية فقيرة نسبياً قياساً بدول أوروبية أخرى.
الرئيس الروسي بوتين يقدم أيضاً خدمة حقيقية للرئيس الأمريكي جو بايدن (بقصد أو بدون قصد…بعلمه أو بغبائه) . بايدن من خلال هذه الحرب الروسية على أوكرانيا جمع الأمريكيين حوله من أجل الدفاع عن أوكرانيا وعن أوروبا. وليس من المستبعد أن يستدرج بايدن الرئيس الروسي لإطالة هذه الحرب، لأنها كلما طالت كلما كانت لصالح الولايات المتحدة وقد تطول حتى توقيت انتخابات النصفية الاميركية في تشرين الثاني / نوفمبر المقبل لتحقيق فوز انتخابي.
حرب بوتين على أوكرانيا التي هبت الولايات المتحدة فوراً لنجدتها، (وكما ذكرنا سابقا لأسباب سياسية وعسكرية) هذه الحرب أعطت انطباعاً للعالم أن الولايات المتحدة هي دولة إنسانية بل وأكثر إنسانية من غيرها ولا سيما روسيا، بسبب دعمها لأوكرانيا مما يعني أيضاً (تأكيداً) للتفوق الثقافي الأمريكي والأوروبي، كون أوروبا كلها وقفت إلى جانب أمريكا في دعمها لأوكرانيا. بمعنى أن هذه الحرب أشبه بهدية من بوتين لأمريكا وأوروبا، علماً بأن أوروبا وأمريكا سببتا كوارث مختلفة للبشرية. فهل ننسى أن أوروبا قامت بإشعال حربين عالميتين في النصف الاول من القرن العشرين، وهل ننسى حروب أمريكا في كوريا وفيتنام ولاوس وما سببته ثقافة الغرب من كوارث انسانية وفي مقدمتها قضية فلسطين منذ 74 سنة؟
بوتين، وكما يبدو، وبغض النظر عن أسباب الحرب على أوكرانيا، أدخل روسيا مجدداً في لائحة الدول التي تسحق حقوق الشعوب، وذلك بعد إقدام الاتحاد السوفياتي على اجتياح المجر عام 1956وتشيكوسلوفاكيا عام 1968وعلى غزو افغانستان في مطلع ثمانينات القرن العشرين وعدوانه الاجرامي على الشعب السوري منذ عام 2015 حتى الآن.